في قلب الجبال الإيرانية.. نساء نودشه يكافحن من أجل الحياة

في قلب الجبال الإيرانية.. نساء نودشه يكافحن من أجل الحياة
موسم حصاد الرمان - أرشيف

تتبدّل ملامح الطريق كلما اقترب من نودشه المدينة الصغيرة المتكئة على سفوح جبال هورامان الإيرانية، حيث يلتف الضباب على القمم وتفوح رائحة التراب المبلل في الصباح. 

بيوتها الحجرية المتدرجة تروي قصة صمود، ونهرها الذي يمرّ بين الأزقة يمنحها موسيقى الحياة اليومية، في حين يظلّ الرمان، رمز الخصب والبركة، علامة على ارتباط الناس بأرضهم ومواسمهم.

يحافظ أهالي نودشه، في مثل هذا الوقت من العام، على تقليد قديم متجذّر في وجدانهم، إذ يقفون على جوانب الطرق لقطف الرمان وتقديمه للمسافرين. 

لا يفعلون ذلك لمجرد البيع، بل رمز للترحيب والحظ الطيب، ولإرسال رسالة بسيطة مفادها أن المدينة لا تزال تنبض بالحياة، وأن روحها متصلة بالأرض والمحصول.

يعكس هذا الطقس مزيجاً من الكرم والاستقلال، فالأهالي لا يتصنّعون الألفة، بل يعيشونها في تفاصيل يومهم، بين البساتين والبيوت الحجرية والعمل الجماعي الذي لم تغلبه الحداثة ولا رحيل الأجيال.

عبء الحياة اليومية

خلف البسطات الصغيرة على جانب الطريق، يقف اقتصاد نودشه الحقيقي؛ اقتصاد لا يقوم على المصانع أو رأس المال الكبير، بل على جهود النساء اللواتي يجمعن بين مسؤوليات المنزل والعمل، بين رعاية الأطفال وتوفير لقمة العيش.

تعمل النساء في الزراعة والحصاد والتجفيف وإعداد المربيات، ثم يبعن منتجاتهن بأيديهن، ليشكّل هذا الدخل المتواضع مصدراً رئيسياً لتعليم الأبناء ودفع الإيجار وتأمين ضروريات الحياة.

ورغم أن الطقس في الجبال قاسٍ، والشمس أحياناً حارقة والمطر قد يداهم الباعة فجأة، فإن الاستمرار هو الخيار الوحيد، وجود النساء في الاقتصاد المحلي هادئ لكنه جوهري، إذ لا يُرى في الأرقام الرسمية، لكنه يمنح المدينة نبضها الحقيقي.

قصة صبر عمرها عقود

على جانب الطريق، تجلس آمنة. م، وهي سيدة في الخامسة والسبعين من عمرها، تعيل نفسها وأبناءها الثمانية من بيع الرمان ومرباه المصنوع في البيت.. أمامها سلال حمراء تفوح منها رائحة الفاكهة الطازجة، تنادي للمارة: "هذه أفضل رمانات هورامان".

تقول آمنة وهي تفرز الحبات بعناية: “لا أملك دخلاً ثابتاً ولا راتباً تقاعدياً، عندما ينتهي الموسم أصنع المربى، الإنسان لا يملك خياراً".

تبدو يداها المجعّدتان كصفحات مفتوحة من ذاكرة تعبٍ طويل، وكل تجعيدة تحكي فصلاً من صبرها على الحياة والحرمان.

تتقاسم المهنة والخبز

إلى جوارها تجلس أسماء. ع، ترتّب بسطتها الملوّنة بابتسامة دافئة. تقول: “البستان ملك لزوجي، هو من يقطف الثمار ونحن نتولى البيع، هذا مصدر رزقنا الوحيد”.

تضيف أن المارة يتوقفون أحياناً لالتقاط الصور مع الأزياء الكردية التقليدية، وغالباً ما يتحول الفضول إلى شراء، وتضحك إذ تقول: “لو كان الباعة رجالاً، لما كان الطريق ينبض بالحياة”.

إلى جانبها تعمل قريبة أخرى بصمت، تفرز الرمان وتقول إن العائلة تجلس كل عام على جانب الطريق منذ عشرين عاماً، وإن الموسم هذا العام تأثر بالحرارة وقلة الأمطار، فصار طعم الرمان أقل حلاوة من المعتاد.

مدينة النساء الصامدات

مع غروب الشمس خلف الجبال، لا تجمع النساء بسطاتهن بعد، فربما يمرّ زبون أخير يضيف ما يعين على يوم جديد. هذه التفاصيل الصغيرة تختزل معنى البقاء.

اقتصاد نودشه، مثل كثير من المدن الجبلية في كردستان، يقوم على أكتاف نسائها.. هنّ لا يظهرن في التقارير الرسمية، ولا تُحتسب إسهاماتهن في السياسات العامة، لكنهن من يضخّ الحياة في هذه الجبال الهادئة، ويحوّلن الحجارة والتراب والرمان إلى رمزٍ للاستمرار.

للتعرّف إلى نودشه حقاً، يكفي أن تقف على جانب الطريق، وأن ترى كيف تصنع نساء بملابس زاهية وأيدٍ متشققة من العمل حياةً لا تزال تقاوم الفقر، وتحتفظ بجمالها رغم كل ما فقدته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية