بعد دخوله الشهر الثاني.. الإغلاق الحكومي يشلّ حركة الطيران الأمريكية

بعد دخوله الشهر الثاني.. الإغلاق الحكومي يشلّ حركة الطيران الأمريكية
أحد المطارات الأمريكية- أرشيف

دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة من الارتباك الاقتصادي والمعيشي مع تفاقم تداعيات الإغلاق الحكومي المستمر منذ أكثر من خمسة وثلاثين يوماً، والذي تسبب هذه المرة في شلّ حركة الطيران بشكل غير مسبوق. 

وأعلنت وزارة النقل الأمريكية الأربعاء أن الحكومة طلبت من شركات الطيران تقليص عدد الرحلات ابتداءً من يوم الجمعة بنسبة عشرة في المئة في نحو أربعين من أكثر المطارات ازدحاماً في البلاد، لتخفيف الضغط على قطاع مراقبة الحركة الجوية الذي يعاني نقصاً حاداً في الموظفين نتيجة الأزمة وفق فرانس برس.

وقال وزير النقل شون دافي في مؤتمر صحفي إن القرار جاء بعد أن وصلت أوضاع المراقبين الجويين إلى حدود لا يمكن الاستمرار فيها، موضحاً أن عددهم تراجع بنحو ألفي شخص بسبب غياب الرواتب والإرهاق الناتج عن ساعات العمل الطويلة، وأضاف أن الهدف هو "الحفاظ على سلامة النظام الجوي ومنع الانهيار الكامل"، داعياً الكونغرس إلى الإسراع في تمرير الميزانية وإنهاء الإغلاق الذي وصفه بأنه "أكبر تهديد حقيقي لأمن الطيران المدني في التاريخ الحديث".

الإغلاق الأطول بتاريخ الولايات المتحدة

ويُعد هذا الإغلاق الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، متجاوزاً الرقم القياسي المسجل خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، وقد بدأ في الأول من أكتوبر الماضي إثر فشل الجمهوريين والديمقراطيين في التوصل إلى اتفاق على الموازنة العامة، وهو ما أدى إلى تعطيل مؤسسات حكومية عديدة وإيقاف رواتب مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين.

وفق التقديرات الرسمية، فإن أكثر من 800 ألف موظف تأثروا بالإغلاق الحكومي، إذ أُجبر نصفهم على التوقف عن العمل، فيما يُجبر الآخرون، ومن بينهم أكثر من ستين ألف مراقب جوي وعنصر أمن في مجال النقل، على مواصلة مهامهم دون أجر، ومع امتداد الأزمة لأكثر من شهر، بدأ عدد متزايد من العاملين في قطاع الطيران بالتغيب عن العمل نتيجة الضغوط المعيشية والنفسية، ما أدى إلى إرباك كبير في حركة المطارات وتأخير آلاف الرحلات.

مخاوف من الفوضى

وأعلن برايان بيدفورد، رئيس إدارة الطيران الفيدرالي، أن قرارات خفض الرحلات تأتي في إطار محاولات السيطرة على الوضع قبل أن يتحول إلى فوضى، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير النقل إن "النظام لا يزال آمناً حتى الآن، لكننا نعمل في ظروف بالغة الصعوبة"، وأضاف أن المراقبين الجويين الذين واصلوا العمل رغم غياب الرواتب "يعملون لساعات إضافية وأيام أكثر من طاقتهم، وهو أمر غير مستدام"، وأشار إلى أن هذا هو القرار الأول من نوعه الذي يتخذه منذ أكثر من 35 عاماً في مهنته، مؤكداً أن "ما يحدث غير اعتيادي على الإطلاق".

تأتي هذه الإجراءات في وقت حساس يشهد فيه قطاع الطيران الأمريكي إقبالاً كبيراً على السفر مع اقتراب عطلة رسمية في 11 نوفمبر، ما ينذر بتكدس المسافرين وتعقّد الأزمة أكثر، ووفقاً لبيانات إدارة الطيران الفيدرالي، تشرف الهيئة يومياً على أكثر من 44 ألف رحلة، ما يعني أن أي تقليص في عدد الرحلات سيؤثر على مئات الآلاف من الركاب.

في المطارات الكبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس وأتلانتا، بدأت بوادر الأزمة تظهر بوضوح خلال الأيام الأخيرة، حيث تزايدت حالات التأخير والإلغاء، وارتفعت حدة التوتر بين المسافرين وشركات الطيران، وتقول نقابات العمال في القطاع إن العاملين يعيشون ظروفاً غير مسبوقة، إذ يتعين عليهم الحفاظ على سلامة الملاحة الجوية وسط نقص في الكوادر وضغط نفسي هائل.

تأثر قطاعات أخرى

الإغلاق الحكومي لا يقتصر تأثيره على قطاع الطيران وحده، بل يمتد إلى قطاعات حيوية أخرى مثل الأمن الغذائي والرعاية الصحية والبحث العلمي. كما أغلقت العديد من الوكالات الفدرالية أبوابها، وتوقفت برامج الإعانات في بعض الولايات، بينما تتزايد المخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود إذا استمر الجمود السياسي.

الأزمة السياسية التي تقف وراء هذا الشلل تعكس عمق الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إذ يتمسك كل طرف بموقفه من الموازنة والإنفاق الحكومي، ويطالب الجمهوريون بتخفيضات حادة في الإنفاق العام وتقليص برامج الدعم الاجتماعي، بينما يرفض الديمقراطيون هذه الشروط، مؤكدين أن استمرار الإغلاق يضر بملايين الأمريكيين ويضعف ثقة العالم بالاقتصاد الأمريكي.

تكلفة الإغلاق

محللون اقتصاديون حذروا من أن تكاليف الإغلاق تزداد يوماً بعد يوم، ليس فقط في خسائر الإنتاج، بل في تأثيرها المباشر على حياة المواطنين، فالموظفون الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من شهر يواجهون صعوبات في دفع إيجاراتهم وفواتيرهم، ما دفع بعضهم إلى العمل في وظائف مؤقتة أو بيع ممتلكاتهم لتغطية احتياجاتهم الأساسية.

وفي حين تتبادل الإدارة والكونغرس الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، يتساءل الأميركيون عن الثمن الحقيقي لهذه المواجهة السياسية، فبالنسبة للركاب الذين ينامون في صالات الانتظار بسبب الرحلات الملغاة، أو المراقبين الجويين الذين يعملون تحت ضغط متزايد دون أجر، يبدو الصراع السياسي في واشنطن بعيداً عن واقعهم اليومي المؤلم.

أحد المراقبين الجويين تحدث إلى وسائل الإعلام قائلاً إنه يحب عمله لكنه بات يشعر بالإرهاق والخوف من ارتكاب الأخطاء في ظل غياب الراحة النفسية، وأضاف أن "كل دقيقة في برج المراقبة تتطلب تركيزاً مطلقاً، ولا يمكن ضمان السلامة إذا كنا نعمل في هذه الظروف".

ومع غياب أي مؤشر على قرب انتهاء الأزمة، تتجه الأنظار إلى الكونغرس الذي سيعقد جلسة استثنائية خلال الأيام المقبلة لمحاولة التوصل إلى اتفاق مؤقت يعيد فتح المؤسسات الحكومية، لكن الخلافات العميقة بين الحزبين تجعل التوصل إلى حل سريع أمراً صعباً، ما يثير مخاوف من أن تمتد الأزمة حتى موسم الأعياد، وهو ما سيكون له أثر مدمر على الاقتصاد والسفر والسياحة في البلاد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية