بسبب الأجور.. أطباء إنجلترا يصعّدون المواجهة مع الحكومة بإضراب جديد

بسبب الأجور.. أطباء إنجلترا يصعّدون المواجهة مع الحكومة بإضراب جديد
إضراب الأطباء في بريطانيا - أرشيف

قبل أيام قليلة من عطلة عيد الميلاد يدخل القطاع الصحي في بريطانيا مرحلة جديدة من التوتر بعدما أعلن الأطباء المقيمون تنفيذ إضراب يستمر خمسة أيام بين السابع عشر والثاني والعشرين من ديسمبر، وتؤكد الجمعية الطبية البريطانية أن هذا التحرك يأتي بعد تعثر كامل في المفاوضات مع الحكومة بشأن تحسين الأجور وتوفير فرص توظيف عادلة، في وقت يواجه فيه القطاع ضغطاً غير مسبوق مع حلول موسم الشتاء.

تقول الجمعية، بحسب ما ذكرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية الثلاثاء، إن الأطباء منحوا الحكومة مهلة كافية لاستئناف الحوار، منذ التاسع عشر من نوفمبر؛ أملاً في التوصل إلى تفاهم يوقف التصعيد، لكن هذه المهلة مضت من دون أي رد حكومي حتى الأول من ديسمبر، وهو ما دفع لجنة الأطباء المقيمين لاتخاذ قرار الإضراب.

وتضيف الجمعية أن آلاف الأطباء المقيمين حرموا مؤخراً من فرص التدريب الطبي المتوسط IMT، كما تواجه فئتهم خفضاً متوقعاً في الأجور الحقيقية بحلول عام 2026 الأمر الذي يعده الأطباء تهديداً مباشراً لمسارهم المهني ولجودة النظام الصحي على حد سواء.

تصعيد بقيادة جديدة

يمثل هذا الإضراب ثاني تحرك كبير منذ انتخاب قيادة جديدة للجنة الأطباء المقيمين في سبتمبر برئاسة الدكتور جاك فليتشر، وقد قاد فليتشر أول إضراب له بين الرابع عشر والتاسع عشر من نوفمبر عقب جولات نقاش عقدت مع وزير الصحة ويس ستريتينغ في أكتوبر ونوفمبر، غير أن هذه النقاشات لم تسفر عن تقدم ملموس، وفقاً للجمعية التي وصفت جولة التوظيف الأخيرة بأنها كارثية بسبب نقص الفرص وارتفاع متطلبات الالتحاق ببرامج التدريب.

وتعد الجمعية أن المعايير الجديدة لقبول أطباء العام الثاني من التدريب أصبحت تتطلب خبرات تتجاوز ما كان معمولاً به في السنوات السابقة، ما يجعل الطريق إلى التقدم المهني أصعب ويعمق الفجوة في التوظيف داخل هيئة الخدمات الصحية.

وتشير إلى أن آلاف الأطباء باتوا يشعرون بأنهم يدفعون ثمن سوء الإدارة، في حين يواجهون ضغوطاً مهنية ونفسية متزايدة.

ضغوط تتزايد مع الشتاء

من جانبه، يرى دانييل إلكيليس الرئيس التنفيذي لهيئة خدمات الصحة الوطنية أن الإعلان عن الإضراب يشكل خطوة تصعيدية في توقيت بالغ الحساسية، فالهيئة تستعد سنوياً لمواجهة زيادة كبيرة في أعداد المرضى خلال فصل الشتاء، مع ارتفاع حالات العدوى التنفسية والأمراض الموسمية.

ويؤكد إلكيليس أن غياب الأطباء المقيمين خمسة أيام كاملة سيجعل إدارة هذا الطلب أكثر صعوبة ولن يكون منصفاً بالنسبة للمرضى أو لبقية العاملين في القطاع.

ويدعو إلكيليس الحكومة والجمعية إلى العودة مباشرة لطاولة المفاوضات قبل تنفيذ الإضراب، مشيراً إلى أن هيئة الصحة تعمل تحت ضغط متواصل منذ عامين وأن أي توقف إضافي في الخدمات سيزيد الوضع تعقيداً.

موقف الأطباء

في المقابل، أشار الدكتور جاك فليتشر إلى أن قرار الإضراب لم يكن خياراً سهلاً، ويقول إن الحكومة البريطانية لم تقدم أي خطة واقعية لمعالجة أزمة التوظيف المتنامية أو لوضع مسار تدريجي لتحسين الأجور، كما يؤكد أن الإضراب ما زال قابلاً للإلغاء إذا قدمت وزارة الصحة إصلاحات عملية تضمن استقرار القوى العاملة الصحية وتحمي مستقبل التدريب الطبي.

