حصار أكبر ميناء للفحم بالعالم.. "المد الصاعد" يسلط الضوء على حق التظاهر البيئي في أستراليا

حصار أكبر ميناء للفحم بالعالم.. "المد الصاعد" يسلط الضوء على حق التظاهر البيئي في أستراليا
احتجاجات تغلق ميناء نيوكاسل

فرضت حركة "رايزينغ تايد" أو "المد الصاعد" حصارًا غير مسبوق على ميناء نيوكاسل، أكبر ميناء للفحم في العالم، في تحرك مناخي واسع شهد مشاركة آلاف النشطاء الذين تجمعوا على الشاطئ أو دخلوا الميناء بقوارب الكاياك خلال أيام الاحتجاج المستمرة.

ووفقًا لصحيفة "الغارديان" أكدت أحدث بيانات شرطة نيو ساوث ويلز، اعتقال 141 شخصًا منذ الخميس وحتى الأحد، بينهم 121 بالغًا و 18 قاصرًا جرى التعامل معهم بموجب قانون الأحداث الجانحين.

ومنعت مجموعات من النشطاء وصول ثلاث سفن فحم خلال أربعة أيام، بينها سفينتان يوم الأحد وسفينة في اليوم السابق، ليصل إجمالي ما أُعيد من سفن إلى ثلاث سفن خلال أسبوع الاحتجاج، وفق ما نشرته "الغارديان".

تدخل مجموعة سلمية تابعة لمنظمة "المد الصاعد" قناة الشحن بقوارب الكاياك، ويشارك نحو 100 شخص على 50 قارب كاياك في التحركات البحرية يوم الأحد، بحسب ما نقلته فرانس برس.

تجبر هذه التحركات سفينتي فحم على العودة أدراجهما بدلًا من دخول الميناء، كما أشارت الوكالة إلى أن الشرطة وجهت اتهامات "مرتبطة بالبحر" إلى 32 شخصًا خلال السبت وصباح الأحد.

ممارسات غير آمنة

أوضحت شرطة نيو ساوث ويلز أن العديد من النشطاء مارسوا "ممارسات غير آمنة" مؤكدة اتباعها "نهج عدم التسامح مطلقًا" تجاه ما تعده تعريضًا للسلامة العامة أو سلامة مرور السفن للخطر.

وقد تسلق ثلاثة ناشطين من "غرين بيس أستراليا والمحيط الهادئ" سفينة الفحم "يانغزيه 16" في تمام الساعة 8:00 صباحًا يوم الأحد، وفق بيان "غرين بيس" الأصلي، ويعلقون أنفسهم على جوانبها وسلسلة مرساتها رافعين لافتة كتب عليها: "التخلص التدريجي من الفحم والغاز".

تسبب هذا التحرك في توقف عمليات السفينة ومنع وصولها إلى الميناء في موعدها المحدد الساعة 12:15 ظهرًا، بحسب المنظمة.

 نزل أحد النشطاء من على سلسلة المرساة "بسبب تغير الأحوال الجوية"، في حين تعتقل قوات الشرطة المتخصصة الناشطين الآخرين بعد وصولهم بواسطة طائرة هليكوبتر، حيث يهبط متسلقو الشرطة على متن السفينة في حوالي الساعة 1:45 ظهرًا، وأكدت "غرين بيس" عدم توجيه أي اتهامات للناشطين حتى وقت صدور بيانها يوم الأحد.

ويقول رئيس قسم المناخ والطاقة في غرين بيس أستراليا والمحيط الهادئ، جو رافالوفيتش إن "الحق في الاحتجاج السلمي ركيزة أساسية للديمقراطية السليمة وحق أساسي لجميع الأستراليين"، مضيفًا أن أستراليا بصفتها "ثالث أكبر مصدر للوقود الأحفوري في العالم" تتحمل دورًا كبيرًا في أزمة المناخ.

وشدد رافالوفيتش على أهمية وضع "جدول زمني للتخلص التدريجي من الفحم والغاز" ووقف الموافقة على مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة، مؤكدًا دعم المنظمة "جميع المدافعين السلميين عن المناخ" في منطقة الحصار وفي أنحاء البلاد.

