منذ صعود بن غفير.. ارتفاع وفيات الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية
منذ صعود بن غفير.. ارتفاع وفيات الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية
تتعاظم المخاوف بشأن مصير الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية بعد تسجيل عدد غير مسبوق من الوفيات منذ تولي إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي أواخر عام 2022، وأعادت بيانات جديدة كشفت عنها مصادر إسرائيلية تسليط الضوء على ظروف احتجاز قاسية تتضمن التجويع وسوء الرعاية الطبية ومنع زيارات المنظمات الدولية.
وفي ظل هذا الواقع، تمضي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نحو إقرار تشريع يسمح بإعدام الأسرى الفلسطينيين خلال فترة قصيرة ودون حق الاستئناف.
منذ بداية عام 2023 وحتى نهاية يونيو 2025، توفي 110 أسرى فلسطينيين في ظروف وصفت بأنها الأسوأ منذ عقود، ونقل موقع واللا الإخباري، اليوم الاثنين، عن مصادر في مصلحة السجون الإسرائيلية أن معظم حالات الوفاة وقعت أثناء تلقي العلاج في المستشفيات، غير أن منظمات حقوق الإنسان تؤكد أن السبب الأساس هو الإهمال الطبي المتعمد وحرمان الأسرى من العلاج الحيوي، إضافة إلى سوء التغذية واكتظاظ الزنازين.
ارتفاع غير مسبوق
تشير البيانات التي حصل عليها موقع واللا إلى أن الوفيات التي سُجلت بين يناير 2023 ويونيو 2025 تفوق بكثير ما كان يحدث في العقود الماضية، حيث لم تتجاوز الوفيات بضع عشرات في السنوات السابقة بحسب تقديرات منظمات حقوقية.
ويعكس هذا التغير الكبير بحسب المراقبين النتائج المباشرة لسياسات تشديد العقاب التي تبناها بن غفير منذ توليه منصبه، وهي سياسات تقوم على تقليص الحد الأدنى من حقوق الأسرى إلى أدنى مستوى.
تحتجز إسرائيل حالياً أكثر من 9300 أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، يعيشون ظروفاً وصفتها مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية بأنها غير إنسانية، وتشمل التعذيب والتجويع والإهمال الطبي ومنع الزيارات العائلية.
تدهور الوضع الصحي
تقرير لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان كشف وفاة 46 فلسطينياً منذ بداية الحرب على غزة وحتى أغسطس 2025 في مرافق مصلحة السجون، بينهم من توفوا بعد نقلهم إلى المستشفيات بحالة حرجة.
وتشير بيانات المنظمة إلى وفاة 32 معتقلاً في 2023، و47 في 2024، و31 في الأشهر الأولى من 2025، وتكشف هذه الأرقام عن تسارع في وتيرة الوفيات مع اشتداد الاكتظاظ وتراجع جودة الغذاء وتراجع الرعاية الصحية داخل السجون.
وقالت المنظمة إن عدداً كبيراً من الأسرى فقدوا وزناً كبيراً بسبب تقليل كميات الطعام وحرمانهم من مصادر البروتين والخضروات، إضافة إلى تقليل فترات الاستحمام ومنع التعرض الكافي لأشعة الشمس، وهو ما يخلق بيئة خصبة للأمراض الجلدية والتنفسية.
ومنذ بدء الحرب، رفض بن غفير السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة الأسرى الفلسطينيين، وهو تقليد إنساني وقانوني معمول به منذ عقود، وهذا المنع أدى إلى غياب أي رقابة خارجية على أوضاع السجون، ما زاد من مخاوف العائلات والمنظمات الحقوقية بشأن مصير المحتجزين وظروف احتجازهم.
ويؤكد مراقبون أن نهج بن غفير يقوم على استخدام الملف الأمني لفرض رؤية سياسية متشددة تتعامل مع الأسرى باعتبارهم أعداءً دائمين، وليسوا محتجزين يخضعون لقوانين دولية تحكم المعاملة الإنسانية.
تشريع الإعدام.. تصعيد إضافي
في موازاة ذلك، تتجه لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي إلى إقرار مشروع قانون عقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين بالقراءتين الثانية والثالثة، هذا القانون ينص على الحكم بالإعدام بحق كل من يقتل يهودياً لمجرد كونه يهودياً، سواء في مرحلة التخطيط أو التنفيذ، دون إتاحة المجال للاستئناف أو تخفيف العقوبة. وينص المشروع على تنفيذ الحكم خلال 90 يوماً عبر الحقنة القاتلة.
ظهر بن غفير خلال إحدى جلسات اللجنة مرتدياً شارة عليها صورة حبل المشنقة، في إشارة إلى حماسه الشديد لتمرير القانون. وقد أثار هذا المشروع انتقادات واسعة من جهات فلسطينية ودولية اعتبرت أن القانون يخلق بيئة تحريضية قاسية ويشكل انتهاكاً خطِراً للقانون الدولي الإنساني.
المعطيات التي أوردها موقع واللا تشير إلى أن معظم الأسرى الفلسطينيين الذين توفوا خلال العامين الماضيين فارقوا الحياة أثناء وجودهم في المستشفيات وليس داخل مراكز الاحتجاز، إلا أن منظمات حقوقية تقول إن هذا لا يعكس تحسناً في ظروف الرعاية، بل يعكس تأخر نقل الأسرى للمستشفيات حتى فوات الأوان.
وتقول عائلات أسرى إن أبناءهم كانوا يصابون بأمراض خطيرة لكنهم لا يتلقون العلاج إلا في مراحل متأخرة بعد انهيار حالتهم الصحية، ما يجعل دخول المستشفى غير كافٍ لإنقاذهم، وبعض الوفيات سُجلت بعد ساعات قليلة من نقل المعتقل إلى المستشفى، ما يعزز فرضية الإهمال السابق الذي أدى إلى تردي حالتهم.
بيئة احتجاز قاسية
يعيش الأسرى في غرف مكتظة لا تتسع لعددهم، وتفتقر إلى التهوية والإضاءة المناسبة، وتراجعت الوجبات المقدمة لهم بشكل كبير، في حين تقلصت فترات الخروج للساحة، ما تسبب في أمراض عضلية وعظمية، كما أشارت تقارير حقوقية إلى استخدام العزل الانفرادي لفترات طويلة بصفته أداة عقابية، إضافة إلى تفشي الأمراض الجلدية بسبب سوء النظافة.
ويرى حقوقيون أن سياسة التجويع تعد أبرز أدوات العقاب الجماعي التي تستخدمها مصلحة السجون منذ تولي بن غفير منصبه، فقد تحددت كميات الطعام بشكل صارم، وغابت المكونات الأساسية، وزادت عمليات الحرمان من الشراء من المقصف، إضافة إلى تقليص المياه الساخنة وتقليل فترات الاستحمام إلى أدنى حد.
ورغم النداءات المستمرة من مؤسسات دولية، لم تُبدِ الحكومة الإسرائيلية أي استعداد للتراجع عن الإجراءات العقابية، وتحذر منظمات دولية من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى مزيد من الوفيات، خصوصاً مع ارتفاع أعداد المعتقلين خلال الحرب وغياب الرقابة.
الخوف الأكبر لدى العائلات هو عدم معرفة حقيقة ما يجري خلف الأسوار، ويُعد منع الزيارات ونقص المعلومات والصمت الرسمي عناصر تزيد من شعور الأسر بأن أبناءهم يواجهون خطراً حقيقياً قد يؤدي إلى موتهم دون أن يعرف أحد.
أكثر الملفات حساسية
تصنف قضية الأسرى الفلسطينيين واحدة من أكثر الملفات حساسية في المنطقة، حيث تحتجز إسرائيل آلاف الفلسطينيين منذ عقود، بينهم مئات المعتقلين الإداريين الذين لم توجه لهم تهم محددة.
وتزايدت أعداد المعتقلين بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث شنت القوات الإسرائيلية حملات اعتقال واسعة شملت الضفة الغربية وقطاع غزة، وتخضع إسرائيل لانتقادات مستمرة بسبب ظروف الاحتجاز التي تشمل التعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي.
منذ تولي إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي أواخر 2022، اتجهت الحكومة نحو مزيد من التشدد، ومنه تقليص حقوق الأسرى ومنع زيارات الصليب الأحمر وطرح مشروع قانون الإعدام.
وتشير منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية إلى أن ارتفاع وفيات الأسرى يعكس تحولاً خطراً في سياسات السجون، قد تكون له تبعات إنسانية وسياسية واسعة.











