دعوا لتسوية قانونية.. احتجاجات في فرنسا ضد "عنف الإدارات" بحق المهاجرين
دعوا لتسوية قانونية.. احتجاجات في فرنسا ضد "عنف الإدارات" بحق المهاجرين
شهدت العاصمة الفرنسية باريس وعدة مدن أخرى، مظاهرات نظمها عشرات النشطاء من منظمة "سيماد" (La Cimade) المعنية بالدفاع عن حقوق المهاجرين، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"عنف الإدارات الفرنسية" في تعاملها مع الأجانب الساعين إلى تسوية أوضاعهم القانونية في البلاد.
تجمع نحو 100 ناشط أمام مقر الشرطة في وسط باريس للتنديد بالعقبات الإدارية التي تواجه المهاجرين في الحصول على تصاريح الإقامة، في حين شهدت مدن مثل مرسيليا وليل وليون تجمعات مماثلة شارك فيها العشرات أمام إدارات الهجرة، مردّدين شعارات مثل: "نظّموا أوضاعهم" و"امنحوهم أوراقاً"، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الجمعة.
ورفع المشاركون لافتات تنتقد تعقيدات الإجراءات الإدارية والرقمية التي رأوا أنها تحرم آلاف المهاجرين من فرص العمل والاستقرار، في ظل سياسة يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها تضييقاً ممنهجاً ضد الفئات الهشة في المجتمع الفرنسي.
الرقمنة تُعقّد بدلاً من أن تُبسّط
قالت الناشطة ميشيل بومنديل، من جمعية "لا سيماد" في منطقة إيل دو فرانس، إن "العمال الأجانب يمثلون قوة اقتصادية لا يمكن تجاهلها"، موضحة أن "الرقمنة لم تُبسّط الإجراءات كما وعدت الحكومة، بل جعلتها أكثر تعقيداً".
وأضافت أن آلاف العمال المهاجرين يفقدون وظائفهم بسبب تعثر تجديد الإقامات، وأن الإدارات الإقليمية ترفض ملفاتهم دون مبررات واضحة، ما يفاقم أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدت تقارير "سيماد" الأخيرة أن عدد قرارات الطرد الإداري ورفض طلبات التسوية ارتفع بشكل غير مسبوق منذ مطلع عام 2025، في وقت تعاني فيه الإدارات من ضغط المواعيد وتأخر الردود الإلكترونية.
شعور بالخذلان
حملت الناشطة ماري لانجيه لافتة كتب عليها "افتحوا نوافذكم"، وقالت في تصريحها خلال المظاهرة: "نمنع المهاجرين من الاندماج ثم نلومهم على عدم الاندماج"، مضيفة أن السياسات الحالية "تنتج مهاجرين غير شرعيين عبر البيروقراطية، لا عبر الحدود".
وأكدت أن فقدان الإقامة يؤدي غالباً إلى فقدان العمل والسكن، ما يجعل الكثير من الأسر في مواجهة التشرد والفقر، داعية الحكومة إلى إصلاح جذري للمنظومة الإدارية بما يضمن الكرامة الإنسانية لكل من يعيش في فرنسا.
المهاجرون ركيزة للاقتصاد
يرى الخبراء الاقتصاديون أن المهاجرين يشكلون قوة حيوية في الاقتصاد الفرنسي، خصوصاً في القطاعات التي تعاني من نقص في اليد العاملة مثل البناء والرعاية الصحية والمطاعم.
وبحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فإن تحسين إدماج المهاجرين في سوق العمل من شأنه أن يرفع معدلات التوظيف ويُعزز النمو الاقتصادي، مشيرة إلى أهمية الاستثمار في برامج التدريب والتنوع المؤسسي.
كما تشير بيانات حديثة إلى أن رواد الأعمال المهاجرين يمثلون نسبة متزايدة من أصحاب الشركات الناشئة في فرنسا، ما يعزز الابتكار ويوفر فرص عمل جديدة.
خشية من تشديد السياسات
عبّرت المتطوعة بيبيان توغاندي من جمعية "لا سيماد" عن قلقها من أن تسير فرنسا نحو تشديد أكبر في سياسات الهجرة، قائلة: "نخشى أن تتحول المداهمات وحملات التفتيش إلى ممارسة يومية كما حدث في الولايات المتحدة في عهد ترامب".
ويأتي هذا القلق بعد أن أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في يناير الماضي إلغاء تعميم فالس السابق المتعلق بتسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين، داعياً المحافظين إلى التركيز فقط على العمال في القطاعات التي تعاني من نقص حاد في اليد العاملة.
وينص القرار الجديد على أن المهاجر الذي لا يعمل في هذه القطاعات لا يمكنه التقدم بطلب تسوية استثنائية إلا بعد إقامته سبع سنوات متواصلة في فرنسا، وهو ما تعتبره الجمعيات الحقوقية تشديداً إضافياً يهدد فرص الاندماج والاستقرار.
إحصاءات تُبرز التراجع
كشفت بيانات وزارة الداخلية الفرنسية أن عدد تصاريح الإقامة الجديدة في عام 2024 بلغ 343,024 تصريحاً، بزيادة طفيفة لا تتجاوز 0.9% مقارنة بعام 2023، في حين انخفض عدد الذين تمت تسوية أوضاعهم إلى 31,865 شخصاً فقط، بتراجع نسبته 8.2%.
ويرى المراقبون أن هذه الأرقام تعكس جموداً في السياسات الحكومية تجاه المهاجرين، رغم حاجة الاقتصاد الفرنسي المتزايدة إلى الأيدي العاملة الأجنبية، مطالبين برؤية أكثر توازناً تراعي الاعتبارات الإنسانية والاقتصادية في آنٍ واحد.