101 مليار دولار خسائر.. عام 2025 يُسجل رقماً قياسياً لكوارث المناخ في الولايات المتحدة
101 مليار دولار خسائر.. عام 2025 يُسجل رقماً قياسياً لكوارث المناخ في الولايات المتحدة
في النصف الأول من عام 2025، شهدت الولايات المتحدة سلسلة من الكوارث المناخية غير المسبوقة من حيث التكلفة، إذ أظهرت أبحاث أن الخسائر التي لحقت بالمنازل والبنى التحتية والاقتصاد تجاوزت 101 مليار دولار، ما يعد أغلى نصف عام مسجَّل في تاريخ الكوارث الأمريكية.
هذا العدد الضخم، كما ورد في صحيفة "الغارديان" البريطانية عن بيانات أعدتها منظمة مناخية غير حكومية بالتعاون مع معطيات وأرشيف أعاد إحياؤه ما كان من مهام أوقفتها إدارة سابقة، يسلط الضوء على أن التقلبات المناخية لم تعد تهديدًا مستقبليًا بل واقع يكسر الميزانيات ويهدم ما بُني على مدى عقود.
كيف تشكّلت هذه الفاتورة الفلكية؟
من بين 14 حدثًا مناخيًا في النصف الأول من 2025، تزيد قيمة كل منها على مليار دولار، كانت حرائق الغابات في لوس أنجلوس هي الأكثر تكلفة، حيث التهمت ما يقرب من 16 ألف مبنى وتسببت في وفاة نحو 400 شخص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بتكلفة تُقدّر بـ 61 مليار دولار، وبهذه الحادثة، صارت حرائق لوس أنجلوس واحدة من أغلى الكوارث المناخية في تاريخ الولايات المتحدة، وهي الحدث الوحيد ضمن قائمة أكبر عشرة كوارث ليست إعصارًا.
لكن الحرائق لم تكن وحدها المكوِّن، فقد ضربت العواصف الشديدة معظم أنحاء البلاد، وألحقت أضرارًا ضخمة بالبنى التحتية والمساكن والشركات والطرق والمزارع. ومن اللافت أن هذه الكوارث لم تتسلسل في مواقع بعيدة، بل في أماكن مأهولة كثيفة، ما أدى إلى تراكب الأضرار.
إضافة إلى ذلك، توقفت وكالة الأرصاد والمحيطات الأمريكية (NOAA) عن تحديث قاعدة بيانات الكوارث التي بلغت تكلفتها مليارات الدولارات بعد عام 2024، ما ترك فجوة معلوماتية كبيرة، وقد برزت منظمة Climate Central بوصفها جهة بديلة أعادت بناء قاعدة بيانات متكاملة بنفس المنهجية السابقة، لتسليط الضوء على التغيرات المناخية المتسارعة.
من جهة أخرى، توقّع تقرير صادر عن شركة التأمين العالمية "سويس ري" أن خسائر الكوارث المضمونة في 2025 ستبلغ نحو 145 مليار دولار، بزيادة نحو ستة في المئة عن العام السابق، مع الإشارة إلى أن حرائق لوس أنجلوس أسهمت وحدها بخسائر تأمينية تُقدَّر بـ 40 مليار دولار تقريبًا.
تداعيات إنسانية واقتصادية
الكوارث المناخية لم تدمّر فقط الممتلكات، بل أثّرت في الأرواح والوظائف والاستقرار الاجتماعي، فمع دمار المنازل والمرافق، اضطر كثيرون إلى الانتقال أو اللجوء إلى الملاجئ المؤقتة، في حين فقدت مجتمعات كاملة مصدر رزقها الزراعي بسبب الجفاف أو الفيضان أو حرائق الأراضي.
القطاع الصحي تكبد أعباءً إضافية: الإصابات بالحروق، جروح التعرض للهواء الملوَّث، أمراض الجهاز التنفسي والتهابات تفاقمت بفعل الكوارث، كما أن انقطاع التيار والماء والكهرباء عوّق تقديم الخدمات الأساسية في المشافي والمراكز الصحية.
أما التعليم، فانهار في مناطق متضررة، حيث تضررت المدارس أو استخدمت ملاجئ، ما أجبر الطلاب على الانقطاع. علاوة على ذلك، تأثرت الفئات الأشد ضعفاً من كبار السن، والأطفال، والمرضى، والمجتمعات الفقيرة التي تفتقر إلى موارد التحمل بشكل أكبر.
