أول احتفال سوري بيوم حقوق الإنسان يعكس إرادة رسمية للتغيير ومساراً جديداً للمساءلة
أول احتفال سوري بيوم حقوق الإنسان يعكس إرادة رسمية للتغيير ومساراً جديداً للمساءلة
تستعد سوريا وللمرة الأولى للاحتفال باليوم الدولي لحقوق الإنسان داخل أراضيها في خطوة تصفها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأنها بداية فصل جديد في علاقة المفوضية مع السلطات السورية.
ويعكس هذا التطور تحولاً يحمل الكثير من الأمل الحذر لملايين السوريين الذين عاشوا عقوداً من الانتهاكات والصراع.
ومنذ مرور عام على سقوط النظام السابق بدأت ملامح التغيير بالظهور، وفق ما صرح به محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مفوضية حقوق الإنسان، في حوار نشره المركز الإعلامي للأمم المتحدة الأربعاء، موضحاً أن زيارات المفوضية إلى دمشق تكشف تطوراً ملموساً في الوضع العام.
نقطة تحول داخل دمشق
بعد سنوات طويلة من عمل المفوضية انطلاقاً من بيروت نتيجة منعها من دخول سوريا، بات للمفوضية اليوم فريق دائم داخل دمشق، ويعد النسور هذا الوجود خطوة جوهرية تتيح مراقبة الأوضاع من قرب والتواصل المباشر مع مؤسسات الدولة.
لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة تشمل إعادة بناء بلد أنهكته الحرب وتحقيق العدالة للانتهاكات المتراكمة وضمان الأمن في مناطق مثل شمال شرق سوريا والسويداء وبعض مناطق الساحل، ويقر النسور بوجود أخطار أمنية واضحة، لكنه يؤكد أن الاتجاه العام بات أكثر إيجابية مقارنة بالسنوات الماضية.
يشير النسور إلى وجود إرادة سياسية لتحسين واقع حقوق الإنسان في البلاد، وهو ما تعكسه اللقاءات اليومية والتعاون الفني الذي تقدمه المفوضية للحكومة في مجالات إصلاح التشريعات وتعزيز قدرات مؤسسات تنفيذ القانون وتحسين الإدارة العامة، ويرى أن وجود مكتب داخل سوريا يتيح دوراً استشارياً مهماً للمفوضية يقوم على رصد الانتهاكات والتنبيه إليها بهدف منع وقوعها وليس توجيه الاتهامات.
احتفال يحمل دلالات واسعة
تجري الاستعدادات لإحياء أول احتفال رسمي بيوم حقوق الإنسان الدولي في العاشر من ديسمبر، بعد يومين من إحياء مرور عام على سقوط النظام السابق، وينظم الحدث بالتعاون بين المفوضية ووزارة الخارجية السورية تحت شعار يركز على نهج حقوق الإنسان في إعادة الإعمار. ويعتبر النسور أن الاحتفال سيفتح فصلاً جديداً في التعاون مع الحكومة وسيوجه النقاش نحو كيفية تعزيز أجندة حقوق الإنسان في سوريا الجديدة.
تبقى المساءلة مطلباً محورياً للسوريين، وبعد أحداث العنف التي شهدتها بعض مناطق الساحل في مارس الماضي، أنشأت السلطات لجنة تحقيق وطنية استعانت باستشارات فنية من المفوضية، وأحيل بعض المتورطين إلى محكمة وطنية، كما وافقت الحكومة على تجديد ولاية لجنة التحقيق الدولية، ما يسمح باستمرار التحقيقات في الانتهاكات التي ارتكبت قبل وبعد سقوط النظام السابق.
ويوضح النسور أن العدالة الانتقالية ستكون إحدى الأولويات البارزة لعام 2026، ومنها كشف الحقيقة وتعويض المتضررين والمضي نحو المصالحة الوطنية.
تمكين النساء والشباب
تعمل المفوضية على دعم منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء وتشجيع زيادة تمثيل المرأة في الحياة السياسية، خاصة بعد تراجع حضورها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ويؤكد النسور أن السلطات باتت أكثر تقبلاً لهذه المطالب، كما تدعم المفوضية تدريب هذه المنظمات على آليات المناصرة وربطها بمنظومة حقوق الإنسان الدولية.
ويرى النسور أن أكبر مصدر للأمل في سوريا هو شعبها، وبشكل خاص الجيل الشاب المتعلم والمبادر الذي يقود مبادرات مجتمعية صغيرة تعيد بناء الروح العامة وتدفع البلاد باتجاه مستقبل مختلف.
ورغم التحديات المالية، تتوقع المفوضية زيادة الدعم المخصص لبرامجها في سوريا بعد مؤشرات إيجابية من الجهات المانحة داخل المنطقة وخارجها، ويعكس ذلك اهتماماً متنامياً بتعزيز مسار حقوق الإنسان في البلاد.
مع استعداد السوريين لإحياء يوم حقوق الإنسان داخل بلادهم للمرة الأولى، تتبلور رسالة أساسية تقول إن التقدم وإن كان هشّاً فإنه بات ملموساً، وإن نافذة الأمل التي طال انتظارها بدأت تنفتح أخيراً أمام مجتمع يسعى إلى البناء على أسس قائمة على الحقوق والعدالة.
انتهاكات حقوقية واسعة
شهدت سوريا خلال العقود الماضية انتهاكات حقوقية واسعة النطاق وقيوداً محكمة على نشاط المنظمات الدولية، كما مُنعت معظم هيئات الأمم المتحدة من العمل داخل البلاد، ومع تصاعد الحرب التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، أصبحت سوريا إحدى أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً في العالم.
ومنذ التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد قبل عام، بدأت مسارات جديدة للتواصل الدولي وبرزت محاولات لإرساء خطوات عملية نحو تحسين واقع الحقوق الأساسية، لكن الطريق لا يزال طويلاً ومعقداً وسط تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية عميقة الجذور.
يوافق اليوم الدولي لحقوق الإنسان العاشر من ديسمبر من كل عام، وهو مناسبة عالمية تحتفي فيها الأمم والشعوب بالمبادئ الأساسية التي تكفل الكرامة والحرية والعدالة للجميع، ويعود اختيار هذا اليوم إلى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي شكّل أول تعهد دولي جماعي لصون حقوق الإنسان دون تمييز.
ويعد هذا اليوم محطة سنوية لإعادة تأكيد ضرورة حماية الحقوق الأساسية وتعزيزها، وتسليط الضوء على الانتهاكات والتحديات التي ما زالت تواجه الأفراد في شتى أنحاء العالم، إلى جانب تشجيع الحكومات والمجتمعات على اتخاذ خطوات عملية لترسيخ ثقافة تحترم الإنسان وتضمن له حياة آمنة وعادلة.