ويضيف فليتشر أن الأطباء المقيمين هم العمود الفقري للمستشفيات وأن استمرار تجاهل مطالبهم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستقالات والهجرة المهنية، وهو ما يهدد قدرة النظام الصحي على الصمود في السنوات المقبلة.

يشكل هذا الإضراب حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاحتجاجات داخل القطاع الصحي في بريطانيا، فمنذ مارس 2023 نفذ الأطباء المقيمون ثلاثة عشر إضراباً، بينها إضراب صيفي واسع امتد من الخامس والعشرين إلى الثلاثين من يوليو الماضي وتسبب في خسائر قُدرت بنحو ثلاثمئة مليون جنيه استرليني لهيئة الصحة.

وتقول الجمعية إن كل هذه التحركات تحمل رسالة واضحة مفادها أن أزمة الأجور والوظائف لم تعد قابلة للتأجيل وأن الحكومة مطالبة باتخاذ خطوات عاجلة تضع حداً للتدهور في بيئة العمل داخل المستشفيات والمراكز الصحية.

تصويت لتمديد التفويض

وفي سياق موازٍ أعلنت الجمعية الطبية البريطانية الأسبوع الماضي بدء تصويت جديد بين الأطباء المقيمين، اعتباراً من الثامن من ديسمبر لتمديد تفويض الإضراب الذي ينتهي في يناير المقبل. وإذا جاءت نتيجة التصويت بالموافقة فسيتم تمديد التفويض حتى أغسطس 2026، وتجري عملية التصويت حتى الثاني من فبراير، في حين ترى الجمعية أن تمديد التفويض ضروري للمحافظة على قوة التفاوض في حال استمرت الحكومة في تجاهل مطالب الأطباء.

ويعد مراقبون تمديد التفويض حتى 2026 سيمنح الأطباء قدرة كبرى على الضغط في ظل أزمة متفاقمة تهدد استقرار القطاع الصحي وتضع المرضى في مواجهة تحديات خطرة، خصوصاً مع ارتفاع أوقات الانتظار ونقص الكوادر وتراجع التمويل الحكومي.

ومع اقتراب موعد الإضراب تثير الخطوة مخاوف واسعة بين المرضى الذين يعتمدون على خدمات الأطباء المقيمين في الأقسام الحيوية مثل الطوارئ والعمليات غير العاجلة والعناية الأولية، ورغم أن هيئة الصحة عادة ما تضع خططاً طارئة لضمان استمرار الخدمات الأساسية فإن الإضراب الممتد خمسة أيام في ذروة الشتاء قد يؤدي إلى تراكم أكبر في قوائم الانتظار وتأجيل مئات المواعيد والإجراءات الطبية.

ويتوقع خبراء أن تزداد الضغوط على الفرق الطبية الأخرى التي ستُكلّف بالتعويض عن غياب الأطباء المقيمين وهو ما قد يرفع مستويات الإرهاق بين العاملين ويؤثر في جودة الرعاية خلال الأسابيع اللاحقة.

القوة التشغيلية الأساسية

يعد الأطباء المقيمون في إنجلترا من أهم مكونات النظام الصحي، إذ يشكلون القوة التشغيلية الأساسية في المستشفيات ويقومون بمهام واسعة تمتد من تشخيص الحالات إلى تنفيذ الإجراءات اليومية ومتابعة المرضى.

ومنذ عام 2010 واجه هؤلاء الأطباء تآكلاً كبيراً في الأجور الحقيقية بسبب التضخم، في حين ارتفعت ساعات العمل وضغط المهام نتيجة نقص العاملين، وتزامن ذلك مع تحديات مالية وهيكلية داخل هيئة الخدمات الصحية التي تعاني نقصاً في التمويل وتزايد الحاجة إلى خدماتها.

 وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي انخفض عدد الأطباء الأوروبيين الجدد، ما زاد من اعتماد المستشفيات على الأطباء الشباب داخل البلاد وأدى إلى فجوات كبيرة في التوظيف، وفي ظل هذا الواقع ترى الجمعية الطبية البريطانية تحسين الأجور وتوسيع برامج التدريب وزيادة التوظيف شروطاً أساسية للحفاظ على نظام صحي قادر على تلبية احتياجات السكان ومنع مزيد من التدهور خلال السنوات المقبلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية