"تمرد البلديات".. 130 بلدية سويدية ترفض خطة الحكومة ضد المهاجرين
"تمرد البلديات".. 130 بلدية سويدية ترفض خطة الحكومة ضد المهاجرين
تواجه الحكومة السويدية واحدة من أعنف موجات الرفض الداخلي منذ سنوات، بعد أن قررت أكثر من 130 بلدية الامتناع عن المشاركة في برنامج حكومي جديد يهدف إلى تشجيع المهاجرين على مغادرة البلاد مقابل حوافز مالية كبيرة، وقد كشف هذا التمرد المحلي غير المسبوق عن انقسام عميق داخل المجتمع السويدي بشأن سياسات الهجرة والاندماج، وأثار نقاشا واسعا حول مستقبل سوق العمل وحقوق المقيمين من أصول أجنبية.
تقول البلديات الرافضة إن البرنامج الجديد يتعارض مع مبادئ الاندماج التي بُني عليها المجتمع السويدي لعقود، وإنه يرسل رسالة خاطئة للمقيمين الذين اعتبروا السويد وطنا لهم وفق ما أوردته شبكة "مهاجر نيوز" الأربعاء.
ويؤكد مسؤولون محليون أن الحكومة تحاول تحويل البلديات إلى أدوات تنفيذية لسياسات يعتبرونها عقابية وغير عملية، بينما تواجه المناطق المحلية بالفعل ضغوطا اقتصادية واجتماعية متزايدة.
وبرزت بلدية يوكموك الصغيرة في أقصى الشمال بوصفها نقطة الانطلاق لهذا الرفض، فالبلدة التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف نسمة، والواقعة في قلب الدائرة القطبية، أعلنت بشكل واضح أنها لن تتعاون في تنفيذ البرنامج الجديد، وسرعان ما انتقل موقفها إلى عشرات البلديات الأخرى، ليتحول إلى حركة احتجاج واسعة امتدت من الشمال الثلجي إلى مدينة مالمو جنوبا.
رفض العودة الطوعية
مع حلول السادس من نوفمبر كان أكثر من 130 مجلسا بلديا قد أعلن رسميا رفض التعاون مع المنسقة الوطنية المكلّفة بتنفيذ برنامج العودة الطوعية، والتي عيّنها الائتلاف الحاكم بقيادة أحزاب اليمين واليمين المتطرف.
ويعد هذا المستوى من العصيان الإداري سابقة نادرة في السويد، المعروفة بتقليدها الطويل في احترام القرارات الحكومية والعمل التكاملي بين المستويات المحلية والمركزية.
وترى البلديات أن الخطة الجديدة تتجاهل الاختلاف الكبير بين المناطق السويدية في احتياجاتها الاقتصادية والديموغرافية، فبينما تعاني بعض المدن من نقص في الأيدي العاملة، تحتاج مناطق أخرى إلى المزيد من السكان للحفاظ على استدامة خدماتها الأساسية، خاصة في الشمال حيث تنخفض معدلات الولادة وتزداد معدلات الهجرة الداخلية نحو المدن الكبرى.
سياسة مثيرة للجدل
منذ أن وصل اليمين واليمين المتطرف إلى السلطة في خريف عام 2022، أصبح ملف الهجرة أولوية أولى في برنامج الحكومة السويدية، وقد تعهد الائتلاف منذ البداية بإعادة تشكيل السياسة السويدية التقليدية المعروفة بانفتاحها النسبي، واتجه نحو تشديد قوانين اللجوء وزيادة عمليات الترحيل القسري لطالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم.
لكن التحول الأبرز جاء في محاولة الحكومة توسيع نطاق ما تسميه العودة الطوعية، بحيث يشمل المهاجرين المقيمين بشكل قانوني ممن لم يندمجوا كما تقول الحكومة في المجتمع السويدي، أو ممن يرغبون في العودة إلى دولهم الأصلية مقابل مساعدات مالية ضخمة.
وفي خطوة وُصفت بأنها الأكبر من نوعها في تاريخ السويد، أعلنت الحكومة في نهاية أكتوبر 2026 رفع المساعدات المالية المخصصة للراغبين في العودة من عشرة آلاف كرونة، أي ما يعادل 900 يورو، إلى 350 ألف كرونة للفرد الواحد ابتداء من يناير 2026، وهو ما يقارب 32 ألف يورو، وبررت الحكومة هذه القفزة الهائلة في الدعم بأن الهدف هو منح فرصة جديدة لمن يشعرون بأنهم غير قادرين على الاندماج.
وقال وزير الهجرة يوهان فورسيل إن هذه المساعدات موجهة للأشخاص الذين يعيشون في البلاد دون الشعور بالانتماء أو الارتياح، وأكد أن الخطة تمنحهم إمكانية البدء من جديد في بلدانهم الأصلية بدعم مالي يكفي لإعادة بناء حياتهم.
غير أن البلديات المنتقدة ترى أن هذا الطرح يتناقض مع السياسة السويدية التقليدية القائمة على بناء مجتمع متعدد الثقافات.
ويقول مسؤولو بلديات إن الحكومة تمنح الأولوية للرحيل بدلا من دعم الاندماج، وإنها تتجاهل العوامل الاقتصادية التي تجعل العمال المهاجرين جزءا أساسيا من قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والخدمات والنقل.
تحذيرات من نتائج معقدة
الدراسة الرسمية التي طلبتها الحكومة نفسها في صيف 2024 جاءت أقل حماسا للخطة، إذ حذرت من نتائج عكسية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. فقد خلصت الدراسة إلى أن الحوافز المالية قد لا تشجع على العودة بمقدار ما قد تشجع على سوء استخدام النظام، كما قد تؤدي إلى خسارة كفاءات وعمالة ضرورية في عدد من المناطق.
وتشير الدراسة إلى أن البرامج المشابهة التي تم تطبيقها في أوروبا قبل سنوات لم تحقق الأثر المتوقع، وأن نسبة العائدين فعليا بقيت محدودة مقارنة بحجم الأموال التي صُرفت. وأوصت الدراسة بضرورة التركيز على برامج الاندماج وتعزيز قدرات البلديات بدلا من الضغط عليها للتخلي عن مقيمين تحتاج إليهم بالفعل.
وتشدد البلديات الرافضة على أنها ليست ضد تنظيم الهجرة في السويد، لكنها تعارض ما تعتبره رؤية ضيقة للمشكلة، ويؤكد رؤساء البلديات أن البرنامج الحكومي يفرض عليهم إجراءات لا تتناسب مع واقعهم المحلي، خاصة أن العديد منهم يعاني من نقص العمالة ومن الحاجة إلى العمال المهاجرين لتشغيل المدارس ودور الرعاية والمشاريع البلدية.
كما ترى البلديات أن الحكومة تحاول تحميلها مسؤولية سياسية لا تخصها، إذ تريد الدولة من السلطات المحلية إقناع المهاجرين بالعودة، أو على الأقل تسهيل خروجهم، وهو ما تعتبره البلديات دورا لا ينسجم مع مهامها.
تزايد التوتر مع الحكومة
من جانبها، تصر الحكومة على أن البلديات ملزمة قانونيا بتنفيذ سياساتها، وأن البرنامج الجديد يهدف إلى تخفيف الضغوط على الخدمات العامة وتقليل عدد الأشخاص العاطلين أو غير المنسجمين مع المجتمع السويدي، لكن هذا الخطاب لم ينجح حتى الآن في تهدئة الغضب المحلي، الذي يتسع أسبوعا بعد أسبوع ويشكل تحديا سياسيا حقيقيا للحكومة.
وبينما تحاول المنسقة الوطنية المكلفة بالخطة إجراء جولات ميدانية ولقاءات مع البلديات، لا تزال مواقف المجالس المحلية ثابتة وقاطعة، بل إن بعض البلديات هددت برفع دعاوى قضائية ضد الحكومة إذا حاولت فرض البرنامج عليها بالقوة.
أعادت سياسات الحكومة الجديدة فتح النقاش الكبير حول مستقبل السويد كدولة هجرة؛ فمنذ ستينيات القرن الماضي استقبلت السويد مئات الآلاف من العمال واللاجئين، واعتمد اقتصادها بشكل ملحوظ على القوى العاملة القادمة من الخارج، ومع تراجع معدلات الولادة وارتفاع متوسط الأعمار، ازدادت أهمية المهاجرين في القطاعات الصحية والخدمية، لكن صعود الأحزاب اليمينية المتشددة وتزايد المخاوف المرتبطة بالأمن والرفاه الاجتماعي دفعا نحو تغيير جذري في مقاربة الدولة للهجرة، وتصدر السويد اليوم مشهد الجدل الأوروبي حول الموازنة بين الاندماج والقيود، بين الحاجة الاقتصادية والخطاب الشعبوي، وبين دور الدولة المركزي واستقلال البلديات.