على المستوى الاقتصادي، تجاوزت الخسائر الملموسة البناء والهدم، لتشمل خسائر الإنتاج، تعطّل الأعمال، الانقطاعات في سلاسل الإمداد، وتكاليف إعادة الإعمار، ما يزيد العبء على الميزانيات المحلية والفيدرالية.
صدى التقرير وردود الفعل
ردّت منظمات بيئية، مثل اتحاد العلوم المناخية والعديد من المؤسسات الحقوقية الدولية، على ما ورد في تقرير "الغارديان" بدعوة لتعزيز الاستجابة المناخية والاعتماد على الهياكل المرنة والمستدامة، مؤكدين أن هذا التحذير ينذر بعصر جديد من الفواتير الكارثية.
في الأوساط الأممية، رأت وكالات مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمكتب العالمي للأرصاد أن هذا التغير في النسق المناخي يجب أن يدفع الدول إلى تعزيز التزامها بالحد من الانبعاثات، وتسهيل الانتقال إلى الطاقة المتجددة، ودعم الدول الأكثر هشاشة في تحقيق مقاومة مناخية.
من الناحية القانونية، تُشير المعايير الدولية إلى أن الدول التي تسهم بقدر كبير في الانبعاثات قد تتحمّل مسؤولية أخلاقية في دعم المجتمعات المتضررة، وأن التعاون الدولي وإنصاف التمويل مهمان لتوزيع الأعباء، واتُخذت معاهدات مناخية، مثل اتفاق باريس، إطاراً لتلك المسؤولية المشتركة، لكن الواقع اليوم يكشف فجوة كبيرة بين الالتزام والتنفيذ.
تطور الخسائر المناخية
منذ ثمانينيات القرن الماضي، كانت الكوارث المناخية تُسجَّل بوصفها أحداثاً مكلفة لكن ببطء تصاعدي، فبين 1985 و1995 بلغت تكلفة الكوارث الكبرى نحو 299 مليار دولار، في حين أن العقد الماضي (2014–2023) شهد خسائر تُقدَّر بحوالى 1.4 تريليون دولار وتعكس الفجوة بين الفترات تسارع التأثير المناخي وتوسع الوجود البشري في المناطق المعرضة له.
لقد سبق أن واجهت الولايات المتحدة أعاصير كارثية مثل كاترينا في 2005 الذي خلّف أكثر من 125 مليار دولار من الأضرار، لكن مزيج العواصف والحرائق والجفاف في 2025 يظهر أن المنهجيات القديمة في التصدي أصبحت عاجزة عن مواكبة التغيرات الجديدة.
لماذا هذا العام مختلف؟
يرى الخبراء أن ما يميز 2025 هو تزامن عدة عوامل: درجات حرارة قياسية، قلة هطول الأمطار في مناطق محددة، ريح قوية، تراكم الوقود الجاف في الغابات، وانتشار البناء البشري في مناطق عرضة لتلك التأثيرات، وهذه العوامل مجتمعة تحوّل الحدث المناخي من مجرد ظاهرة طبيعية إلى كارثة كبرى.
إضافة إلى ذلك، ضعف الاستجابة الفيدرالية إثر تقليص موارد وكالات الطوارئ يزيد احتمال أن تكون الجهات المحلية وحدها في موضع الحاجة دون القدرة الكافية للتعامل مع الأزمات.
في ظل هذه الأرقام الصادمة، من الضروري أن تُحوَّل التحذيرات إلى أفعال ملموسة، حيث يجب على الحكومات الفيدرالية والولايات المُتضرّرة أن تسارع في تحديث البنى التحتية، إنشاء ممرات إخلاء، بناء الملاجئ المقاومة والأنظمة المبكرة للإنذار، ودعم المجتمعات خاصة الفقيرة، للاستعداد للمفارقات المناخية.
بالإضافة إلى ما سبق، مطلوب تعزيز التمويل المناخي، ليس بوصفه منحة، بل استثمار في البناء المرن والتخفيف من المخاطر، فالدول الصناعية الكبرى يجب أن تضيف دعمًا للدول التي تعاني، سواء داخل أو خارج حدودها، لأن ظواهر المناخ لا تعترف بالحدود الجغرافية.











