بين الطموح والاحتيال الرقمي.. الطلبة البريطانيون في مواجهة شبكات الجريمة المالية

بين الطموح والاحتيال الرقمي.. الطلبة البريطانيون في مواجهة شبكات الجريمة المالية
طلبة إحدى الجامعات البريطانية

مع بدء العام الجامعي في بريطانيا، يجد آلاف الطلبة الشباب أنفسهم في مواجهة خطر متزايد يتمثل في عصابات احتيال متطورة تستغل حماستهم واستقلالهم المالي لتورطهم في عمليات نصب منظمة تتنوع بين شراء وهمي، وغسل أموال، وعقود مزيفة، وتكشف هذه الظاهرة التي دقت لها البنوك والمنظمات الحقوقية ناقوس الخطر أزمة تتجاوز الأبعاد المالية لتطول جوانب إنسانية واجتماعية وقانونية أوسع.

وتشير بيانات بنك لويدز بحسب ما ذكرته صحيفة ستاندرد "Standard" يوم الاثنين إلى أن الطلبة البريطانيين يخسرون في المتوسط نحو 400 جنيه استرليني لكل عملية احتيال، في وقت تمثل فيه وسائل التواصل الاجتماعي البوابة الرئيسة لنحو 79 في المئة من هذه الجرائم.

وتتصدر التذاكر المزيفة للحفلات والمباريات قائمة الاحتيالات الأكثر شيوعاً، تليها عمليات متعلقة بالسيارات والتأمين، واختبارات القيادة، وصولاً إلى بيع سلع مقلدة كالعطور والسجائر الإلكترونية، وهذه الأرقام، وإن بدت في ظاهرها مبالغ محدودة، فإنها تعكس حجم استغلال الشباب في بداية حياتهم الجامعية، حيث يمثل فقدان الثقة والأمان المالي جرحاً طويل الأمد يتجاوز الخسائر المادية المباشرة.

أدوات رقمية متطورة

لم يعد الاحتيال يقتصر على الأساليب التقليدية، فقد حذرت شركة TransUnion من اعتماد المحتالين على تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء أصوات وصور ورسائل مزيفة بالغة الدقة والواقعية، ما يجعل التمييز بين الحقيقة والوهم أصعب من أي وقت مضى، وهذا التطور التكنولوجي يطرح تحديات جديدة على الأجهزة الأمنية والبنوك والمؤسسات التعليمية، ويضع الشباب في مواجهة غير متكافئة مع عصابات تمتلك خبرة وقدرة تقنية عالية.

ومن بين أخطر الأشكال التي ظهرت أخيراً ما يُعرف بظاهرة "غسل الأموال عبر الطلبة" أو "money muling"، حيث يُستدرج بعض الشباب إلى تمرير أموال مشبوهة عبر حساباتهم المصرفية مقابل عمولات، وتكمن خطورة هذه الممارسة في تبعاتها القانونية والمالية، إذ قد يُحرم الطلبة من فتح حسابات مصرفية مستقبلاً أو الحصول على قروض أو عقود أساسية مثل الهواتف والإنترنت، ووفق الشرطة البريطانية، سُجل خلال العام الماضي آلاف الحالات التي تورط فيها شباب دون إدراك كامل لعواقب أفعالهم.

البعد الحقوقي والإنساني

المنظمات الحقوقية في بريطانيا حذرت من أن الشباب الجامعيين يمثلون الفئة الأكثر هشاشة أمام شبكات الاحتيال، حيث يواجهون ضغوط الاستقلال المالي مع قلة الخبرة الحياتية، وأكدت منظمة Citizens Advice أن الطلبة غالباً ما يقعون ضحايا ليس فقط للاحتيال المالي، بل أيضاً لانتهاكات أوسع تمس حقهم في الأمان الرقمي والخصوصية، أما منظمات أممية مثل الاتحاد الدولي للاتصالات فقد ربطت هذه الظاهرة بالحق في استخدام الإنترنت بشكل آمن، مؤكدة أن حماية الشباب من الجريمة الإلكترونية مسؤولية جماعية عابرة للحدود.

الاتحاد الأوروبي كان قد أصدر في السنوات الأخيرة عدة توجيهات لتعزيز حماية المستهلكين الرقميين، خاصة الشباب، في حين أشار تقرير الأمم المتحدة المعني بالجريمة الإلكترونية إلى أن العصابات العابرة للحدود تستغل الطلاب بشكل خاص، لاعتبارهم الحلقة الأضعف في المنظومة الاقتصادية، وفي السياق ذاته، شددت منظمة اليونسكو على أن التعليم الجامعي يجب أن يشمل توعية رقمية معمقة، باعتبارها حقاً أساسياً يقي الشباب من مخاطر الاستغلال.

الاحتيال الموجه للطلبة ليس ظاهرة جديدة، إذ تعود جذوره إلى ما قبل انتشار الإنترنت حين كانت العصابات تستهدف الشباب عبر إعلانات الصحف أو العروض الهاتفية المزيفة، ومع دخول الألفية، تحولت الجامعات البريطانية إلى هدف مثالي مع انتشار استخدام البريد الإلكتروني والبطاقات المصرفية بين الطلبة، لكن ما يميز المرحلة الراهنة هو الجمع بين التقنية العالية والتوسع العالمي لهذه العصابات، ما يجعل التصدي لها أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

تتجاوز آثار هذه الظاهرة البعد المالي المباشر، حيث يتسبب الاحتيال في خلق أزمة ثقة بين الشباب والمؤسسات المالية، ويدفع بعضهم إلى تجنب استخدام أدوات رقمية ضرورية لتطورهم الأكاديمي والمهني، كما أن الخسائر الصغيرة المتكررة تؤدي إلى أعباء نفسية كبيرة، يشعر معها الطلبة بالعجز والذنب، وهو ما قد ينعكس على أدائهم الدراسي وصحتهم الذهنية، وتشير دراسات صادرة عن جامعة أوكسفورد إلى أن ضحايا الاحتيال بين الطلبة أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإصابة بالقلق والاكتئاب مقارنة بغيرهم.

وعدد من الاتحادات الطلابية في بريطانيا طالب بزيادة برامج التوعية، وإدماج جلسات إلزامية للتثقيف المالي والرقمي في الأسبوع التمهيدي للطلبة الجدد، كما دعت جامعات بارزة مثل كينغز كوليدج لندن وجامعة مانشستر إلى تعزيز التعاون مع البنوك والشرطة المحلية لمواجهة الظاهرة.

وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعروفة باتفاقية باليرمو لعام 2000، فإن استغلال الطلبة في أنشطة مالية غير مشروعة يدخل ضمن الجرائم التي تستوجب التعاون الدولي العاجل، كما أن مجلس أوروبا تبنى اتفاقية بودابست بشأن الجرائم الإلكترونية، التي تؤكد حماية الشباب من الاحتيال الرقمي. غير أن تحديات التطبيق على المستوى الوطني تبقى عائقاً رئيساً في ظل التطور المستمر لأدوات العصابات.

الحاجة إلى استجابة شاملة

الخبراء يؤكدون أن الحل لا يكمن فقط في التوعية الفردية، بل يتطلب خطة وطنية متكاملة تشمل تعزيز التعاون بين الجامعات، البنوك، الأجهزة الأمنية، والمنظمات الحقوقية، كما أن إدماج مهارات التفكير النقدي الرقمي في المناهج الدراسية منذ المراحل المبكرة يعد ضرورة لتأهيل جيل أكثر قدرة على مواجهة المخاطر المستقبلية.

بحسب مركز Action Fraud، سجلت بريطانيا أكثر من 1.2 مليون بلاغ عن الاحتيال الإلكتروني خلال عام 2024، بخسائر تجاوزت 2.5 مليار جنيه إسترليني، وتشير بيانات منظمة Stop Scams UK إلى أن الفئة العمرية ما بين 18 و24 عاماً تمثل نسبة غير متناسبة من الضحايا مقارنة بغيرها، في حين أن 40 في المئة من هذه الحالات وقعت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجامعي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية