تصنيف جديد للرموز.. خفر السواحل الأمريكي يستبعد الصليب المعقوف من قائمة رموز الكراهية

تصنيف جديد للرموز.. خفر السواحل الأمريكي يستبعد الصليب المعقوف من قائمة رموز الكراهية
خفر السواحل الأمريكي وتصنيف رموز الكراهية

في خطوة أثارت نقاشا واسعا داخل الولايات المتحدة، كشفت صحيفة واشنطن بوست الخميس أن خفر السواحل الأمريكي قرر عدم تصنيف الصليب المعقوف، وهو الرمز الأكثر ارتباطا بالحقبة النازية، ضمن قائمة رموز الكراهية في سياسته الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ منتصف ديسمبر المقبل، ويأتي القرار، الذي سيتضمن أيضا إعادة تصنيف رموز حساسة أخرى على أنها رموز مثيرة للانقسام، في وقت تتصاعد فيه الهواجس من انتشار الخطابات المتطرفة داخل المؤسسات الرسمية.

تعديل حساس في مؤسسة اتحادية

وسيكتفي خفر السواحل بوضع الصليب المعقوف تحت فئة الرموز التي قد تثير الانقسام، من دون أن يضعه في خانة الرموز المحظورة رسميا باعتباره رمزا للكراهية، ونقلت الصحيفة عن القائم بأعمال قائد خفر السواحل الأدميرال كيفن لنداي قوله إن أي استخدام أو عرض أو ترويج لهذه الرموز سيخضع لتحقيق شامل وإجراءات عقابية صارمة، في محاولة لطمأنة الرأي العام بشأن حساسية القضية.

ورغم ذلك، لم يوضح خفر السواحل أسباب استبعاد الصليب المعقوف من التعريف المباشر لرموز الكراهية، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات حول خلفيات القرار ومعاييره ومدى اتساقه مع السياقات التاريخية والسياسية التي تجعل من هذا الرمز تحديدا أكثر ارتباطا بالعنف والكراهية المنظمة.

الرموز وتاريخها الثقيل

الصليب المعقوف كان الرمز الرسمي للنظام النازي عام 1935، واستخدم لترسيخ خطاب التفوق العنصري الذي أدى إلى مقتل ملايين الأشخاص خلال الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب يعد في دول كثيرة، مثل ألمانيا، رمزا محظورا قانونا لا يجوز عرضه أو ترويجه في المجال العام، وفي الولايات المتحدة، ورغم عدم تجريمه قانونيا، ظل ظهوره في المؤسسات العامة مثارا للرفض، لارتباطه بحركات التفوق الأبيض والجماعات المتطرفة.

ولا يقتصر القرار الجديد على الصليب المعقوف، إذ يصنف خفر السواحل حبل المشنقة، المرتبط تاريخيا بعمليات الإعدام خارج القانون التي استهدفت الأميركيين من أصل أفريقي، وكذلك علم الكونفدرالية الذي يرى منتقدون أنه يمجد تاريخ العبودية، ضمن الرموز المثيرة للانقسام. ويأتي ذلك في إطار سياسة متجددة لإدارة وزارة الأمن الداخلي التي تشرف على خفر السواحل، وتقودها الوزيرة كريستي نويم.

جدل واسع حول الخطاب المتطرف

إعلان السياسة الجديدة في الولايات المتحدة أثار ردود فعل متباينة، حيث اعتبر معارضون أن الامتناع عن تصنيف الصليب المعقوف ضمن رموز الكراهية يتجاهل تاريخا طويلا من العنف المنظم والاضطهاد العرقي. ويرى آخرون أن القرار قد يخلق مساحة رمادية تسمح بتفسير أوسع للرموز العنصرية داخل المؤسسات الحكومية، بما يمهد لظهور حالات إساءة استخدام يصعب ضبطها.

وفي المقابل، يشير بعض المؤيدين إلى أن وضع هذه الرموز تحت فئة الرموز المثيرة للانقسام يمنح المؤسسة هامشا قانونيا أوسع لتطبيق العقوبات على الموظفين دون الدخول في مناقشات قانونية معقدة حول تعريف الكراهية مقارنة بالانقسام، ومع ذلك يبقى السؤال قائما حول حدود هذا النهج وما إذا كان سيحقق حماية فعلية من الخطاب المتطرف.

مخاوف داخل المؤسسات الأمنية

يأتي هذا التغيير فيما تتابع مؤسسات أمريكية عديدة بقلق ارتفاع مؤشرات التطرف الداخلي، وتورط أفراد في أجهزة رسمية في الترويج لرموز أو أفكار تعكس خلفيات عنصرية أو متطرفة، وكانت تقارير عدة قد أشارت خلال السنوات الماضية إلى حالات فردية في الشرطة والجيش وأجهزة الأمن تتعلق باستخدام رموز التفوق الأبيض أو التعاطف مع مجموعات متطرفة، وهو ما دفع إلى مراجعات داخلية مستمرة للسياسات المتعلقة بالانضباط والسلوك المهني.

ويرى خبراء أن قرار خفر السواحل، مهما كان مقصده، سيجدد النقاش حول علاقة المؤسسات الأمنية بالتنوع الثقافي والعرقي داخل المجتمع الأمريكي، ومدى قدرتها على تمثيل قيم المساواة والحياد التي ينص عليها القانون الدستوري.

إطار قانوني وسياسي معقد

تعتمد المؤسسات الفيدرالية في الولايات المتحدة على سياسات داخلية لتحديد السلوك المقبول، وتختلف هذه السياسات في تعريفها للرموز ذات الدلالات المتطرفة، وفي حين أن الدستور يحمي حرية التعبير، فإن المؤسسات الحكومية تتمتع بسلطة وضع معايير مهنية تمنع أي خطاب أو رمز قد يهدد بيئة العمل أو يعكس انحيازا عنصريا، وتأتي السياسة الجديدة لخفر السواحل ضمن هذا الإطار، لكنها تظل محاطة بقدر كبير من الحذر، لأن استبعاد رمز مثل الصليب المعقوف من قائمة الكراهية قد يُفهم كتنازل غير مبرر عن موقف تاريخي واضح من النازية.

تعود جذور الجدل حول الرموز المتطرفة في الولايات المتحدة إلى عقود طويلة من الصراع الثقافي والسياسي، خصوصا مع تزايد نشاط المجموعات العنصرية في القرن العشرين وارتباطها برموز مثل علم الكونفدرالية والصليب المعقوف، وبعد الحرب العالمية الثانية أصبح الصليب المعقوف رمزا عالميا للعنصرية والإبادة الجماعية، وجرم القانون الألماني أي استخدام له خارج السياقات التعليمية أو البحثية، أما في الولايات المتحدة، فيخضع التعامل مع الرموز المتطرفة لمعادلة معقدة تجمع بين حرية التعبير وضرورة حماية الفضاء العام من العنصرية، ولهذا تختلف السياسات بين المؤسسات حول كيفية تصنيف هذه الرموز.

ويعد خفر السواحل إحدى المؤسسات العسكرية الخاضعة لوزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتولى مهاما تمتد من حماية الحدود البحرية إلى إنفاذ القوانين البحرية، وفي السنوات الأخيرة تصاعدت النقاشات داخل هذه المؤسسة وغيرها بعد ظهور تقارير عن موظفين استخدموا رموزا مرتبطة بالتفوق الأبيض، مما دفع إلى مراجعة شاملة للسياسات الداخلية.

وتأتي السياسة الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في ديسمبر كجزء من هذه المراجعات، لكنها تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول حدود حرية التعبير داخل المؤسسات الحكومية وكيفية وضع تصنيفات دقيقة تحمي المجتمع من التطرف دون المساس بالقيم الدستورية الأساسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية