تصاعد العنف الأسري.. أزمة إنسانية تهدد حياة النساء في فرنسا
تصاعد العنف الأسري.. أزمة إنسانية تهدد حياة النساء في فرنسا
يشهد ملف العنف الأسري في فرنسا تطورًا خطيرًا يثير قلقًا واسعًا بين الأوساط الحقوقية والاجتماعية، إذ لم يعد الأمر مجرد قضية اجتماعية بل تحول إلى أزمة إنسانية حقيقية تهدد حياة آلاف النساء في مختلف مناطق البلاد.
وتتزايد حوادث العنف المنزلي بوتيرة متسارعة، ما يعكس خللاً عميقًا في منظومة الحماية والدعم المخصصة للضحايا رغم الوعود الحكومية المتكررة بتعزيز التشريعات والرقابة، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
وكشفت وزارة الداخلية الفرنسية في تقريرها السنوي الصادر، أمس الجمعة، عن أرقام صادمة تشير إلى مقتل 107 امرأة خلال عام 2024 على أيدي أزواجهن أو شركائهن الحاليين أو السابقين، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 11% مقارنة بعام 2023.
وبيّنت الدراسة التي جاءت بعنوان "حول الوفيات العنيفة بين الأزواج"، أن إجمالي الوفيات الناتجة عن العنف الأسري بلغ 138 حالة تشمل رجالًا ونساءً وأطفالًا، ما يعكس ارتفاعًا بنسبة 35% عن العام السابق.
وأوضحت الأرقام أن أكثر من 80% من الضحايا نساء، وأن أغلب الجرائم ارتُكبت في منازل الضحايا، وغالبًا باستخدام أدوات حادة أو أسلحة نارية يمتلكها الجناة بشكل قانوني.
منظمات تصف الوضع بـ"المأساوي"
نددت منظمات نسوية وحقوقية فرنسية بهذه الزيادة، ووصفتها بأنها "مأساة وطنية" تعكس فشل السلطات في مواجهة ظاهرة قتل النساء بسبب النوع الاجتماعي.
وأكدت منظمة "أوسيون دي فام" أن فرنسا تشهد حالة وفاة واحدة كل ثلاثة أيام بسبب العنف المنزلي، مشيرة إلى أن القوانين وحدها لا تكفي إذا لم تُدعّم بسياسات وقائية فعالة.
وطالبت المنظمة بزيادة التمويل المخصص للملاجئ المخصصة للنساء المعنفات، وتوسيع نطاق أوامر الحماية العاجلة، إضافة إلى تعزيز التدريب الخاص بعناصر الشرطة والقضاة للتعامل مع البلاغات الحساسة بسرعة كبرى.
حكومة ماكرون تحت الضغط
واجهت الحكومة الفرنسية في السنوات الأخيرة انتقادات حادة من ناشطين ووسائل الإعلام لعدم تحقيق وعودها بشأن مكافحة العنف الأسري.
وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد تعهّد منذ عام 2019 باعتبار "مكافحة قتل النساء أولوية وطنية"، إلا أن الارتفاع المستمر في عدد الضحايا يشير إلى ثغرات في التنفيذ وضعف التنسيق بين الأجهزة المختصة.
وأكدت وزيرة المساواة بين الجنسين أنييس بانييه-روناكيه مؤخرًا أن الحكومة تعمل على تحديث خططها الوقائية، إلا أن الناشطات يعتبرن الخطوات المتخذة غير كافية أمام حجم الأزمة.
نظام حماية يعاني من الثغرات
تواجه النساء ضحايا العنف الأسري صعوبات كبيرة في الوصول إلى الدعم القانوني والنفسي، خاصة في المناطق الريفية والضواحي البعيدة عن المراكز الكبرى.
وتعاني فرنسا من نقص حاد في عدد الملاجئ الآمنة، إذ لا يتجاوز عددها حاليًا 7 آلاف سرير على مستوى البلاد، في حين تشير التقديرات إلى الحاجة إلى ما لا يقل عن 15 ألفًا لتغطية الطلب الفعلي.
كما تبيّن أن نحو 40% من الضحايا سبق أن قدمن شكاوى رسمية قبل مقتلهن، ما يعزز الشكوك حول ضعف استجابة السلطات وعدم فاعلية الإجراءات الوقائية.
ظاهرة أوروبية متنامية
تعاني أوروبا عمومًا من تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء، حيث سجّلت إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا مؤخرًا ارتفاعًا مشابهًا في معدلات جرائم القتل الأسرية.
وتسعى المفوضية الأوروبية إلى توحيد القوانين والإجراءات الوقائية عبر الدول الأعضاء، مع التشديد على ضرورة إدراج "العنف القائم على النوع الاجتماعي" ضمن قائمة الجرائم الأوروبية المشتركة.
وترى منظمات الأمم المتحدة أن فرنسا، رغم تقدمها في مجالات الحرية والمساواة، تواجه أزمة قيم تتعلق بترسيخ مفاهيم احترام المرأة داخل الأسرة والمجتمع.
دعوات لإصلاح شامل
طالبت الجمعيات النسوية الفرنسية بضرورة إطلاق خطة وطنية جديدة تتضمن إصلاحات شاملة في نظام التبليغ والحماية، إلى جانب تعزيز التعليم والتوعية منذ المراحل الدراسية الأولى حول احترام المرأة ومناهضة العنف.
وأكدت المنظمات أن "السكوت عن العنف الأسري لم يعد خيارًا"، مشددة على أن الحل لا يكمن في العقوبات وحدها، بل في تغيير الثقافة الاجتماعية الذكورية التي تبرر السيطرة والعنف باسم العائلة أو العادات.
ورغم الجهود القائمة، يظل الطريق طويلًا أمام فرنسا لتتحول من بلد الإعلانات الوردية حول المساواة إلى نموذج واقعي لحماية النساء من العنف اليومي الذي يهدد حياتهن.










