بين القيود والطموح.. الأمم المتحدة تدعم النساء في أفغانستان نحو مستقبل أكثر عدالة
بين القيود والطموح.. الأمم المتحدة تدعم النساء في أفغانستان نحو مستقبل أكثر عدالة
تستمر النساء والفتيات في أفغانستان في مواجهة واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والاجتماعية في العالم، حيث أثرت القيود المفروضة على التعليم والعمل بشكل مباشر على حياتهن وسبل عيشهن، ومع ذلك، تبرز قصص الأمل والصمود من خلال المبادرات والدعم الدولي الذي يتيح لهن فرصا لمواصلة العمل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
برامج الأمم المتحدة ودعم المرأة
أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيان، بمناسبة اليوم العالمي لريادة الأعمال النسائية، أن أكثر من 133 ألف امرأة أفغانية تمكنت من الحصول على فرص عمل ودخل منذ أكتوبر 2021 وحتى سبتمبر 2025، وذلك من خلال برامج الدعم المتنوعة التي يقدمها البرنامج، وأكدت الأمم المتحدة أن النساء والفتيات الأفغانيات هن الأكثر تضرراً في البلاد، ما يجعل تركيز الدعم عليهن أولوية قصوى.
وشملت هذه المبادرات دعم 81 ألفاً و897 مشروعاً صغيراً تقودها نساء، حيث استفاد من هذه المشاريع أكثر من 4.5 مليون أفغاني بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن خلال هذه البرامج، تمكنت النساء من تأسيس أعمال صغيرة، مثل حياكة السجاد، وصناعة الملابس، والزراعة، والحرف اليدوية، ما أتاح لهن تأمين دخل ثابت وتحقيق نوع من الاستقلال المالي.
قصص الأمل والصمود
تعكس التجارب الفردية للنساء اللواتي استفدن من برامج الأمم المتحدة مدى تأثير هذه المبادرات، فقد قالت إحدى الفتيات العاملات في مجال حياكة السجاد: لقد تمكنت من مساعدة والدي بنجاح، ولدي ثقة بقدرتي على مواصلة تعليمي وتحقيق أهدافي. هذه الكلمات تحمل في طياتها رسالة قوية عن الإصرار على التعلم والعمل رغم الصعوبات والقيود.
وأكد ستيفان رودريغيز، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفغانستان، أن العمل مع الشركاء المحليين والدوليين يهدف إلى بناء مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة لجميع الأفغان، مع التركيز على تمكين النساء والفتيات وتحسين قدراتهن الاقتصادية والاجتماعية.
تحديات مستمرة تحت حكم طالبان
مع سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، فرضت السلطات قيوداً واسعة على تعليم النساء والفتيات في المدارس والجامعات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى تقييد مشاركتهن في سوق العمل، وتشير التقارير الأممية إلى أن هذه القيود ازدادت حدتها على مر السنوات، ما جعل الوصول إلى التعليم والعمل اليومي أمراً صعباً على النساء، وأدى إلى ارتفاع مستويات البطالة والفقر في العديد من الولايات.
وبحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن القيود المفروضة تحول دون قدرة النساء على العمل في المكاتب أو القيام بأي نشاط ميداني في مجالات مختلفة، وتشير الإحصاءات إلى أن كثيراً من النساء فقدن وظائفهن أو أجبرن على التوقف عن العمل بسبب القوانين الصارمة والممارسات الاجتماعية المقيدة، مما يزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لهن.
تعد مشاركة النساء في العمل عنصراً أساسياً لاستقرار الاقتصاد المحلي وتحسين الظروف المعيشية للعائلات، ومع استمرار القيود، تواجه أفغانستان مخاطر تفاقم الفقر والجوع، خصوصاً في المناطق الريفية حيث يعتمد السكان على دخل الأسر النسائية بشكل كبير، وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن تمكين المرأة يسهم في تعزيز نمو اقتصادي مستدام وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، بما في ذلك الصحة والتعليم وتخفيف الجوع.
جهود المجتمع المدني والمنظمات الدولية
لم تقتصر الجهود على الأمم المتحدة فحسب، بل شاركت منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في تقديم الدعم للنساء والفتيات، فقد أطلقت منظمات محلية ودولية برامج تدريبية ومبادرات لإتاحة فرص عمل وتطوير مهارات النساء في مجالات متنوعة، كما ركزت بعض المبادرات على الدعم النفسي والاجتماعي للنساء، بما يساعدهن على التعامل مع الصعوبات اليومية ورفع معنوياتهن في بيئة مليئة بالتحديات.
أثنت المنظمات الأممية على مبادرات الأمم المتحدة لدعم النساء في أفغانستان، معتبرة أن هذه البرامج تمثل نموذجاً لإنعاش الاقتصاد المحلي وتمكين المرأة في ظروف قاسية، كما دعت منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية المجتمع الدولي إلى زيادة الدعم المالي والفني لمبادرات تمكين النساء، وإلى الضغط على السلطات الأفغانية لضمان حقوق المرأة في التعليم والعمل، بما يتوافق مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.
تحولات كبيرة
لقد شهدت حقوق النساء في أفغانستان تحولات كبيرة خلال العقود الماضية، بعد انهيار حكم طالبان الأول في عام 2001، تم تحقيق بعض المكاسب في مجال التعليم والعمل، إلا أن هذه المكتسبات كانت عرضة للتهديد المستمر بسبب الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة، ومع عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، شهدت النساء تراجعاً حاداً في الحقوق والحريات الأساسية، ما دفع المجتمع الدولي إلى التركيز على برامج دعمهن وتمكينهن الاقتصادي والاجتماعي كجزء من الجهود الإنسانية والتنموية.
رغم القيود، يظل الأمل قائماً من خلال برامج التمكين الاقتصادي التي تقدمها الأمم المتحدة وشركاؤها. وتعمل المبادرات على توفير فرص عمل مستدامة، وتحسين المهارات، وتعزيز قدرة النساء على المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، ما يتيح لهن دعم أسرهن والمجتمع المحلي، ويعتبر ضمان استمرار هذه البرامج أمراً حيوياً للحفاظ على المكتسبات الإنسانية وتحسين الظروف المعيشية في أفغانستان.
تعكس جهود الأمم المتحدة لدعم النساء والفتيات في أفغانستان حقيقة أن تمكين المرأة ليس مجرد هدف اجتماعي، بل ضرورة اقتصادية وإنسانية، من خلال توفير فرص العمل والدخل، تمكّنت أكثر من 133 ألف امرأة من تحسين حياتها وحياة أسرها، رغم القيود المشددة التي تفرضها السلطات المحلية، وتؤكد التجارب الفردية والتقارير الأممية أن الاستثمار في النساء يمثل مفتاحاً لتحقيق التنمية المستدامة والأمن الاجتماعي في أفغانستان، ويشكل حجر الزاوية لأي خطة إنمائية في المستقبل.
يعد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أبرز الجهات الدولية التي تعمل على دعم المشاريع الصغيرة وتمكين النساء في أفغانستان، وقد أظهرت البيانات أن النساء يلعبن دوراً محورياً في الاقتصاد المحلي، حيث تعتمد أكثر من نصف الأسر على دخلهن، كما أكدت الدراسات أن الاستثمار في النساء يساهم في تقليل الفقر وتحسين مستوى التعليم والصحة، ويحد من الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الزواج المبكر والاستغلال الاقتصادي، وبالرغم من القيود الصارمة، لا تزال هناك جهود متواصلة من الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني لتوسيع نطاق البرامج وتأمين بيئة أكثر عدالة للنساء والفتيات، بما يتيح لهن فرص الحياة والعمل والنمو في مجتمع يعاني من تحديات إنسانية كبيرة.










