بين البيئة والتمويل والعدالة.. هل يُصبح مؤتمر (كوب30) نقطة تحول في العمل المناخي وحقوق الإنسان ؟
بين البيئة والتمويل والعدالة.. هل يُصبح مؤتمر (كوب30) نقطة تحول في العمل المناخي وحقوق الإنسان ؟
يُعقد مؤتمر الأطراف (كوب 30) في نوفمبر الجاري بالبرازيل، في وقتٍ تبدو فيه قواعد اللعبة المناخية وحقوق الإنسان والقطاع المالي على أعتاب إعادة ترتيب شاملة، تأتي هذه الدورة هذه المرة في أعقاب حكم تاريخي صدَر عن محكمة العدل الدولية في يوليو 2025 قضى بأن البيئة النظيفة والصحية والمستدامة حقٌّ أساسي من حقوق الإنسان، وهذا التحوّل القانوني والتشريعي يعطي مؤتمر الأطراف الثلاثين فرصة فريدة، وربما اختباراً حاسماً، لكشف ما إذا كان سيكون منصة انتقال من كلمات إلى أفعال، في الربط بين المناخ، والإنسان، والتمويل.
خلفية قانونية وإنسانية
بحسب حكم محكمة العدل الدولية، يقع على عاتق الدول التزامات واضحة ضمن القانون الدولي: حماية النظام المناخي، وخفض الانبعاثات، والتعاون مع الدول الأخرى، وكل ذلك ليس بمعزل عن حقوق الإنسان.
المحكمة أكّدت أن إخفاق دولة ما في اتخاذ الإجراء المناسب لحماية النظام المناخي قد يُشكل فعلاً دولياً خاطئاً، وهذا السياق يمنح مؤتمر الأطراف الثلاثين، الذي يُعقد ضمن إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، دافعاً إضافياً لوضع حقوق الإنسان في قلب المفاوضات المناخية، وإنعاش الربط بين الأبعاد البيئية والمالية والإنسانية.
القطاع المالي والتحول المرتقب
وفق تقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP FI) يوم الاثنين نوه أن ما يحوّل مؤتمر الأطراف الثلاثين من اجتماع سنوي إلى محطة قد تُعيد تشكّل الواقع هو البُعد المالي متسائلاً كيف ستحشّد الدول والمؤسسات المالية القطاع الخاص لتمويل التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، مع إدراج صريح ومعمّق لحقوق الإنسان؟ لافتا أنه في هذا الصدد، أُطلِق في أكتوبر 2025 تقرير دائرة وزراء المالية التابعة لمؤتمر الأطراف، والذي شارك فيه أكثر من 35 دولة، ووجه دعوة ضاغطة لتوجيه التمويل نحو الأجندة المناخية.
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن مؤتمر الأطراف السابق (COP29) فشل في تحقيق هدف التمويل الكافي، إذ تمّ الاتفاق على أن الدول الغنية تعبّر عن استعداها لتعبئة 300 مليار دولار سنوياً، بينما الحد الأدنى المطلوب نُقل بـ 1.3 تريليون دولار، الأمر الذي رأته المنظمة أنه يكرر خريطة عدم المساواة وانتهاك حقوق الإنسان.
وهذا يجعل القطاع المالي –البنوك، شركات التأمين، صناديق الاستثمار– في موقع محوري ليس فقط بوصفه مموّلاً، بل فاعل قادر على الدفع أو المقاومة لتطبيق المعايير التي تربط بين المناخ والإنسان والمال، ومن المبادرات الملموسة أدوات العناية الواجبة بحقوق الإنسان التي طورتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP FI) للمؤسسات المالية، لتساعدها على ربط النشاط المالي بحماية الحقوق مثال: (مبادرة بنك تريودوس البريطانية، وقروض الطاقة الشمسية، إلخ)، وهذا المسار يؤشّر إلى أن مؤتمر الأطراف الثلاثين قد يكون لحظة الانتقال من التمويل المناخي التقليدي إلى تمويل العدالة المناخية.
ردود فعل المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني
بعد حكم محكمة العدل الدولية، رحبت جمعيات حقوق الإنسان العالمية بهذا التحوّل، معتبرة أنه بمثابة تحوّل تاريخي لقانون المناخ وقالت جمعية FIDH إن القرار يجعل من الفشل في الحد من الانبعاثات فعلاً دولياً خاطئاً أما في المحيط المالي فقد بدأت الدعوات تتصاعد لتضمين فحوى حقوق الإنسان ضمن التقييمات والمخاطر التي تقوم بها المؤسسات المالية وقبل مؤتمر الأطراف الثلاثين، أعلنت وزارة المالية البرازيلية –المضيفة– سلسلة ندوات حوارية مع المجتمع المدني حول دائرة وزراء المالية الخاص بالمؤتمر.
هل يُشكل مؤتمر الأطراف الثلاثين نقطة تحول؟
من العوامل التي تدعم هذا الاستنتاج: وجود قرار قضائي دولي رصين يؤسس لربط المناخ بحقوق الإنسان، الأمر الذي يرفع سقف التزامات الدول، ويُعدّ قاعدة للتشريع الداخلي والتمويل والمساءلة، بجانب وجود تمهيد مالي ملموس من خلال تقرير المالية المنتظر ضمن COP30 ووضع الأجندة المالية لقضايا التكيف والخسائر والأضرار في صلب المفاوضات.
الإنسان هنا هو مقياس النجاح أو الفشل إذ أنّ ملايين الأشخاص –في الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ– يعيشون اليوم مع محدودية الخدمات، فقدان الأمن الغذائي، تهجيراً، وأعباء صحية. وبحسب الأمم المتحدة، فإن الخسائر والضرر تنتظر أن تُعالج، لكن التمويل ما زال منخفضاً.
توصيات لما يمكن أن يحققه المؤتمر
وفق التقرير الأممي فإنه يجب تضمين بند حقوق الإنسان بوضوح في مخرجات المؤتمر، مع جدول زمني للتنفيذ والرصد، وكذلك رفع سقف التمويل وتضمينه في التنظيم المالي الدولي، لتشمل دولاً نامية ومنحاً (وليس فقط ديوناً) للتكيّف والخسائر والأضرار، مع إلزام المؤسسات المالية بدمج تقييمات مخاطر تغير المناخ وحقوق الإنسان في قراراتها الاستثمارية، وتفعيل أدوات مثل تلك التي طورتها UNEP FI، وتأكيد تعزيز الشفافية عبر نشر بيانات عن الأثر المالي والمناخي والاجتماعي للمشاريع المستدامة، وضمان مشاركة المجتمعات المتأثّرة في صنع القرار، وضمان أن الانتقال العادل لا يُترك خلفه فئات ضعيفة أو مجتمعات محلية، بل يشملها كجزء من الاستراتيجية، بما يعزّز عدالة المناخ والإنسان.











