وسط اعتراضات نواب الوسط.. إصلاحات اللجوء تشعل الانقسام في "العمال البريطاني"

وسط اعتراضات نواب الوسط.. إصلاحات اللجوء تشعل الانقسام في "العمال البريطاني"
الهجرة عبر المانش - أرشيف

يعيش حزب العمال في المملكة المتحدة مرحلة شديدة الاضطراب نتيجة الانقسامات الداخلية المتصاعدة حول خطته لإصلاح منظومة اللجوء البريطانية، إذ أثارت الإجراءات المقترحة نقاشاً محتدماً داخل أروقة الحزب بعد الارتفاع الكبير في أعداد طالبي اللجوء.

وبينما تدافع وزيرة الداخلية شبانة محمود عن الخطة بوصفها خطوة ضرورية لإعادة ضبط النظام، يرى نواب من تيار يسار الوسط أنّ هذه المقترحات تشكّل «تمزيقاً» واضحاً للحقوق الأساسية التي يُفترض بالحزب الدفاع عنها، بحسب ما ذكرت "الغارديان"، الأحد.

تسبّبت الخطة الجديدة في إحداث شرخ واضح في صفوف العماليين، فقد واجهت وزيرة الداخلية اعتراضات حادة من نواب يسار الوسط الذين اعتبروا أن سياسات التشديد المقترحة تتعارض مع مبادئ الحزب التاريخية في حماية الفئات الأضعف.

ومن بين أبرز الأصوات المعارضة، عبّرت النائبة ناديا وتم عن «قلق بالغ» من الآثار المحتملة للتعديلات، ووصفتها علناً بأنها «تمزيق» للحقوق الإنسانية المضمونة لطالبي اللجوء، مؤكدة ضرورة الحفاظ على التوازن بين إصلاح النظام وبين احترام التزامات بريطانيا الإنسانية.

وتشير هذه المواقف إلى حجم الصراع الداخلي المتفاقم، خاصة مع تراجع نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة زعيم الحزب كير ستارمر على الحفاظ على وحدة الحزب في ظل الضغوط الشعبية والسياسية المتزايدة.

تقليد السياسات الدنماركية 

يميل عدد من المحللين إلى اعتبار أن حزب العمال يسير في اتجاه تقليد السياسات الدنماركية التي نجحت في تقليص عدد الوافدين الجدد، وهو ما يُنظر إليه على أنه محاولة واضحة لاستمالة جزء من ناخبي اليمين القلقين من ملف الهجرة.

وتتضمّن المقترحات المثيرة للجدل عدداً من الإجراءات القاسية، أبرزها: خفض الدعم القانوني المخصص لطالبي اللجوء، إلغاء المخصّصات المالية الشهرية، إنهاء دعم السكن، وتمديد فترة الحصول على الإقامة الدائمة لتصل إلى 20 عاماً.

هذه الخطوات، وإن كانت تهدف إلى تقليل «جاذبية» بريطانيا لطالبي اللجوء، إلا أنها أثارت موجة من النقد الداخلي لما قد تخلّفه من تأثيرات على الفئات الأكثر هشاشة.

تأييد غير متوقّع من المنافسين

ازداد المشهد السياسي تعقيداً بعدما أعلنت زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك تأييدها المعلن لخطة العمال، مؤكدة أنها «خطوات في الاتجاه الصحيح». 

ويُعد هذا التأييد نقطة التقاء نادرة بين الحزبين المتنافسين، في إشارة إلى إجماع سياسي أوسع على ضرورة تشديد سياسات اللجوء ومعالجة أزمة القوارب عبر القناة الإنجليزية.

ورغم أن الدعم من المنافسين عادة ما يُعد مكسباً سياسياً، فإنه في هذه الحالة خلق مزيداً من الريبة داخل الحزب، حيث تخوّف كثيرون من أن تبدو قيادة العمال وكأنها تتجه يميناً على حساب القيم التقدمية التي اعتاد الناخبون ربطها بالحزب. 

هذا الجدل، وفق مراقبين، يعقّد مهمة الحزب في مواجهة تنامي شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة.

أرقام تكشف حجم الأزمة

تعكس البيانات الرسمية حجم الضغوط الواقعة على منظومة اللجوء في بريطانيا، إذ وصلت طلبات التقديم حتى نهاية مارس 2025 إلى 109 آلاف طلب، بزيادة 17% مقارنة بالعام الماضي.

كما ارتفع عدد الملفات التي تنتظر قراراً أولياً ليبلغ 78,745 قضية تشمل أكثر من 109 آلاف شخص.

وفي الوقت نفسه، انخفض عدد طالبي اللجوء المقيمين في فنادق تابعة لوزارة الداخلية بنسبة 15%، ليصل إلى نحو 32,345 شخصاً، ما يشير إلى سعي الحكومة لتقليص الاعتماد على الإقامة الفندقية المكلفة.

هذه الأرقام، وفق خبراء، تؤكد أنّ النظام الحالي يواجه ضغطاً لم يعد قابلاً للاستمرار، وهو ما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول جذرية رغم اعتراضات واسعة بشأن التكلفة الإنسانية.

إصلاحات وتداعيات إنسانية

تسعى الحكومة العمالية إلى معالجة أزمة القوارب غير الشرعية التي تجاوز عدد الوافدين عبر القناة الإنجليزية فيها 39 ألف شخص خلال العام الجاري.

وتأمل من خلال الإصلاحات الجديدة تقليص الطلبات عبر إزالة «عوامل الجذب» التي -وفق رؤية الحكومة- تجعل بريطانيا هدفاً للمهاجرين.

وتشمل الإجراءات: مراجعة دورية لوضع اللاجئ لمنع الاستقرار طويل الأمد، وإعادة تقييم ملفات التوطين، وقف الفوائد والمخصّصات لمن يرفضون العمل.

ورغم ذلك، تُظهر البيانات أن الوافدين غير الشرعيين يمثلون نسبة صغيرة من إجمالي الهجرة، وأن صافي الهجرة تراجع إلى النصف تقريباً من 860 ألفاً إلى 431 ألفاً خلال 2025، وهو ما يطرح تساؤلات حول فاعلية التركيز الحكومي على فئة محدودة من المهاجرين بدلاً من إصلاح شامل لبنية الهجرة ككل.

خلاصة المشهد

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن سياسات حزب العمال المتعلقة بإصلاح نظام اللجوء وضعت الحزب في مواجهة داخلية وخارجية في آن واحد؛ فبينما يحظى بتأييد نادر من خصومه السياسيين، يواجه معارضة حادة من صفوفه الداخلية التي تتهم القيادة بالتنازل عن المبادئ الأساسية للحزب.

ويبقى التحدي الأكبر أمام العمال هو كيفية تحقيق معادلة صعبة: الحد من تدفق الهجرة غير الشرعية دون التفريط بحقوق الإنسان، وهي مهمة تزداد تعقيداً مع مرور الوقت واشتداد الجدل السياسي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية