عامٌ على رحيل الأسد.. سوريا بين الاحتفال بتغيير النظام وجراح العدالة المفتوحة (صور)

عامٌ على رحيل الأسد.. سوريا بين الاحتفال بتغيير النظام وجراح العدالة المفتوحة (صور)
احتفالات الشعب السوري بذكرى رحيل الأسد

تدفّق عشرات الآلاف من السوريين، اليوم الاثنين، إلى الساحات العامة في دمشق وحلب وحمص وحماة وإدلب، للاحتفال بمرور عام كامل على سقوط نظام بشار الأسد، الذي حكمت عائلته البلاد بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود، وفق ما رصدته وكالة فرانس برس.

ورُفعت أعلام سوريا الجديدة، وتعالت الهتافات والأهازيج في ساحة الأمويين، بينما انتشر عناصر الأمن بشكل كثيف، في محاولة لضبط المشهد الذي اختلطت فيه مشاعر الفرح بالخلاص، مع القلق من مستقبلٍ لم تتضح ملامحه بعد.

علا صوت التكبير من مآذن دمشق القديمة مع ساعات الفجر الأولى، قبل أن يتوجه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لأداء الصلاة في الجامع الأموي، ويوجّه رسالة دعا فيها السوريين إلى "توحيد الجهود من أجل بناء سوريا قوية، وترسيخ الاستقرار وصون السيادة".

وشدّد الشرع على أن حماية ما أسماه "النصر" مسؤولية جماعية، في بلدٍ دفع شعبه ثمناً مروعاً للحرب، تجاوز نصف مليون قتيل، وملايين المهجّرين والمعتقلين، وآلاف المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.

احتفالات الشعب السوري بذكرى رحيل الأسد

أسئلة إنسانية بلا إجابة

نجحت الإدارة الجديدة، بقيادة الشرع، في تحقيق اختراق خارجي تمثل في رفع جزء واسع من العقوبات الدولية، وشطب اسمه من قوائم الإرهاب الأميركية وقائمة مجلس الأمن، إضافة إلى توقيع اتفاقيات استثمار بمليارات الدولارات لإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، بحسب ما نقلته وكالة فرانس برس عن مصادر رسمية.

كما عاد أكثر من 1.2 مليون لاجئ إلى البلاد، فيما لا يزال قرابة 4.5 مليون لاجئ في الدول المجاورة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

لكن، ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، يعيش ملايين السوريين أوضاعاً إنسانية قاسية، فالمدن ما زالت مدمّرة، والخدمات الأساسية شبه منهارة، والكهرباء شحيحة، والرواتب متدنية، والأسعار مرتفعة بشكل خانق. 

يقول إياد برغل، وهو طبيب عيون في الأربعينيات من عمره: "ما جرى خلال سنة يشبه المعجزة، لكننا نريد كهرباء وخفضًا للأسعار وزيادة للرواتب.. والأهم هو ترسيخ السلم الأهلي".

هذا السلم الأهلي نفسه، الذي يشكّل جوهر أي عملية انتقال حقيقية، تعرض لهزّات عنيفة خلال الأشهر الماضية، في ظل تصاعد أعمال انتقامية طائفية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

احتفالات الشعب السوري بذكرى رحيل الأسد

جرائم ذاكرة دامية

أودت أعمال عنف دامية شاركت فيها قوات تابعة للجيش والأمن الجديد، بحسب تقارير ميدانية نقلتها فرانس برس، بحياة أكثر من 1700 شخص من أبناء الطائفة العلوية على الساحل في مارس، إضافة إلى أكثر من 2000 قتيل في محافظة السويداء في يوليو، بينهم 789 مدنياً درزياً.

وقد أعادت هذه المجازر فتح جراح الطائفية، وأثارت الذعر في أوساط الأقليات، وأحيت مخاوف من انتقال البلاد من استبداد سياسي إلى فوضى انتقامية.

وشددت منظمة العفو الدولية، في بيان صدر الاثنين، على "الضرورة الملحة لالتزام السلطات الجديدة بتحقيق العدالة والحقيقة وضمان حقوق الإنسان للجميع"، مؤكدة أن طريقة تعامل الحكومة مع هذه الانتهاكات ستكون اختباراً حقيقياً لمصداقيتها.

أما هيومن رايتس ووتش فاعتبرت أن الحكومة اتخذت "خطوات إيجابية باتجاه الشفافية والحقوق"، لكنها أخفقت في منع استمرار العنف وحماية المدنيين.

وفي موازاة ذلك، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن ما تواجهه سوريا يتجاوز مجرد انتقال سياسي، معتبراً الأمر "فرصة لإعادة بناء المجتمعات المدمرة، وشفاء الانقسامات العميقة، وبناء وطن يستطيع فيه كل سوري العيش بكرامة وأمان"، بحسب بيان رسمي نقلته وكالات الأنباء.

احتفالات الشعب السوري بذكرى رحيل الأسد

ملف المفقودين.. جرح لا يلتئم

يبقى ملف عشرات آلاف المفقودين والمعتقلين قسرياً من أثقل وأخطر ملفات ما بعد الأسد، فعلى الرغم من سقوط النظام، لم تحصل مئات آلاف العائلات حتى اليوم على أي معلومات حول مصير أبنائها. ولا تزال السجون السابقة، والمقابر الجماعية، والملفات الأمنية، شاهدةً على حقبة سوداء لم تُفتح كل أبوابها بعد.

وتؤكد منظمات حقوقية محلية أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكتمل من دون كشف مصير المفقودين، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، وإصلاح الأجهزة الأمنية من جذورها، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، ومن دون ذلك، يبقى الاحتفال ناقصاً، والجرح مفتوحاً، والعدالة مؤجلة.

ويواجه الشرع أيضاً تحديات خطيرة في الحفاظ على وحدة البلاد، ففي الجنوب ترتفع أصوات تطالب بالحكم الذاتي أو بالحماية الدولية، بينما تصرّ الإدارة الذاتية الكردية وقائد "قسد" مظلوم عبدي على بناء نظام لا مركزي ديمقراطي، بحسب تصريحات نُشرت على منصة إكس.

وفي الساحل، شهدت مدن مثل جبلة إضراباً واسعاً بعد دعوة رجل الدين العلوي غزال غزال إلى العصيان المدني، وفق ما أكده مراسل فرانس برس.

أما على الجبهة الخارجية فتواصل إسرائيل توغلها اليومي في العمق السوري، في محاولة لفرض منطقة منزوعة السلاح قرب دمشق، رغم جولات تفاوض مباشر بين الطرفين، وهو ما يُشكل تهديداً واضحاً للسيادة السورية الهشة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية