جرائم طائفية وعمليات ثأر.. انفلات أمني يضرب سوريا خلال شهر

جرائم طائفية وعمليات ثأر.. انفلات أمني يضرب سوريا خلال شهر
سوريا

شهدت سوريا خلال شهر نوفمبر المنقضي موجة غير مسبوقة من الانفلات الأمني تجسدت في تصاعد وتيرة الاغتيالات وعمليات التصفية والاعتداءات المسلحة التي حملت في كثير من الحالات دوافع انتقامية أو أبعاداً طائفية صريحة، ففي شهر واحد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 41 شخصاً بينهم 39 رجلاً وامرأتان، في مؤشر خطر على اتساع رقعة الفوضى وتنامي العنف المنفلت من أي رقابة.

وأفاد المرصد السوري في تقرير له، اليوم الاثنين، أن محافظات حمص وحماة وريف دمشق تصدرت مشهد العنف القائم في سوريا، إذ شهدت تنفيذ عشرات العمليات التي نفذها مسلحون مجهولون استهدف معظمها أشخاصاً ينحدرون من بيئات طائفية مختلفة أو ممن يُشتبه بارتباطهم السابق بالأجهزة الأمنية أو بعلاقات اجتماعية محملة بخلافات قديمة تراكمت خلال سنوات الصراع.

وتنوعت أساليب الجريمة بين إطلاق نار مباشر ورمي بالحجارة وعمليات اختطاف انتهت بالقتل، فضلاً على هجمات نفذتها مجموعات تتحرك على دراجات نارية أو سيارات غير مرقمة دون أن تتبنى أي جهة المسؤولية عنها.

جريمة زيدل وصدى الغضب

بحسب المرصد برزت جريمة بلدة زيدل في 23 نوفمبر باعتبارها الأكثر صدمة لما حملته من وحشية وما خلفته من آثار طائفية خطرة، فقد عُثر على رجل وزوجته من قبيلة بني خالد مقتولين داخل منزلهما جنوب حمص حيث أُطلق الرصاص على الزوج في حين أُحرقت جثة الزوجة بطريقة أثارت غضباً عارماً.

كما وجدت في المنزل عبارات طائفية تشير إلى نية واضحة في إشعال الاحتقان، وما إن شاع خبر الجريمة حتى اندلعت أعمال انتقامية واسعة شن خلالها أبناء القبيلة هجمات على أحياء ذات أغلبية علوية في ضاحية الباسل وحي المهاجرين تخللتها عمليات إطلاق نار واقتحام منازل ومحال تجارية والاعتداء على المدنيين.

وكشف المرصد أن ريف دمشق سجل 4 قتلى جميعهم رجال بينهم 3 حالات مرتبطة بالانتماء الطائفي، وفي حمص ارتفع العدد إلى 20 ضحية بينهم 18 رجلاً وسيدتان، 14 منهم قتلوا بدوافع طائفية، أما حماة فسجلت 7 قتلى بينهم 4 صُنفت جرائمهم ضمن السياق الطائفي، وفي اللاذقية قتل رجلان في جريمتين طائفيتين، وسجلت حلب حالتي قتل ورصدت إدلب دراجة قاتلة واحدة في حين وثقت درعا حالة قتل واحدة، أما دير الزور فقد شهدت مقتل 4 رجال في حوادث مختلفة.

تصاعد الاغتيالات وتعدد الدوافع

مع بداية نوفمبر سقط أول الضحايا في حلب حيث اغتيل شخص متهم بالتعامل مع النظام السابق، وفي اليوم نفسه قتل رجل في الستين من العمر في حمص على يد مجهولين ربما بسبب عمله السابق في الأجهزة الأمنية، وتواصلت عمليات الاغتيال باختطاف رجل في الأربعينيات من أبناء الطائفة العلوية وقتله في حي جورة الشياح بعد استدراجه أثناء توجهه إلى أحد المصارف، وفي الرابع من الشهر ذاته عثر على شابين من أبناء الطائفة الشيعية مقتولين داخل مدجنة يعملان فيها غرب حمص، كما فارق عنصر سابق في أمن الدولة الحياة متأثراً بجراحه بعد تعرضه لإطلاق نار نهاية أكتوبر.

شهد الرابع من نوفمبر أيضاً جريمة قتل شاب يبلغ 25 عاماً وإصابة آخر من الطائفة العلوية في ريف جبلة بعد اعتراضهما من قبل مسلحين يستقلون سيارة سنتافيه سلبوا ما بحوزتهما وأطلقوا النار عليهما، كما قتل رجل ستيني من الطائفة المرشدية في ريف حماة الغربي أثناء توجهه إلى عمله، وفي اليوم نفسه اغتيل رجل من بلدة قمحانة شمال حماة كان مقاتلاً سابقاً في قوات النظام السابق في سوريا.

وفي السادس من نوفمبر أعلن عن وفاة شاب من الطائفة العلوية متأثراً بإصابته برصاص الأمن العام خلال مداهمة منزله قبل أيام، وفي اليوم ذاته قتل الطبيب حمزة شاهين وهو من أبناء الطائفة الدرزية بعد تعرضه للتعذيب لدى خاطفيه عقب اختطافه من أمام عيادته بريف دمشق. كما قتل رجل آخر في ريف دمشق برصاص مجهولين بدعوى ولائه للنظام السابق.

تصفية شخصيات محلية

سجل يوم الثامن من نوفمبر مقتل شاب في حي الزهراء بحمص بعد استهدافه بطلقتين ناريتين، وفي اليوم نفسه قتل قيادي سابق في إحدى المجموعات التابعة للنظام السابق في حي المشهد بحلب، أما التاسع من الشهر فسجل جريمة مزدوجة في إدلب وحمص إذ قتل رجل في إدلب وأصيب ابنه برصاص مسلحين يستقلون سيارة، وفي حمص قتل رجلان من طائفتين مختلفتين في بلدة الربلة بإطلاق نار مباشر على يد مجهولين.

في الخامس عشر من نوفمبر ارتفعت حصيلة هجوم على مقهى في قرية أم حارتين بريف حمص إلى أربع ضحايا بينهم مختار القرية وثلاثة من الطائفة العلوية ورجل من الطائفة السنية، وفي السادس عشر قتل رجل من الطائفة الدرزية أثناء عمله في أرضه بريف دمشق الغربي كما اغتيل عنصر سابق في الأمن السياسي بدير الزور. وفي العشرين من الشهر نفسه قتلت سيدة من الطائفة العلوية وأصيب زوجها بجروح خطرة في حمص، كما قتل رجل من الطائفة نفسها بعد اختطافه وإعدامه رمياً بالرصاص.

استمرار الجرائم اليومية

توالت الجرائم حتى نهاية الشهر، ففي الثاني والعشرين عثر على شابين مقتولين رجماً بالحجارة بعد اختطافهما لساعات في حي الزهراء، وفي الثالث والعشرين وقعت جريمة زيدل التي هزت الرأي العام تزامناً مع مقتل رجل آخر في حماة وعنصر أمني سابق في درعا، وفي الرابع والعشرين قتل عنصر سابق في الدفاع الوطني في دير الزور. وفي السادس والعشرين قتل شاب من الطائفة العلوية يعمل في توزيع البنزين في ريف حماة.

وفي السابع والعشرين قتل ثلاثيني من الطائفة العلوية بعد تعرضه لإطلاق نار في ريف حماة كما اغتيل شاب من الطائفة الشيعية أمام حاجز أمني في حمص، وفي الثامن والعشرين قتل رجل من الطائفة العلوية في ريف دمشق كما توفي طبيب بيطري متأثراً بإصابته في هجوم بمدينة حماة، وفي التاسع والعشرين قتل رجل داخل محله في حمص، أما اليوم الأخير من الشهر فسجل جريمتين في حمص ودير الزور: الأولى قتل فيها رجل ستيني عثر عليه بين قريتي كفرنان وتسنين، والثانية اغتيل فيها شاب بعد اقتحام منزله في حي العرضي بدير الزور.

وفي سياق متصل، أعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن توثيق مقتل 73 مدنياً في سوريا خلال شهر نوفمبر من عام 2025، وشمل العدد 12 طفلاً و6 سيدات إضافة إلى حالتي وفاة ناجمتين عن التعذيب.

شهدت سوريا منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024 حالة فراغ أمني عميق لم تستطع السلطات الانتقالية احتواءها بشكل كافٍ، وتسببت سنوات الحرب الطويلة في انتشار السلاح خارج إطار المؤسسات وظهور جماعات محلية تعمل لحسابها وتفرض سطوتها على السكان، كما أسهمت الانقسامات الطائفية التي تراكمت خلال سنوات الصراع في تفاقم حالة العنف وتغذية عمليات الثأر والانتقام، ويشير مراقبون إلى أن ضعف الأجهزة الأمنية وتداخل نفوذ القوى المحلية والإقليمية جعل من بعض المحافظات ساحات مفتوحة لتصفية الحسابات. 

وتؤكد تقارير حقوقية أن استمرار هذا الانفلات يهدد مسار الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد ويستدعي جهوداً عاجلة لإعادة بناء مؤسسات الأمن والعدالة وبسط سيادة القانون بما يضمن حماية المدنيين ووقف دوامة العنف التي تتوسع يوماً بعد آخر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية