بين التقاليد والإغاثة.. عمل المرأة اليمنية في المنظمات الإنسانية يواجه الوصم الاجتماعي
بين التقاليد والإغاثة.. عمل المرأة اليمنية في المنظمات الإنسانية يواجه الوصم الاجتماعي
تواجه المرأة اليمنية العاملة في المنظمات والجمعيات المحلية والدولية منظومة معقّدة من الحواجز الاجتماعية والأسرية الصارمة، حيث يُنظر في كثير من المجتمعات إلى خروجها للعمل، خصوصاً في المجال الإنساني، على أنه “عيب” وتجاوز للأعراف والتقاليد السائدة.
ولا تقتصر هذه النظرة على البيئات الريفية فحسب، بل تمتد إلى مناطق حضرية أيضاً، ما يعكس عمق الإشكال الثقافي المرتبط بدور المرأة في الفضاء العام، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الأربعاء.
تعكس هذه النظرة النمطية فهماً مشوهاً لطبيعة العمل الإنساني، إذ يتم ربط مشاركة النساء فيه بسلوكيات غير أخلاقية أو بانفلات اجتماعي، رغم أن طبيعة المهام التي يقمن بها تتعلق بالإغاثة، ودعم الفئات الأشد ضعفاً، والإسهام في تنفيذ البرامج الصحية والتعليمية والنفسية والتنموية.
ويُعد هذا الربط أحد أشكال العنف الرمزي الذي يقيّد النساء ويُضعف فرصهن في الانخراط الآمن والفاعل في المجال العام.
حجم الضغوط اليومية
تكشف شهادات نساء يعملن في هذا القطاع عن حجم الضغوط اليومية التي يواجهنها، بدءاً من التشكيك في نواياهن وسمعتهن، مروراً بالمنع المباشر من قبل الأسرة، وصولاً إلى التهديد والابتزاز الاجتماعي، ما يحوّل استمرارهن في العمل إلى مواجهة مفتوحة مع المجتمع المحيط، ومع منظومة تفرض عليهن الاختيار القسري بين الواجب الإنساني والقبول الاجتماعي.
وتؤكد الفنانة التشكيلية باسكال الهمداني أن المجتمع اليمني يلاحق المرأة العاملة بنظرة قاسية، ولا سيما تلك التي تعمل مع المنظمات الإنسانية، موضحة أن “الكثير من الأهالي يمنعون بناتهم من العمل بسبب أفكار نمطية تربط مشاركتهن بالانحراف أو السلوكيات غير الأخلاقية”.
وتدعو باسكال الأسر إلى تمكين بناتها من خلال تأمين بيئة عمل آمنة ومستقلة تحمي خصوصيتهن وتحفظ كرامتهن، معتبرة أن الثقة والدعم هما الخطوة الأولى لكسر القيود المجتمعية.
المنظمات والانحراف الأخلاقي
توضح الناشطة المجتمعية نعمة الله محمد جار الله أن شخصية المرأة وأخلاقها هي المحدد الحقيقي لسلوكها، وليس طبيعة العمل أو المؤسسة التي تنتمي إليها.
وتشير إلى أن الربط بين العمل في المنظمات والانحراف الأخلاقي هو ربط خاطئ ومجحف، يتنافى مع الواقع الذي أثبتت فيه النساء قدرتهن على الالتزام والمسؤولية والمهنية، خاصة في زمن الحرب والكارثة الإنسانية.
وتبرز نعمة الله الدور الحيوي للمرأة خلال سنوات الحرب، حيث شكّلت النساء خط الدفاع الأول لمساندة مجتمعاتهن، وأسهمن في إيصال المساعدات، وتنظيم أنشطة الدعم النفسي والاجتماعي، والمشاركة في مبادرات الإغاثة المحلية.
وترى أن المرأة اليمنية “أقوى مما يُتصوّر”؛ لأنها تدير شؤون منزلها وتتحمل أعباء العمل الخارجي في الوقت ذاته، في ظل ظروف قاسية وضغوط مضاعفة.
أنشطة الاستجابة الإنسانية
تشير تقارير حقوقية وتنموية إلى أن النساء مثّلن ما يقارب 80% من المستجيبين الأوائل في أنشطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، ما يعكس دورهن المحوري في خطوط المواجهة الأولى مع الأزمات.
كما ارتفعت نسبة مشاركتهن في البرامج التدريبية المتخصصة إلى نحو 56% بعد تطبيق آليات تدريب وتمكين لامركزية، وهو ما أسهم في تعزيز مهاراتهن القيادية والتنظيمية.
وتؤكد هذه الأرقام التحوّل النوعي في دور المرأة اليمنية، حيث لم تعد مجرد متلقٍ للمساعدات، بل أصبحت فاعلة أساسية في تصميم وتنفيذ وتقييم البرامج الإنسانية والتنموية، فضلاً على مشاركتها المتزايدة في مبادرات السلام وتعزيز التماسك المجتمعي، رغم القيود الاجتماعية المفروضة عليها في بعض المناطق.
حماية المرأة من التمييز
تطالب منظمات حقوق الإنسان والجهات المحلية والدولية بضرورة حماية المرأة العاملة في المجال الإنساني من التمييز والعنف الاجتماعي، وضمان حقها في العمل الآمن والكريم، وفقاً للمواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
كما تدعو إلى إطلاق حملات توعية مجتمعية لتغيير الصور النمطية، وتعزيز بيئة اجتماعية تحترم دور المرأة ودعمها بوصفها شريكاً أساسياً في بناء السلام وإعادة الإعمار.











