"غيّروا المسار الآن".. غوتيريش يقرّ بأن البشرية تجاوزت حدّ الأمان المناخي

قبيل مؤتمر المناخ (كوب30)

"غيّروا المسار الآن".. غوتيريش يقرّ بأن البشرية تجاوزت حدّ الأمان المناخي
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نداءً إلى قادة العالم، محذرًا من أن البشرية أخفقت رسميًا في تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية. 

ودعا غوتيريش، في مقابلة مع صحيفة "الغارديان"، إلى "تغيير المسار فورًا" قبل أن تتجاوز البشرية ما وصفه بـ"نقاط التحول الكارثية" في الأمازون والقطب الشمالي والمحيطات، مؤكدًا أن الفشل في التصدي لأزمة المناخ لم يعد قضية بيئية فحسب، بل بات مسألة حقوق إنسان وحق في الحياة والكرامة.

اعترف غوتيريش في المقابلة أجراها، واجا شيباي، وهو صحفي من السكان الأصليين، بأن تجاوز الحد المسموح به للاحترار العالمي أصبح "أمرًا محتمًا"، وأن عواقب ذلك ستكون وخيمة على جميع الشعوب، ولا سيما الفئات الضعيفة التي تتحمل عبء الكوارث المناخية دون أن تكون مسؤولة عنها.

وأضاف الأمين العام أن "البديل عن التحرك الفوري هو الفوضى الشاملة، حيث تنجو الأقلية الثرية بينما تُترك الأغلبية لتواجه الدمار".

غياب المساءلة المناخية

أشار غوتيريش إلى أن أقل من ثلث دول العالم –62 من أصل 197– التزمت بإرسال مساهماتها المحددة وطنياً (NDCs) بموجب اتفاق باريس للمناخ، هذا العجز الجماعي في تنفيذ الالتزامات يعكس، بحسب قوله، "تخليًا متعمدًا عن المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه الأجيال القادمة".

قال الأمين العام: "تحتاج البشرية إلى خفض الانبعاثات بنسبة 60% للبقاء ضمن سقف 1.5 درجة مئوية، لكن التعهدات الحالية لا تتجاوز 10%. إننا نسير نحو كارثة واثقة الخطى، لكننا ما زلنا قادرين على التراجع إن غيّرنا المسار فورًا".

يُعدّ هذا التقاعس انتهاكًا واضحًا لمبدأ الحق في بيئة آمنة وصحية، وهو حق نصت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها التاريخي لعام 2022، باعتباره شرطًا أساسيًا للتمتع بجميع الحقوق الأخرى، بما في ذلك الحق في الحياة، والغذاء، والصحة، والتنمية.

الحق في التنمية العادلة

أكّد غوتيريش أن التحول عن الوقود الأحفوري لم يعد مسألة أخلاقية فحسب، بل أصبح "ضرورة اقتصادية ذاتية المصلحة"، موضحًا أن "عصر الوقود الأحفوري يوشك على الانتهاء، والعالم يشهد ثورة في مجال الطاقة المتجددة".

في السياق ذاته، رأت "فايننشيال تايمز" أن القمة المقبلة في مدينة بيليم البرازيلية -مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب30)- ستكون اختبارًا حاسمًا لمدى جدية الحكومات في تحويل الوعود إلى التزامات قابلة للتنفيذ، إذ تُعقد القمة في قلب غابات الأمازون، التي باتت رمزًا للصراع بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.

وتُبرز التقارير الحقوقية أن الدول النامية -التي تتحمل تبعات أكبر رغم مساهمتها الأقل في الانبعاثات- تطالب بآلية تعويضات مناخية عادلة، لضمان ألّا تتحول سياسات التحول الأخضر إلى عبء جديد على الفقراء، وهو ما وصفه غوتيريش بأنه "الحق في التنمية المنصفة داخل العدالة المناخية الشاملة".

صوت الشعوب الأصلية

من أبرز ما ميّز مقابلة غوتيريش مع الغارديان ووسيلة الإعلام الأمازونية سوماوما أنها أجريت للمرة الأولى مع صحفي من السكان الأصليين، هذا الاختيار لم يكن رمزيًا فحسب، بل يعكس رؤية أممية جديدة تقوم على الاعتراف بالدور الجوهري لمجتمعات الشعوب الأصلية في حماية الطبيعة.

قال الأمين العام: "أفضل حماة للطبيعة هم السكان الأصليون أنفسهم.. علينا الاستثمار فيهم، لأنهم يمثلون خط الدفاع الأول عن التنوع البيولوجي".

وفي مبادرة رائدة، أطلقت البرازيل ضمن استعداداتها لمؤتمر الأطراف "مرفق الغابات الاستوائية للأبد"، الذي يهدف إلى جمع 125 مليار دولار لحماية الغابات القائمة، مع تخصيص خُمس التمويل مباشرة لمجتمعات السكان الأصليين.

وقد رحبت صحيفة "أيرش تايمز" الأيرلندية، بالمبادرة بوصفها نموذجًا ملموسًا لتطبيق مبدأ العدالة المناخية، لكنها حذرت من أن التمويل دون سيادة محلية لن يحقق التغيير المطلوب.

الحق في المحاسبة البيئية

تؤكد تصريحات غوتيريش الحاجة إلى تبني مفهوم المساءلة البيئية كجزء من منظومة العدالة الدولية، فالإخفاق في الحد من الانبعاثات لا يعني مجرد فشل سياسي، بل انتهاكًا جماعيًا للحقوق المكفولة دوليًا.

وقد شدد الأمين العام على أهمية "إعادة التوازن في تمثيل الشرطة" داخل مفاوضات المناخ، بحيث يُتاح للمجتمع المدني والشعوب الأصلية التأثير في القرارات، بدلاً من ترك الكلمة العليا لجماعات الضغط التي "تسعى فقط لزيادة الأرباح".

وقالت "فايننشيال تايمز" في تحليلها إن هذا التصريح يُعدّ اعترافًا رسميًا بأن نظام الحوكمة المناخية الحالي "مخترق من المصالح التجارية"، ما يفرض إعادة هيكلته وفق مبادئ الشفافية وحقوق الإنسان.

نداء أممي لإنقاذ الكوكب

أمام هذه الصورة القاتمة، وجّه غوتيريش دعوةً واضحة إلى الحكومات لتغيير الاتجاه قبل فوات الأوان: "من الضروري للغاية أن يكون تجاوز حد 1.5 درجة قصيرًا وأقل شدةً قدر الإمكان.. لا نريد أن نرى الأمازون تتحول إلى سافانا، لكن هذا خطر واقعي إن لم نتحرك الآن".

وفي نهاية المقابلة، عبّر غوتيريش عن أسفه لأن أولويات المجتمع الدولي لا تزال رهينة الحسابات السياسية والاقتصادية، مؤكدًا "أن المعركة من أجل المناخ هي في جوهرها معركة من أجل العدالة والكرامة الإنسانية".

وأضاف: "لن أتخلى عن التزامي بالعمل المناخي والتنوع البيولوجي، ودعمي لكل الحركات الديمقراطية التي تناضل للحفاظ على أثمن ما نملك، الطبيعة الأم".

ما بعد بيليم

بينما يستعد العالم لمؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم، يقف المجتمع الدولي أمام مفترق طرق حاسم: إما أن يُترجم النداء الأممي إلى التزامات ملموسة تحفظ حق الإنسان في بيئة آمنة، أو أن يواصل الانحدار نحو مستقبل تتسع فيه الفجوة بين المراكز الغنية والجماهير المتضررة.

فاليوم، كما قال غوتيريش، لم يعد "التحرك المناخي خيارًا سياسيًا"، بل أصبح التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا بحماية الحياة الإنسانية ذاتها.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية