بسبب خلافات قانونية.. المحكمة العليا الأمريكية تعيد النظر بشأن حق طالبي اللجوء في عبور الحدود

بسبب خلافات قانونية.. المحكمة العليا الأمريكية تعيد النظر بشأن حق طالبي اللجوء في عبور الحدود
لاجئون على الحدود الأمريكية

وافقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة يوم الاثنين على النظر في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في ملف الهجرة، والمتعلقة بقانونية سياسة إبعاد المهاجرين قبل وصولهم فعلياً إلى الأراضي الأمريكية لتقديم طلبات اللجوء، ويعيد هذا القرار فتح نقاش واسع حول حدود المسؤولية القانونية للولايات المتحدة تجاه طالبي الحماية الذين يقفون عند بوابة الدخول، بين الأسلاك الحدودية وبين واقع العنف والفقر الذي فروا منه.

تدور القضية حول ممارسة عرفت في السنوات الأخيرة بسياسة الإبعاد المسبق، والتي كانت تمنع المهاجرين غير الشرعيين من عبور الحدود للوصول إلى نقاط الدخول الرسمية والتسجيل لطلب اللجوء، وقد ألغتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، قبل أن يعيد الرئيس دونالد ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير، الدفع باتجاه إعادة العمل بها، باعتبارها أداة فعالة للحد من الهجرة غير النظامية، وفق فرانس برس.

تفسير قانون الهجرة

القضية تتعلق بتفسير قانون الهجرة والجنسية الأمريكي الذي ينص بوضوح على حق كل أجنبي موجود في الولايات المتحدة أو يصل إليها في تقديم طلب لجوء، وفي العام الماضي أصدرت محكمة استئناف حكماً مفاده أن هذا النص يشمل أيضاً الأشخاص القابعين على الجانب المكسيكي من الحدود ولكنهم وصلوا فعلياً إلى نقطة الدخول ويسعون لتقديم طلبهم.

يتحدى فريق الرئيس ترامب هذا التفسير، ويطلب من المحكمة العليا رفضه، ويؤكد المحامي العام جون ساور أن الوصول إلى الولايات المتحدة في اللغة القانونية والعملية يتطلب دخول الحدود فعلياً، وبالتالي فإن الشخص الذي ما زال في أرض دولة أخرى لا يعد واصلاً إلى الولايات المتحدة ولا يملك بعد حق تقديم الطلب.

حماية طالبي اللجوء من الخطر

منظمات المدافعين عن المهاجرين اعتبرت قرار المحكمة العليا بالنظر في القضية خطوة مهمة، مؤكدة أن قلب المسألة لا يتعلق بإجراءات شكلية بل بحياة أشخاص تركوا خلفهم تهديدات واضطهاداً وانتهاكات لم يجدوا معها طريقاً غير الفرار، وتقول منظمة أل أوترو لادو التي تمثل عدداً من طالبي اللجوء في هذه الدعوى، إن القانون الأمريكي يمنح الراغبين في طلب الحماية الحق في التقدم عند نقاط الدخول، لكن سياسة الإبعاد منعتهم مادياً من الوصول إلى تلك النقاط.

وأشارت المنظمة إلى أن آلاف الأسر والأطفال والنساء والرجال تركوا في المناطق الحدودية داخل المكسيك في ظروف محفوفة بالمخاطر، حيث واجه كثيرون منهم اعتداءات عنيفة وعمليات خطف وتهديدات متواصلة، إضافة إلى العيش في مخيمات مؤقتة بلا حماية ولا خدمات أساسية.

تحولات سياسية في سياسة اللجوء

منذ عودته إلى الحكم، تبنى الرئيس ترامب مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تشديد الرقابة على الحدود وتسريع عمليات الترحيل، وهو يؤكد باستمرار أن البلاد لا تستطيع استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، وأن الأولوية يجب أن تكون لمن يعدهم ذوي كفاءة أو قرب ثقافي أكبر من المجتمع الأمريكي، على حد وصفه.

وفي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلنت إدارته الشهر الماضي أنها ستخفض عدد اللاجئين المقبولين سنوياً إلى 7500 لاجئ فقط خلال السنة المالية 2026، وهو أدنى رقم في تاريخ النظام الأمريكي الحديث، مع إعطاء أولوية خاصة لمواطنين من جنوب إفريقيا من ذوي البشرة البيضاء، ويعني هذا التراجع الحاد مقارنة بالعدد الذي سمحت به إدارة بايدن والبالغ مئة ألف لاجئ سنوياً أن الولايات المتحدة تتجه إلى إعادة صياغة جوهر سياستها الإنسانية التي شكلت جزءاً من هويتها السياسية عبر عقود.

صراع قانوني وسياسي

يأتي قرار المحكمة العليا في لحظة يتزايد فيها الجدل الداخلي حول هوية الولايات المتحدة ودورها الأخلاقي في استقبال اللاجئين، فالمحكمة، ذات الأغلبية المحافظة حاليا، تجد نفسها مرة أخرى في قلب صراع سياسي كبير، إذ تتداخل فيه الاعتبارات القانونية الصرفة مع توجهات الإدارة الحالية ورؤيتها لملف الهجرة.

ويرى خصوم سياسة الإبعاد أن منع طالبي اللجوء من الوصول فعلياً إلى نقطة الدخول يشكل تلاعباً خطيراً بالقانون، إذ يجعل الحق في اللجوء نظرياً وغير قابل للتطبيق، في حين يرى المدافعون عنها أنها وسيلة ضرورية لحماية الحدود ومنع تدفق المهاجرين بأساليب غير نظامية قد تهدد الأمن الداخلي وتؤثر في البنية الاقتصادية والاجتماعية.

انتظار قرار مصيري

مع قبول المحكمة العليا النظر في القضية، ينتظر آلاف الأشخاص على جانبي الحدود حكماً قد يغير مصيرهم بالكامل، فقرار واحد قد يعيد فتح بوابة العلاج القانوني أمامهم، وقد يؤدي قرار آخر إلى تثبيت سياسة يعدها كثيرون مخالفة للمعايير الإنسانية التي التزمت بها الولايات المتحدة لعقود.

وفي الوقت الذي تستعد فيه المحكمة للاستماع إلى حجج الطرفين، تبقى المخيمات على الجانب المكسيكي شاهدة على المعاناة التي يعيشها الفارون من العنف والفقر والاضطهاد، وهم يقفون في خط تماس بين حلم بالحماية وخوف من الإعادة القسرية.

شهدت الحدود الجنوبية للولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في أعداد طالبي اللجوء، خصوصاً من دول أمريكا الوسطى والجنوبية التي تعاني من العنف السياسي والجريمة المنظمة والانهيار الاقتصادي، واعتمدت إدارات مختلفة سياسات متباينة لإدارة هذه التدفقات، منها سياسة البقاء في المكسيك وإجراءات الفصل الأسري خلال فترة إدارة ترامب الأولى.

 وتؤكد منظمات دولية أن منع طالبي اللجوء من الوصول إلى نقاط الدخول يتعارض مع اتفاقية اللاجئين لعام 1951 ومبادئ عدم الإعادة القسرية، ويشير خبراء القانون إلى أن الحكم المقبل للمحكمة العليا قد يشكل سابقة تؤثر في مستقبل نظام اللجوء الأمريكي لعقود مقبلة، وأنه سيحدد بشكل مباشر حدود التزامات واشنطن تجاه حماية الفارين من الاضطهاد ومعايير تعريف الوصول القانوني إلى أراضيها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية