الخداع الرقمي ينهش الثقة البريطانية.. الاحتيال الإلكتروني يتحوّل إلى أزمة إنسانية
الخداع الرقمي ينهش الثقة البريطانية.. الاحتيال الإلكتروني يتحوّل إلى أزمة إنسانية
حذّر تقرير بريطاني حديث من تصاعد مقلق في معدلات الاحتيال الإلكتروني خلال العام الماضي، مع خسارة واحد من كل خمسة بالغين لأموالهم نتيجة عمليات نصب رقمية تتنوع بين الاحتيال المالي والتجاري وانتحال الهوية.
وكشف تقرير حالة الاحتيال في المملكة المتحدة الصادر عن التحالف العالمي لمكافحة الاحتيال بالتعاون مع خدمة منع الاحتيال وشركة Tietoevry Banking، أن نحو 20 في المئة من المواطنين البريطانيين فقدوا مبالغ مالية بين مارس 2024 ومارس 2025، في حين قال 67 في المئة إنهم واجهوا محاولات احتيال فاشلة أو ناجحة في الفترة نفسها وفق ما أورده موقع أخبار الجالية العربية في بريطانيا "عرب لندن".
محاولات متكررة
وأشار التقرير إلى أن 24 في المئة من البريطانيين يتعرضون لمحاولات احتيال متكررة أسبوعياً، في حين قال 16 في المئة من الآباء إن أبناءهم الذين تتراوح أعمارهم بين سبعة وسبعة عشر عاماً وقعوا ضحية لعمليات مشابهة، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن انتشار هذه الظاهرة في أوساط الفئات الأصغر سناً.
وأوضح التقرير أن الاحتيال المرتبط بالتسوق الإلكتروني هو الأكثر شيوعاً، إذ شكّل نحو 45 في المئة من الحالات المبلغ عنها، ومع ذلك، أبلغ 77 في المئة من الضحايا عن تعرضهم للجهات المالية والبنوك وشركات الدفع، وتمكن نحو نصفهم من استرداد جزء من أموالهم، وتعد هذه النسبة مؤشراً على تحسن نسبي في استجابة المؤسسات المصرفية، لكنها لا تزال دون مستوى التطلعات في ظل حجم الخسائر الكبير.
استخدام أساليب مقنعة
وتنوّعت الأسباب التي دفعت الأفراد إلى الوقوع في فخ الاحتيال، إذ قال 22 في المئة إن المحتالين استخدموا أساليب مقنعة للغاية يصعب كشفها، في حين أقر 9 في المئة بأنهم تصرفوا على عجل قبل التحقق من مصداقية العروض، في حين انجذب آخرون إلى أسعار منخفضة أو صفقات مغرية لم يتمكنوا من مقاومتها، كما أشار عدد من المشاركين إلى ضعف خبرتهم بالتسوق الرقمي أو بعدم تمييزهم بين المواقع الأصلية والمقلدة.
وبحسب التقرير، كانت الفئة العمرية بين 29 و44 عاماً، المعروفة بجيل الألفية، الأكثر تضرراً من حيث حجم الخسائر المالية، إذ بلغ متوسط ما فقده الشخص في هذه الفئة نحو 1456 جنيهاً إسترلينياً، مقارنة بـ444 جنيهاً فقط بين الفئة التي تتراوح أعمارها بين 45 و60 عاماً، ويُعزى ذلك إلى اعتماد جيل الألفية بشكل أكبر على التعاملات الإلكترونية والشراء عبر الإنترنت، وهو ما يجعله أكثر عرضة للهجمات الرقمية.
ولم تقتصر آثار الاحتيال على الخسائر المادية فحسب، إذ أشار 34 في المئة من الضحايا إلى أن التجربة تركت آثاراً سلبية في صحتهم النفسية، ومنها القلق والشعور بالخجل من الوقوع في الخداع، وأكد التقرير أن العديد من الضحايا ترددوا في الإبلاغ عن الحوادث خوفاً من الانتقاد أو من فقدان الثقة في قدراتهم التقنية.
الجمعة السوداء تثير المخاوف
ومع اقتراب موسم التسوق في الأعياد وعروض "الجمعة السوداء"، حذّر التقرير من موجة جديدة من النشاط الاحتيالي المتوقع أن يستغل اندفاع المستهلكين نحو الشراء الإلكتروني. وقال المدير العام للتحالف العالمي لمكافحة الاحتيال يوري أبراهام إن عمليات الاحتيال لم تعد حوادث فردية معزولة، بل باتت منظّمة بشكل احترافي، وتستند إلى تحليل بيانات المستخدمين والتلاعب النفسي بسلوكهم الرقمي، وأضاف أن الظاهرة تمثل تهديداً هيكلياً للاقتصاد الرقمي البريطاني بأكمله.
من جانبه، وصف مايك هيلي الرئيس التنفيذي لخدمة منع الاحتيال الإلكتروني بأنه "حالة طوارئ وطنية" تكلف بريطانيا مليارات الجنيهات سنوياً، مؤكداً أن تأثيرها يتجاوز البالغين ليشمل الشباب والأطفال، ودعا المستهلكين إلى التحقق من مصداقية العروض والمواقع قبل إدخال بياناتهم المصرفية، معتبراً أن الوعي المجتمعي هو خط الدفاع الأول.
تقنيات وخطة للمكافحة
وأوضح غونار كورن، رئيس قسم منع الجرائم المالية في شركة Tietoevry Banking، أن المحتالين أصبحوا يستخدمون تقنيات معقدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقليد المواقع الرسمية والعلامات التجارية الكبرى، ما يجعل اكتشاف الاحتيال أكثر صعوبة، وقال إن المجرمين اليوم يعملون ضمن شبكات دولية متخصصة في سرقة الهويات وتحويل الأموال بسرعة خارج النظام المصرفي البريطاني.
ولمواجهة هذه التحديات، أعلنت الحكومة البريطانية هذا الأسبوع توقيع اتفاق جديد مع شركات الاتصالات الكبرى يهدف إلى الحد من عمليات الاحتيال عبر الهواتف المحمولة، خصوصاً المكالمات التي يتم فيها انتحال أرقام بريطانية من مراكز اتصال خارجية، ويشمل الاتفاق إدخال أنظمة تقنية متقدمة لتتبع المكالمات المشبوهة وتحديد مصدرها، ما يساعد الشرطة على ملاحقة الشبكات الإجرامية.
وقال اللورد هانسون، وزير مكافحة الاحتيال، إن بلاده تعزز دفاعاتها لحماية المواطنين وتعمل على جعل المملكة المتحدة المكان الأصعب في العالم لعمل المحتالين، وأضاف أن الجهود الجديدة تشمل تطوير منصة وطنية لتبادل المعلومات بين البنوك والجهات الأمنية وشركات التقنية من أجل كشف الأنماط الاحتيالية في وقت مبكر.
ويؤكد التقرير أن الاحتيال لم يعد مرتبطاً فقط بضعف الوعي الفردي، بل أصبح نتاجاً لثغرات في الأنظمة الرقمية وضعف التنسيق بين المؤسسات المالية والأمنية. ويرى معدّوه أن مكافحة الظاهرة تتطلب استراتيجية وطنية شاملة تشمل التعليم الرقمي، وتحديث التشريعات، وتعزيز قدرات الشرطة في مجال الجرائم الإلكترونية.
الإنترنت بيئة غير آمنة مالياً
واستند التقرير إلى استطلاع أجرته شركة الأبحاث “أوبيينيوم” بين فبراير ومارس الماضيين، شمل ألفي شخص من مختلف أنحاء بريطانيا، بهدف قياس مدى انتشار الاحتيال الرقمي وتأثيره في الأفراد، وخلصت النتائج إلى أن أغلب البريطانيين باتوا يعدون الإنترنت بيئة غير آمنة مالياً، رغم التحول الكبير نحو التعاملات الرقمية.
ومع دخول موسم التسوق المكثف، يتجدد التحذير من أن عمليات الاحتيال في بريطانيا لم تعد مجرد تهديد فردي بل أزمة اقتصادية واجتماعية تمس كل فئات المجتمع، وتفرض على الدولة والقطاع الخاص العمل المشترك لحماية المواطنين واستعادة الثقة بالاقتصاد الرقمي.
تهديد للثقة
قالت الهيئة إن قانون حماية البيانات ينبغي ألا يُستخدم ذريعة لعدم تبادل المعلومات بين الجهات لمكافحة الاحتيال، وحذّرت من أن الامتناع عن مشاركة بيانات ضحايا ومشتبه فيهم يمكن أن يؤدي إلى أضرار مالية ونفسية جسيمة.
من خلال تقرير حالة الاحتيال في المملكة المتحدة 2024، أشار التحالف إلى أن الاحتيال الإلكتروني أصبح ظاهرة منظّمة وتشكّل تهديداً للاقتصاد والثقة الرقمية لدى المواطنين.
وأشار التحالف إلى أن نسبة الضحايا الذين لا يبلغون عن الاحتيال تصل إلى 71%، ما يعكس ضعف الثقة في الأجهزة المعنية، وقال مدير التحالف: "لا يمكن للاحتيال أن يكون مجرد حادثة فردية، إنه هجوم على الثقة والأمن في مجتمعنا".










