الجوع في الزنازين.. شهادات تكشف معاناة الأسرى الفلسطينيين رغم قرار القضاء الإسرائيلي

الجوع في الزنازين.. شهادات تكشف معاناة الأسرى الفلسطينيين رغم قرار القضاء الإسرائيلي
سجناء فلسطينيون في إسرائيل

تتوالى الشهادات من داخل السجون الإسرائيلية لتكشف صورة قاتمة عن الظروف المعيشية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون، خصوصاً ما يتعلق بتوفير الطعام، فبعد ثلاثة أشهر على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بضرورة توفير كميات غذاء مناسبة تضمن الحفاظ على صحة الأسرى.

أكدت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها الأربعاء أنه لم يطرأ أي تغيير على الواقع داخل الزنازين، وشهادات الأسرى ومحاميهم تقول إنهم ما زالوا يتلقون طعاماً قليلاً ومتدني الجودة، بل إن بعضهم يؤكد أن الكميات انخفضت خلال الأشهر الأخيرة.

قرار قضائي لا يجد طريقه للتطبيق

في سبتمبر الماضي، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن مصلحة السجون تنتهك التزاماتها الأساسية تجاه الأسرى الفلسطينيين حين تحرمهم من الكمية والتركيبة المناسبة من الطعام للحفاظ على صحتهم، وجاء القرار استجابة لالتماس تقدمت به جمعية حقوق المواطن ومنظمة غيشا ضد مصلحة السجون ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمستشارة القضائية للحكومة.

هذا الالتماس جاء بعد سلسلة تغييرات فرضها بن غفير عقب اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، والتي شملت جميع الأسرى الأمنيين بغض النظر عن موطنهم، وبموجب تلك القرارات، مُنع الأسرى من شراء المواد الغذائية من الكانتينات وهو ما كانوا يعتمدون عليه جزئياً في إعداد طعامهم سابقاً، ومع الانتقال إلى وضع الطوارئ، تولت مصلحة السجون توفير الطعام بشكل كامل، ما وضع الأسرى أمام خيارات محدودة وكميات قليلة ومراقبة صارمة.

شهادات تكشف واقع التجويع

بحسب التقرير الذي نشرته هآرتس، فإن الالتماس الجديد الذي قدمته جمعية حقوق المواطن ومنظمة غيشا هذا الأسبوع يؤكد من خلال زيارات ميدانية إلى عدة سجون أن الوضع لم يتغير، شهادات الأسرى تشير إلى أنهم لم يكونوا على علم بقرار المحكمة أصلاً، ولم يخضعوا لأي فحص أو متابعة بعد صدوره.

محامون زاروا سجوناً عدة نقلوا شهادات عن تلقي الأسرى كميات ضئيلة من الطعام، بعضها منخفض الجودة أو منتهي الصلاحية، البعض قال إن الخضراوات التي يحصلون عليها متسخة، وإنهم يضطرون لتخفيف الطحينة بالماء لتكفي الجميع، الشهادات الأكثر قسوة تحدثت عن جوع دائم وفقدان شديد للوزن، أحد المحامين ذكر أنه التقى معتقلاً إدارياً كان وزنه قبل اعتقاله 130 كيلوغراماً، لكنه انخفض إلى نحو 60 كيلوغراماً، وقال إنه شاهد سجناء انخفض وزنهم إلى أقل من 49 كيلوغراماً، في مؤشر على تدهور صحي خطير.

أوضاع تفاقمت بعد الحرب

قبل السابع من أكتوبر 2023، كان الأسرى الفلسطينيون يعتمدون على شراء موادهم الغذائية من الكانتين وإعداد وجباتهم بأنفسهم، ما أتاح هامشاً من السيطرة على نوعية الطعام وكميته، لكن مع اندلاع الحرب، تغيرت الأنظمة داخل السجون، وفرضت مصلحة السجون قيوداً صارمة شملت وقف الشراء ومنع استخدام أدوات الطبخ، وهذا التغيير أدى إلى اعتماد الأسرى بشكل كامل على ما تقدمه المصلحة، وهو ما اعتبره حقوقيون خطوة عقابية لا مجرد إجراء طوارئ.

الأسرى الذين التقتهم المنظمات الحقوقية قالوا إن التغيير لم يقتصر على الطعام، بل إنهم فقدوا الوصول إلى العديد من الاحتياجات اليومية والإنسانية الأساسية، وهو ما انعكس على صحتهم الجسدية والنفسية، ويؤكد المحامون الذين نقلوا الشهادات أن الأسرى يشعرون بأنهم يتعرضون لسياسة ممنهجة تهدف إلى الإضعاف والتجويع، وليس مجرد نقص طارئ أو خلل إداري.