تضارب بين الوعود والسياسات

ينتقد رئيس قسم المناخ والطاقة في غرين بيس، جو رافالوفيتش، حكومة أنتوني ألبانيز، لاستمرارها في الموافقة على مشاريع جديدة للغاز والفحم، رغم انضمام أستراليا في مؤتمر الأطراف الثلاثين إلى "إعلان بيليم" الذي يمثل -حسب وصفه- أقوى التزاماتها الدولية بخفض الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

يصف رافالوفيتش هذا التناقض بأنه "مزحة"، مؤكدًا أن القرارات الحكومية تتعارض مع مسؤولية أستراليا بصفتها أحد أكبر مصدّري الفحم والغاز في العالم.

وتدعو حركة "المد الصاعد" الحكومة الفيدرالية إلى تنفيذ ثلاث خطوات رئيسية، بحسب الغارديان، هي: إلغاء جميع مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة، فرض ضريبة 78% على أرباح تصدير الوقود الأحفوري، وقف صادرات الفحم من ميناء نيوكاسل بحلول 2030.

تحذر المنظمة من استمرار صادرات الفحم التي "تسهم في مزيد من حرائق الغابات المدمرة والفيضانات والأعاصير"، كما قالت الطبيبة والناشطة في غرين بيس، إيلين أودونيل في تصريحها لـ"الغارديان" حول مشاركة آلاف الأشخاص في حصار الميناء.

الأمن البحري

تفرض حكومة الولاية منطقة حظر موسعة -وفق “الغارديان”- بموافقة وزير النقل جون غراهام، وتشمل معظم الميناء حتى صباح غداً الاثنين، ما يعرض من يخترقها لعقوبات تصل إلى 1100 دولار، في حين تقرّ المجموعة الاحتجاجية بأن آخرين وُجهت إليهم تهم بموجب قوانين مكافحة الاحتجاج التي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن عامين.

تتابع شرطة نيو ساوث ويلز توقيف القوارب المخالفة داخل الحظر، حيث تطارد قاربًا دخل المنطقة صباح الأحد، وتقول الشرطة إن القارب اصطدم بدراجة مائية للشرطة قبل أن يُعتقل سائقه.

تسجل الشرطة أيضًا واقعة اعتداء في حديقة فورشور، أصيب خلالها رجل يبلغ 46 عامًا بجروح في الظهر والذراعين والساقين والرأس، وتم نقله إلى مستشفى كاليفاري ماتر في حالة مستقرة.

استمرار حركة السفن

يؤكد متحدث باسم ميناء نيوكاسل -وفق “فرانس برس”- أن جداول الشحن استمرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأن آخر سفينة غادرت بالفعل بعد الظهر، مشيرًا إلى أن "عمليات السفن ستستمر كما هو مقرر".

وتشير "الغارديان" في المقابل إلى أن هيئة الميناء أعلنت عن تعطل 4 سفن يوم الأحد، اثنتان منها تحملان بضائع غير فحمية، وتمت إعادة جدولة إحداهما ونقلها بأمان بعد الظهر، وتوضح الهيئة أن جميع تحركات السفن تتم بالتشاور مع شرطة نيو ساوث ويلز، وتظهر بيانات الصحيفة أيضًا أن سبع سفن تمكنت من العبور يوم السبت رغم الاحتجاجات.

يقرّ البرلمان الأسترالي -وفق “فرانس برس”- قوانين بيئية جديدة تُلزم المشاريع الكبيرة المُصدرة للكربون بالإفصاح عن انبعاثاتها وخطط الحد من التلوث.

ويعرب مجلس المناخ عن قلقه من أن هذه القوانين لا تُلزم الحكومة بمراعاة التلوث المناخي عند تقييم المشاريع، رغم الاستثمارات المتزايدة في الطاقة المتجددة.

توضح "فرانس برس" أن أستراليا ما تزال تعتمد بشكل كبير على اقتصاد الوقود الأحفوري، وتظل من أكبر مصدّري الفحم عالميًا وتمتلك ثالث أكبر احتياطاته.

يكشف هذا الاحتجاج عن معركة واضحة بين حق المواطنين في الاحتجاج السلمي دفاعًا عن مستقبل المناخ، وبين سياسات حكومية ما تزال تمنح أولوية للوقود الأحفوري رغم الالتزامات الدولية.

ويعيد هذا الحصار تسليط الضوء على التحديات الحقوقية المرتبطة بالبيئة في أستراليا: حق التظاهر، الحق في بيئة آمنة، حق المجتمعات في مساءلة السياسات المناخية، و حق الحماية من الآثار الكارثية للفحم والغاز.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية