بيليم على خط الطوارئ.. هل تستيقظ قمة المناخ في الأمازون من وعود بلا تنفيذ؟
بيليم على خط الطوارئ.. هل تستيقظ قمة المناخ في الأمازون من وعود بلا تنفيذ؟
في مدينة بيليم البرازيلية، عند حافة غابات الأمازون الممطرة، يلتقي قادة العالم لمحاولة إنعاش العمل المناخي العالمي بعد سنوات من التراجع والوعود غير المنجزة، وتأتي القمة الثلاثون للأمم المتحدة للمناخ (كوب 30) التي تعقد بين العاشر والحادي والعشرين من نوفمبر الجاري، في لحظة حاسمة تتزايد فيها الكوارث البيئية، في حين يتراجع الالتزام الدولي، وتغيب الإرادة السياسية في عدد من الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
من باريس إلى الأمازون: عقد من التراخي والتردد
قبل عشر سنوات، حمل اتفاق باريس للمناخ آمالًا واسعة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين، لكن بعد عقد كامل، يبدو أن الطريق لم يُقطع منه إلا نصفه، فقد ارتفعت الانبعاثات بدلاً من أن تتراجع، وتفاقمت ظواهر المناخ المتطرفة من حرائق الغابات في أوروبا وأستراليا إلى الفيضانات في آسيا وإفريقيا وفق فرانس برس.
تقرير الأمم المتحدة الأخير حول حالة المناخ يشير إلى أن العالم يسير نحو زيادة تتراوح بين 2.5 و2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ما يعني تجاوز الحد الآمن بمسافة خطيرة، ورغم الخطط الوطنية العديدة، فإن التنفيذ ما زال محدودًا، والدعم المادي والتقني للدول الفقيرة لا يزال قاصرًا عن الوعود.
بيليم.. بين الرمز والتحدي
اختيار بيليم لاستضافة قمة المناخ ليس مصادفة، فالمدينة التي تقع على أطراف الأمازون تمثل رمزًا للرهان البيئي العالمي، إذ إن الغابة التي توصف بأنها رئة الكوكب تواجه خطر الزوال بسبب قطع الأشجار والتوسع الزراعي والتنقيب عن النفط والمعادن، الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أراد من هذا الاختيار أن يوجه رسالة واضحة مفادها أن إنقاذ الأمازون هو إنقاذ للعالم.
لكن الواقع الميداني في بيليم يثير التساؤلات. فالمدينة التي يسكنها نحو مليون وأربعمئة ألف نسمة تعاني من ضعف في البنية التحتية، ويعيش نصف سكانها في أحياء فقيرة، كما ارتفعت أسعار الإقامة بشكل حاد، ما صعّب على الوفود الصغيرة والمنظمات المدنية المشاركة في القمة، واشتكى بعض المشاركين من استمرار أعمال البناء قبل ساعات من الافتتاح، في مشهد يعكس التناقض بين الشعارات والطبيعة المادية للحدث.
غياب الولايات المتحدة وأزمة الثقة
في المقابل، خيّم الغياب الأمريكي على الأجواء. فقد قررت واشنطن عدم إرسال وفد رسمي، في حين لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشكك في علم المناخ ويصفه بالخدعة، وهذا الغياب يوجّه ضربة قوية إلى مصداقية الجهود الدولية، لأن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم بعد الصين.
الدول النامية التي كانت تنتظر تمويلًا عادلاً لمشروعاتها المناخية تشعر بخيبة أمل متجددة. فهي ترى أن الدول الغنية لم تفِ بالتزاماتها السابقة، وأن التعهد بتمويل مئة مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول الفقيرة في التكيّف مع آثار التغير المناخي لم يتحقق إلا جزئيًا، يقول أحد المندوبين من إفريقيا إن هذا التمويل "ليس تفضلاً من أحد، بل حقّ مشروع في مواجهة أزمة صنعها الآخرون".
العدالة المناخية: التحدي المؤجل
على هامش القمة، تعود قضية العدالة المناخية إلى الواجهة، فالدول الجزرية الصغيرة ودول الجنوب العالمي تشعر بأنها تُركت وحدها في مواجهة الكارثة. ممثلو دول المحيط الهادئ حذروا من أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين سيؤدي إلى اختفاء بعض الجزر بالكامل، ما يعني ضياع أوطان بأكملها.
وفي المقابل، تحاول البرازيل أن تقدم نفسها بوصفها جسراً بين الشمال الصناعي والجنوب النامي، لكنها تواجه اتهامات متزايدة بالتناقض، ففي الوقت الذي ترفع فيه شعار حماية الغابات، سمحت الحكومة بالتنقيب عن النفط في مناطق قريبة من الأمازون. وتقول منظمات بيئية إن ذلك يقوّض مصداقية الجهود التي تتبناها برازيليا في هذه القمة.
بين الكلام والعمل.. ما الذي تنتظره الأمم المتحدة؟
القمة الثلاثون لا تهدف إلى إبرام اتفاق جديد، بل إلى متابعة تنفيذ ما سبق التعهد به في مؤتمرات باريس وغلاسكو ودبي. ومن أبرز ما ينتظر من هذه القمة إطلاق صندوق استثماري لحماية الغابات المدارية، وتعزيز التزامات الدول بخفض انبعاثات الميثان، وتوسيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
كما تعمل الأمم المتحدة على دفع الدول إلى الوفاء بتعهداتها في تمويل خطط التكيّف مع المناخ للدول النامية، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شدد أكثر من مرة على أن "الوقت ينفد"، وأن العالم بحاجة إلى انتقال حقيقي وسريع نحو اقتصاد خالٍ من الكربون، لكنه أقرّ بأن الالتزامات الحالية غير كافية للوصول إلى الهدف المنشود.
في بيليم، تقول الرئاسة البرازيلية إنها لا تريد قرارات رمزية جديدة، بل تنفيذ فعلي لما تم الاتفاق عليه. الرئيس لولا دعا قادة العالم إلى "الكف عن الكلام والبدء في العمل"، معلنًا أن بلاده ستضاعف إنتاج الوقود المستدام أربع مرات وتطلق مبادرة دولية لحماية الغابات.
تحديات على الأرض
القمة التي يشارك فيها أكثر من خمسين رئيس دولة وحكومة تحولت إلى اختبار لمدى جدية العالم في تجاوز الخطابات، ومع مشاركة نحو 170 دولة، ووجود شخصيات أوروبية بارزة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والأمير وليام، يأمل المنظمون أن تخرج بيليم بقرارات عملية.
غير أن الانقسام بين الشمال والجنوب ما زال حاضراً، فالدول النامية ترى أن التزامات الدول الصناعية ما تزال دون المستوى المطلوب، في حين يركّز الاتحاد الأوروبي وتحالف الدول الجزرية الصغيرة على ضرورة التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، وهو مطلب يلقى معارضة من دول تعتمد اقتصاداتها على النفط والغاز.
لا مزيد من الوقت
تأتي قمة بيليم في لحظة فارقة، فالعالم يشهد عاماً هو الأشد حرارة في التاريخ المسجّل، والفيضانات والحرائق والأعاصير تضرب كل القارات تقريباً، وبينما يزداد الخطر، ما زالت الخطط حبيسة الورق. وإذا لم تتحول الوعود إلى التزامات تنفيذية واضحة، فإن عقداً آخر من التراخي سيجعل العودة مستحيلة.
الرسالة التي يجب أن تخرج من الأمازون واضحة: لا يمكن تأجيل الإنقاذ أكثر. فالبيئة لا تنتظر، والكوكب يختنق، العالم بحاجة إلى عمل شجاع يتجاوز المصالح الضيقة، ويضع حياة الإنسان فوق السياسة والاقتصاد. فالقضية لم تعد قضية غابات أو انبعاثات فقط، بل قضية بقاء.