عقوبات على مسؤولي السجون

الالتماس الجديد يطلب من المحكمة العليا فرض غرامات أو عقوبة السجن على مفوض مصلحة السجون كوبي يعقوب، باعتبار أن المصلحة لم تنفذ الحكم الصادر عنها، وتشير المنظمتان الحقوقيتان إلى أن مصلحة السجون لم تغير آلية توزيع الطعام، ولم تقم بأي تعديل يضمن الحد الأدنى من توصيات المحكمة.

أشارت الإفادات التي جُمعت من سجون عوفر وغانوت ومجدو وجلبوع وكتسيوت وشطة إلى أن السجناء الفلسطينيين لم يتلقوا أي تحديث أو أخبار حول تطبيق القرار، كما لم يخضعوا لأي تقييم طبي لرصد أثر نقص الغذاء في صحتهم، ويقول محامون إن المفروض أن تتلقى هذه الفئة الأكثر هشاشة معاملة تتوافق مع القانون الدولي الإنساني، لكن الواقع يشير إلى أن الأمور تتجه للأسوأ.

في مواجهة الانتقادات العلنية، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية إن التزامها بتوفير الطعام الملائم للأسرى غير قابل للجدل، مؤكدة أنها شكلت فريقاً لتنفيذ قرار المحكمة، إلا أن هذه التصريحات لم تقنع المنظمات الحقوقية التي ترى أن نتائج أي جهد إداري يجب أن تنعكس مباشرة على حياة الأسرى من خلال تحسين ملموس في نوعية وكمية الطعام، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

واقع الأسرى الفلسطينيين 

تسليط الضوء على واقع الأسرى الفلسطينيين يأتي في وقت يشهد فيه الملف الإنساني في الأراضي الفلسطينية تعقيداً كبيراً، فالحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023 خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا في غزة، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، وأزمات إنسانية غير مسبوقة، وفي ظل هذا السياق، يصبح وضع الأسرى جزءاً من لوحة واسعة تعكس تصاعد الانتهاكات وتراجع الحماية القانونية.

الأسرى الفلسطينيون الذين يزيد عددهم على عشرة آلاف شخص، بينهم نساء وأطفال، يعيشون ظروفاً قاسية تشمل التعذيب والإهمال الطبي وسوء المعاملة وفق تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية، وتشير هذه المنظمات إلى أن الانتهاكات تضاعفت بعد الحرب، وأن بعضها اتخذ شكلاً ممنهجاً مثل الحرمان من الطعام الكافي وعرقلة الوصول إلى الرعاية الطبية.

وتؤكد التقارير الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء أن نقص الطعام ليس مجرد مشكلة تغذية، بل جزء من سياسة عقابية أوسع، تهدف إلى الضغط على الأسرى وإضعاف قدرتهم على الصمود داخل السجون.

المواجهة بين القضاء والسلطة التنفيذية

القضية تفتح كذلك نقاشاً مهماً حول مدى التزام المؤسسات التنفيذية في إسرائيل بالأحكام القضائية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالأسرى الفلسطينيين، فقرار المحكمة العليا، رغم أهميته، لم يحظَ بأي متابعة فعلية من مصلحة السجون، ما أثار تساؤلات حول استقلالية القضاء وقدرته على فرض رقابته على مؤسسات الأمن.

وتقول منظمات حقوقية إن تجاهل القرارات القضائية يعزز ثقافة الإفلات من المسؤولية، ويترك الأسرى تحت رحمة التقديرات الأمنية وحدها، دون حماية قانونية فعالة.

يعد ملف الأسرى الفلسطينيين واحداً من أكثر الملفات حساسية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومنذ احتلال الضفة الغربية وغزة في عام 1967، اعتمدت إسرائيل سياسة الاعتقال الواسع، ومنها الاعتقال الإداري الذي يسمح بحبس الفرد دون تهمة لمدة تتجدد كل بضعة أشهر، وخلال العقود الماضية، مرت ظروف الاحتجاز بمحطات من التشديد والتخفيف، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تشديداً واضحاً مع تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي.

 تعتمد السجون الإسرائيلية على نظام شديد المركزية يتيح مساحة واسعة للإجراءات الأمنية على حساب الجوانب الإنسانية، وقد وثقت منظمات محلية ودولية ممارسات تشمل الإهمال الطبي، والعزل الانفرادي، ومنع الزيارات، والتضييق على التعليم والغذاء، ورغم القرارات القضائية التي صدرت لتحسين الأوضاع، ظلت الفجوة كبيرة بين النصوص القانونية والممارسات اليومية، الأمر الذي جعل ملف الأسرى من أبرز القضايا التي تستدعي رقابة دولية مستمرة وتحركاً حقوقياً متواصلاً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية