من المنفى إلى المحاكمة.. الحماية تتحول إلى تهديد للصحفيين الفارين من أفغانستان
من المنفى إلى المحاكمة.. الحماية تتحول إلى تهديد للصحفيين الفارين من أفغانستان
حذّرت مؤسسة "ني" المتخصصة بالدفاع عن حقوق الصحفيين من تصاعد عمليات اعتقال وترحيل الصحفيين الأفغان –وخاصة النساء– المقيمين في باكستان ضمن موجات ترحيل المهاجرين والنازحين الأفغان، واعتبرت أن هذه الإجراءات تشكّل خطوة خطيرة تهدّد سلامتهم وحرياتهم الأساسية، على مدار الزمن، في بلدهم الأصلي الذي تحكمه حركة طالبان.
وقالت المؤسسة في بيان إنه يتمّ اعتقال الصحفيين وتعذيبهم وإيداعهم السجون دون ارتكاب أي جريمة في أفغانستان، وأضافت أن الشرطة الباكستانية اعتقلت الصحفية الأفغانية المقيمة في باكستان فاطمة همنوا مع طفليها، معربة عن خشيتها من أن يتم ترحيلها قسراً إلى أفغانستان وفق شبكة "أفغانستان إنترناشيونال".
أسباب الأزمة
بدأت الأزمة تأخذ زخماً منذ أن أعلنت حكومة باكستان أنها لن تجدد تأشيرات آلاف المهاجرين الأفغان، وأعادت مئات الآلاف منهم إلى بلادهم قسراً رغم تحذيرات المنظمات الحقوقية، وأفاد تقرير أن أكثر من 200 صحفياً أفغانياً يواجهون الترحيل من باكستان، وفق مراسلون بلا حدود (RSF) التي رصدت اعتداءات على الصحفيين وطردهم من مساكنهم وبلدهم المضيف.
ويؤكد آخرون أن التراجع في حرية الصحافة في أفغانستان تحت حكم طالبان، مع الاعتقالات المتكرّرة والتعذيب والترهيب، يجعل عودة هؤلاء الصحفيين معرّضة لخطر شديد.
تداعيات إنسانية وخيمة
الصحفيون الذين فرّوا من أفغانستان بحثاً عن الأمان في باكستان يواجهون الآن شبح الترحيل إلى بلد لا يضمن لهم الحماية، بل يعرضهم لعقوبات أو احتجاز أو ما هو أسوأ، ومن هذا المنطلق توصف العودة بأنها إرسال إلى المجزرة كما نقلت "RSF" عن أحد الصحفيين.
كما أن الترحيل القسري يفاقم تدهور الصحة النفسية للصحفيين الذين يعيشون في خوف دائم من الاعتقال أو التصعيد ضد أعمالهم. لاحظت منظمة العفو الدولية أن عدد الصحفيين المحتجزين أو المهدّدين بالترحيل يمثل عبئاً ضخماً على سلامتهم النفسية والجسدية.
من جهة أخرى، فإن حرمان الصحفيين من القدوم إلى بلد ثالث أو من حماية قانونية ملائمّة يُخلف فراغاً إعلامياً ومعرفياً عن الواقع الأفغاني، ويضعف من قدرة المجتمع الدولي على مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان هناك.
ردود المنظمات الدولية
تدعو منظمات عدة الحكومة الباكستانية إلى وقف الترحيل والإفراج عن الصحفيين الأفغان، وتذكر بأن مبادئ اللجوء وحماية اللاجئين تحظر إعادة أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطر الاضطهاد أو الاعتقال، فمثلاً، لجنة حرية الصحافة التابعة للمنظمة الدولية للصحفيين أوضحت أن الصحفيين الأفغان محاصرون بين نار التهديد في وطنهم وبين طرد من مخيماتهم في منفى مؤقت.
من جهتها، تنبه RSF إلى أن الترحيل القسري يُشكّل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، أما تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحفيين في باكستان فقد بيّن أن الإجراءات المتخذة ضد الصحفيين الأفغان تتزامن مع مراجعة شاملة لقوانين التأشيرات والإقامة في البلاد، ما زاد من خلخلة وضعهم القانوني.
من جهة أفغانستان، أشار تقرير لـهيومن رايتس ووتش إلى أن الصحفيين يُخضعون للاعتقال التعسفي والتعذيب بسبب تغطيات محرّمة أو اتصالات بالإعلام الخارجي.
الإطار القانوني الدولي
وفقاً لمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يعدّ حجر زاوية في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكول 1967، فإن أي دولة تمتنع عن إعادة شخص إلى بلد يُحتمل أن يتعرض فيه للاضطهاد أو الخطر وإعادة الصحفيين الأفغان من باكستان إلى نظام طالبان يُعدّ خرقاً لهذا المبدأ.
كما أن الحق في حرية التعبير والصحافة محمي بموجب المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ويُعدّ تعرض الصحفيين للاعتقال أو الترحيل بسبب ممارسة هذا الحق انتهاكاً صارخاً.
إضافة إلى ذلك، تتطلب اتفاقيات حقوق الإنسان أن تتخذ الدول موازنة بين الأمن والترحيل من جهة، وحماية حرية التعبير وضمان سلامة الأفراد من جهة أخرى.
ماضي الصحافة الأفغانية
قبل عام 2021، شهدت أفغانستان تصاعداً في أعداد الصحفيين النسائيين والمستقلين بعد عقود من الحرب، غير أن عودة طالبان سيّرت عصراً جديداً من القمع الإعلامي، فقد صُنّفت أفغانستان بين أسوأ الدول في حرية الصحافة، ومع فرار كثير من الصحفيين إلى دول الجوار، ومنها باكستان، بدأ هؤلاء يعيشون في ظروف مؤقتة هشّة، مع تأشيرات مؤقتة، ومعرّضون لتغييرات سياسية وقانونية تُفقدهم الحماية. وفي باكستان، بدأت سياسات الإعادة القسرية منذ أواخر 2023، مع تقرير أفاد بأن أكثر من 844000 أفغاني أُعيدوا حتى مارس 2025، ما جعل الجماعات المعرضة للترحيل من بينها النساء الصحفيات والنشطاء.
ومن زاوية إنسانية، فإن الزَجّ بالصحفيين إلى بلدين أحدهما تشهد فيه حرية الصحافة انهياراً، والآخر يُمارس فيه الترحيل القسري، يمثل ضرباً مزدوجاً لحقهم في الحماية والسلامة.
ومن الناحية المهنية، فإن طرد الصحفيين الأفغان من باكستان يُضعف تنوّع الصحافة في الشتات ويُضيّق مسارات التعاون الإعلامي والمراقبة الدولية للواقع الأفغاني، ما يعزّز من حالة الإفلات من المساءلة في أفغانستان.
ومن زاوية استراتيجية، فإن تعامل الدول المضيفة مع النفوذ الإعلامي للصحفيين الأفغان يُطرح بوصفه مقياساً لالتزامها بحقوق الإنسان، فإن كانت باكستان تمنح الإيواء، ففي المقابل تُطبّق عليها المعايير الدولية المرتبطة بعدم الترحيل.
ومن الناحية القانونية، فإن استمرار الترحيل يعيد فتح باب المسؤولية الدولية لذلك يجب على الحكومة الباكستانية وقف أي ترحيل قسري للصحفيين الأفغان، وتمكينهم من تجديد الإقامة أو من الحصول على مسارات لجوء آمنة، كما يجب أن تتعاون الدول المضيفة والدول المعنية مع وكالات الأمم المتحدة لتسريع إعادة توطين الصحفيين المعرضين للخطر، وتقديم حلول بديلة لمن ليس لديهم مسار قانوني.










