خبراء أمميون يتهمون الجيش الرواندي بارتكاب انتهاكات في شرق الكونغو الديمقراطية
خبراء أمميون يتهمون الجيش الرواندي بارتكاب انتهاكات في شرق الكونغو الديمقراطية
كشف خبراء مكلفون من الأمم المتحدة، اليوم الأحد، عن تورّط مباشر للجيش الرواندي ومقاتلي حركة “إم 23” في تنفيذ عمليات إعدام ميدانية وتهجير قسري واسع بحق مدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، في أحدث تقرير يسلّط الضوء على واحدة من أكثر بؤر النزاع دموية في القارة الأفريقية منذ عقود.
وأوضح الخبراء أن هذه الانتهاكات لم تأتِ بشكل عشوائي، بل نُفذت وفق نمط ممنهج استهدف مجتمعات محددة ومناطق بعينها في إقليمي شمال كيفو وجنوب كيفو، ما أدّى إلى موجات نزوح جماعي طالت آلاف الأسر التي فقدت منازلها ومصادر رزقها في وقت قصير، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وأفاد التقرير بأن النسخة الكاملة من التقرير نصف السنوي للفريق المكلّف من مجلس الأمن الدولي ستُنشر خلال الأيام المقبلة، وسط ترقّب واسع لما سيحمله من تفاصيل إضافية.
ويأتي ذلك بعد أيام فقط من توقيع جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا اتفاقًا في واشنطن، يوم الخميس الماضي، تعهّد فيه الطرفان بالعمل على تهدئة الأوضاع وإنهاء الصراع المتصاعد في شرق البلاد، في خطوة اعتُبرت دوليًا محاولة متأخّرة لاحتواء أزمة انفجرت من جديد بعد شهور من التوتر العسكري المتزايد.
تاريخ دموي طويل
يشهد شرق الكونغو، الغني بالمعادن النادرة مثل الكوبالت والذهب والألماس، نزاعات مسلحة متواصلة منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، تغذّيها المصالح الاقتصادية والتدخلات الإقليمية والصراعات العرقية.
وتصاعدت حدة العنف بشكل غير مسبوق بعدما سيطر مقاتلو حركة “إم 23” على مدينتي غوما وبوكافو بين شهري يناير وفبراير من العام الجاري، ما أدى إلى انهيار المنظومة الأمنية في تلك المناطق وتعرض السكان لسلسلة من الانتهاكات، شملت القتل والخطف والتشريد ونهب الممتلكات.
وأكدت الأمم المتحدة، في أكثر من بيان سابق، أن حركة “إم 23” تحظى بدعم مباشر من رواندا، رغم النفي المتكرر من جانب كيغالي لأي علاقة لها بالجماعة المسلحة.
جرائم موثقة
اتهمت الأمم المتحدة، في بداية أغسطس الماضي، حركة “إم 23” بالمسؤولية عن مقتل ما لا يقل عن 319 مدنيًا في إقليم شمال كيفو، في هجمات وقعت بشكل شبه يومي في المناطق الحدودية القريبة من رواندا ومحيط محمية فيرونغا الوطنية الشهيرة.
وبيّن التقرير الأخير أن القوات الرواندية شاركت بشكل مباشر في هذه الجرائم، سواء عبر الدعم اللوجستي أو القتال الميداني أو تنفيذ عمليات الاعتقال والإعدام خارج نطاق القانون.
وأشار الخبراء إلى أن العمليات استهدفت على وجه الخصوص عناصر ما يُعرف بـ”القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، وهي جماعة مسلحة تتكون في أغلبها من أفراد ينتمون إلى عرقية الهوتو، بعض قادتها متورطون تاريخيًا في الإبادة الجماعية ضد التوتسي عام 1994، الأمر الذي يمنح الصراع أبعادًا تاريخية وإثنية شديدة الحساسية.
تدمير ممنهج
أوضح التقرير أن مقاتلي “إم 23” والجنود الروانديين تورّطوا في عمليات حرق ونهب منظمة لمنازل المدنيين الذين يُعتقد بانتمائهم أو قربهم من القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، ما يشير إلى وجود سياسة “عقاب جماعي” تقوم على الاستهداف العرقي والجغرافي.
وأكد الخبراء أن نمط الاستهداف كان “متعمدًا ومنهجيًا”، وطال مدنيين أبرياء لا علاقة لهم بأي أعمال قتالية، الأمر الذي يرتقي إلى مستوى جرائم حرب وفق القانون الدولي.
وقدّر فريق الخبراء عدد الجنود الروانديين المتورطين في العمليات بما لا يقل عن 6 إلى 7 آلاف عنصر، أي ما يعادل لواءين عسكريين وكتيبتين من القوات الخاصة، مشيرًا إلى أنهم ما زالوا ينتشرون حتى الآن في مناطق استراتيجية داخل إقليمي شمال وجنوب كيفو.
ويرى مراقبون أن هذا الانتشار يعزز فرضية التدخل المباشر في الصراع، وليس مجرد تقديم الدعم غير المباشر كما تدّعي كيغالي.
إنكار مستمر
تواصل رواندا وحركة “إم 23” نفي أي علاقة بينهما، إلا أن فريق خبراء الأمم المتحدة شدد على وجود أدلة متعددة، بينها صور أقمار صناعية وشهادات ميدانية ووثائق لوجستية، تؤكد الدور الرواندي في تأجيج الصراع والسيطرة على مواقع استراتيجية، وفي مقدمتها مدينة غوما التي تُعد عاصمة إقليم شمال كيفو ومركزًا اقتصاديًا بالغ الأهمية.
كما وصف التقرير حركة “إم 23”، التي تعلن صراحة رغبتها في إسقاط نظام الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، بأنها “الفاعل الرئيسي” في أغلب انتهاكات حقوق الإنسان التي وثّقتها الأمم المتحدة بين شهري أبريل وأكتوبر، محمّلًا إياها المسؤولية عن نحو 45% من عمليات الإعدام الميدانية في البلاد خلال تلك الفترة، إضافة إلى تنفيذ حملة تجنيد قسري ممنهجة في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن الحكومة الكونغولية، رغم تعهداتها الدولية، واصلت بشكل غير مباشر التعاون مع بعض الجماعات المسلحة، ومنها “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، وهو ما يتعارض مع بنود اتفاق واشنطن الذي نص على تحييد كافة المجموعات الأجنبية المسلحة من الأراضي الكونغولية.
وأكد الخبراء أن هذا التناقض بين الخطاب السياسي والواقع الميداني يعقّد المشهد، ويهدد أي فرصة حقيقية لتحقيق سلام دائم.
كارثة إنسانية متفاقمة
تُفاقم هذه الانتهاكات الوضع الإنساني في شرق الكونغو، حيث يعيش الملايين في مخيمات نزوح مكتظة، ويفتقرون إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم والأمن الغذائي.
وتحذر منظمات الإغاثة من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى واحدة من أكبر موجات النزوح في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، في منطقة تعاني أساسًا من هشاشة مزمنة وانعدام للاستقرار.











