خفض مدد تصاريح العمل يشعل مخاوف اللاجئين وطالبي اللجوء في الولايات المتحدة
خفض مدد تصاريح العمل يشعل مخاوف اللاجئين وطالبي اللجوء في الولايات المتحدة
أثار القرار الأخير الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، بخفض مدة صلاحية تصاريح العمل الممنوحة للاجئين وطالبي اللجوء من خمس سنوات إلى ثمانية عشر شهراً موجة واسعة من القلق داخل المجتمعات المهاجرة وفي أوساط المنظمات الحقوقية المهتمة بشؤون الهجرة.
ويعد هذا الإجراء أحد أكثر الخطوات صدى في سلسلة من السياسات التي تتخذها الإدارة الأمريكية على نحو متسارع بهدف إعادة تشكيل منظومة الهجرة واللجوء في الولايات المتحدة بصورة أكثر تشدداً خلال المرحلة الحالية، بحسب فرانس برس، ويأتي هذا التغيير في وقت حساس سياسياً واجتماعياً إذ تتصاعد فيه المخاوف من أن يؤدي تضييق المساحات القانونية المتاحة للاجئين إلى تفاقم أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وزيادة حالات عدم اليقين بشأن مستقبلهم داخل الولايات المتحدة.
تداعيات حادث واشنطن
بدأ الجدل يتصاعد بعد إعلان وكالة خدمات المواطنة والهجرة أن القرار يستند إلى حاجة ملحة لإجراء مراجعات أمنية أكثر تكراراً للمهاجرين الذين يحصلون على حق العمل، وارتبط القرار مباشرة بحادثة إطلاق نار نفذها رجل أفغاني ضد اثنين من عناصر الحرس الوطني في واشنطن قبل أيام قليلة. وعلى الرغم من أن الحادثة قيد التحقيق ولم تتضح بعد تفاصيلها الكاملة فإن الإدارة الأمريكية سارعت إلى توظيفها بوصفها دليلاً على ما تراه ثغرات محتملة في سياسات إعادة التوطين والفحص الأمني، وقد أشار مدير الوكالة جوزيف إدلو إلى أن تقليص مدة التصاريح يتيح للحكومة مراجعة أوضاع المهاجرين بشكل دوري للتأكد من عدم تحول أي منهم إلى مصدر تهديد محتمل.
تثير هذه المبررات حفيظة قطاعات واسعة من الخبراء والباحثين في شؤون الهجرة الذين يرون أن ربط السياسات العامة بحوادث فردية يحمل مخاطر كبيرة على استقلالية وموضوعية القرارات الحكومية، ويرى عدد من المتخصصين أن تقصير مدة تصاريح العمل لا يعالج جذور التحديات الأمنية التي تتطلب تطوير آليات الفحص والتدقيق عند استقبال الوافدين الجدد بل يضع عبئاً إضافياً على اللاجئين الذين يحتاجون إلى فترات استقرار طولى لبناء حياة مستقرة في بلد جديد، كما تشير منظمات حقوقية إلى أن الإجراء قد يؤدي إلى ارتفاع حالات البطالة داخل المجتمعات اللاجئة بسبب اضطرار أصحاب العمل إلى مراجعة أوضاع موظفيهم بشكل متكرر أو التردد في توظيفهم من الأساس.
فئات حساسة
المتضررون من القرار هم فئات حساسة تعتمد على تصاريح العمل بوصفها شريان الاستقرار الأول، فاللاجئون القادمون من مناطق الصراع غالباً ما يصلون إلى الولايات المتحدة دون ممتلكات أو موارد مالية كافية ويعتمدون على العمل في أسرع وقت ممكن لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وفي ظل النظام السابق كانت تصاريح العمل صالحة لمدة خمس سنوات ما يمنحهم قدراً معقولاً من الاستقرار المهني ويتيح لهم التفرغ لترتيب أوضاعهم القانونية والتعليمية والاجتماعية، أما الآن فتقليص الصلاحية إلى ثمانية عشر شهراً يفرض واقعاً جديداً يضطر فيه اللاجئ إلى تجديد الوثيقة بشكل متكرر وسط إجراءات بيروقراطية معقدة قد تعطل حصوله على فرص عمل أو تبقيه في حالة انتظار لأشهر.
وتزداد حدة المشكلة لدى طالبي اللجوء الذين لم يحصلوا بعد على قرار نهائي بشأن طلباتهم، فهؤلاء يعتمدون على تصاريح العمل المؤقتة لتأمين دخل يساعدهم على تحمل تكاليف المعيشة خلال الفترة التي ينظر فيها طلبهم أمام المحاكم أو السلطات المختصة، ومع أن إجراءات البت في الطلبات قد تستغرق سنوات، فإن التصاريح القصيرة قد تبقيهم في دوامة من عدم الاستقرار المهني وتعرضهم لخطر فقدان وظائفهم في حال تأخر إصدار تجديد التصريح، ويشير العاملون في مجال دعم اللاجئين إلى أن هذه الظروف تشكل ضغطاً نفسياً ومالياً كبيراً على العائلات التي تعيش أساساً في أوضاع هشّة.
ضرورات أمنية
من الناحية القانونية يعد قرار خفض مدة التعويضات جزءاً من توجه أوسع لإعادة صياغة القواعد التنظيمية المرتبطة بالهجرة، فقد اتخذت الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية خطوات عدة، منها تعليق طلبات الهجرة لمواطني تسع عشرة دولة والتحفظ على منح الإقامة الدائمة أو الجنسية للأشخاص القادمين من هذه البلدان، وعادة ما تتركز هذه الإجراءات على دول تمر بأزمات سياسية وأمنية مثل أفغانستان واليمن والسودان والصومال إضافة إلى بلدان أخرى تشهد اضطرابات داخلية، ومن وجهة نظر الإدارة فإن هذه السياسات ضرورية لتعزيز أمن الحدود وضمان عدم إساءة استخدام برامج الحماية الإنسانية.
ويرى نقاد هذه الخطوات أن الإدارة تستخدم لغة سياسية مشحونة تستهدف المهاجرين وتصورهم على أنهم مصدر تهديد دائم بدلاً من الاعتراف بدورهم الإيجابي في المجتمع الأمريكي، ويعد اللاجئون وطالبو اللجوء من المجموعات التي أسهمت عبر عقود في دعم قطاعات اقتصادية عدة، كما اندمج كثير منهم في الحياة الثقافية والاجتماعية وأسهموا في إثراء التنوع داخل الولايات المتحدة، وتشير دراسات اقتصادية إلى أن اللاجئين يبدؤون غالباً ببناء أعمال صغيرة ويشاركون في برامج تعليمية ومهنية تعود فوائدها على الاقتصاد المحلي، ورغم أن عملية الاندماج قد تستغرق وقتاً، فإن تأثيرها في المجتمع غالباً ما يكون إيجابياً على المدى الطويل.
التحولات المتسارعة في سياسات الهجرة
على الجانب الإنساني يشعر كثير من اللاجئين بالقلق من أن التحولات المتسارعة في سياسات الهجرة قد تعرقل خططهم المستقبلية، ويعيش عدد كبير من هؤلاء في مجتمعات تشهد بالفعل تحديات معيشية صعبة تتعلق بالسكن والعمل وتعليم الأطفال، وتحتاج العائلات إلى فترة زمنية كافية للاستقرار وانخراط الأطفال في المدارس وللبحث عن عمل مناسب وتعلم اللغة ومتابعة المسارات القانونية اللازمة للحصول على وضع دائم، وكل هذه الجوانب تصبح أكثر تعقيداً عندما تكون التصاريح قصيرة الأمد وتتطلب تجديداً مستمراً قد يشغل الأسر عن التكيف مع حياتها الجديدة.
وتعبر المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال دعم اللاجئين عن خشيتها أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة الأعباء على البرامج المجتمعية التي تقدم خدمات التوظيف والمساعدة القانونية، ففي كل مرة يحتاج فيها اللاجئ إلى تجديد التصريح يجب عليه جمع مستندات جديدة والحصول على مواعيد رسمية وربما مواجهة فترات انتظار طويلة، وهو ما يتطلب دعماً إضافياً من مراكز المساعدة، وترى هذه المنظمات أن تحسين إجراءات الفحص الأمني لا يتعارض مع ضمان استقرار اللاجئين بل يمكن تحقيق الأمرين عبر تعزيز قدرات الوكالات الحكومية وليس عبر تقليص المدة الزمنية التي يتمتع فيها اللاجئ بحق العمل.
ورغم الانتقادات فإن الإدارة الأمريكية تبدو ماضية في توجهها نحو تشديد سياسات الهجرة، ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوات تأتي في سياق سياسي داخلي يشهد تنافساً محتدماً وتزايداً في الاهتمام الشعبي بقضايا الأمن والهوية، ومن المتوقع أن تستمر هذه القضية في إثارة نقاش واسع داخل الأوساط القانونية والحقوقية وربما داخل الكونغرس نفسه، كما أنها قد تؤثر في مواقف الناخبين في ظل جدل متصاعد حول الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة في استقبال اللاجئين ومساعدة الفارين من الحروب والكوارث.
بدأت الولايات المتحدة تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في إطار برامج إنسانية تهدف إلى منح الحماية للأشخاص الفارين من الاضطهاد والصراع. وتتمتع برامج إعادة التوطين الأمريكية بنظام فحص أمني متعدد المراحل يشمل تدقيقاً في سجلات الوافدين وخضوعهم لمقابلات أمنية وفحوصات بيومترية، وخلال العقدين الماضيين جاء عدد كبير من اللاجئين من دول مثل العراق وأفغانستان وسوريا والصومال نتيجة موجات النزاعات الإقليمية. ويعد تصريح العمل واحداً من أهم الوثائق التي يعتمد عليها اللاجئ؛ لأنه يتيح له الاندماج اقتصادياً في حين يستكمل مساره القانوني للحصول على وضع دائم، ومع أن سياسات الهجرة شهدت تغيرات مختلفة من إدارة إلى أخرى فإن الاتجاه الحالي نحو تقليص المدد الزمنية للتصاريح يمثل تحولاً كبيراً قد يعيد صياغة علاقة المهاجرين بالدولة ويضع تحديات جديدة أمام المجتمعات التي تستقبلهم.











