جراء الانفلات الأمني.. شيخ الطائفة الدرزية يطالب واشنطن بحماية الأقليات في سوريا

جراء الانفلات الأمني.. شيخ الطائفة الدرزية يطالب واشنطن بحماية الأقليات في سوريا
الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف

في وقت تتصاعد فيه مخاوف الأقليات في جنوب سوريا من عودة العنف والانفلات الأمني، وجّه الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف نداء مباشرا إلى الولايات المتحدة طالب فيه بتوفير الحماية للطائفة الدرزية في سوريا، محذراً من تكرار الأحداث الدامية التي شهدتها محافظة السويداء خلال يوليو الماضي.

وجاءت تصريحات طريف، بحسب ما أوردته وكالة رويترز اليوم الأربعاء، خلال زيارة رسمية إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف، حيث أكد أن واشنطن تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية لحماية حقوق الأقليات السورية من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي ومنع العودة إلى دائرة الدم.

وقال طريف، إن دعم الولايات المتحدة يمكن أن يشكل ضمانة حقيقية لسلامة طائفة الدروز وسائر الأقليات في سوريا، مؤكدا أن أي حماية دولية فعالة ستلغي الحاجة إلى تدخل إسرائيل في جنوب البلاد. 

اشتباكات بين الدروز والبدو

أوضح طريف أن ما شهدته السويداء من اشتباكات دامية بين الدروز والبدو يجب أن يكون جرس إنذار للمجتمع الدولي، خاصة أن المنطقة تعيش منذ سنوات على هامش الحرب السورية دون أن تحظى باهتمام كاف من القوى الكبرى أو منظمات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني.

واندلعت أعمال العنف في يوليو عقب سلسلة من عمليات الخطف المتبادل بين الدروز والبدو، قبل أن تتوسع المواجهات وتتحول إلى اشتباكات واسعة أسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين.. وتدخلت القوات الحكومية السورية في محاولة لوقف العنف، إلا أن ذلك أدى إلى مزيد من الاحتقان بعد ورود تقارير عن عمليات نهب وانتهاكات شملت إعدامات ميدانية.

ومع تصاعد الأزمة، طلب زعماء دروز من إسرائيل التدخل بهدف حماية السكان في القرى الدرزية المحاذية للحدود، وهو ما أدى إلى توسيع نطاق المواجهات في المناطق الجنوبية، وأسفرت الاشتباكات عن تهجير عشرات الآلاف وانهيار التعايش التاريخي بين الدروز والبدو الذين عاشوا عقودا في توازن هش داخل المحافظة.

خلاف حول مستقبل السويداء

ورغم وحدة الموقف تجاه ضرورة حماية السكان المحليين، فإن الخلافات ظهرت داخل القيادة الدرزية بشأن مستقبل المحافظة، فقد دعا الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز الزعماء الدينيين في السويداء، إلى فصل المحافظة عن سوريا ومنحها حق تقرير المصير، بينما اتخذ طريف موقفا مغايرا عبر الدعوة لمنح السويداء حكما ذاتيا داخليا ضمن الدولة السورية بدلا من الانفصال، وأكد طريف أن النماذج الاتحادية في دول مثل سويسرا وألمانيا قد تشكل إطارا مناسبا لحماية الأقليات وضمان مشاركتها في إدارة شؤونها المحلية.

كانت المفاوضات التي سعت لإعادة دمج عناصر الشرطة السابقة في السويداء تحت سلطة دمشق تمضي قدما، مع إتاحة صلاحيات واسعة للإدارة المحلية بهدف تهدئة مخاوف السكان، إلا أن أحداث يوليو وضعت حدا لمسار التفاهم، وأعادت مناخ الشك بين الطائفة الدرزية والسلطات المركزية.

وفي الوقت نفسه، لم تنجح الجهود الدولية، بما فيها مبادرة تضمنت 13 نقطة توسطت فيها الولايات المتحدة، في استئناف الحوار، إذ رفضها الهجري واعتبرها غير كافية لضمان أمن الطائفة.

الحاجة لمعابر إنسانية

شدد طريف على أن إعادة بناء الثقة تمثل الخطوة الأساسية لوقف دائرة العنف، وأن ضمان عودة السكان إلى منازلهم وتأمين وصول المساعدات الإنسانية الكاملة إلى السويداء يعد شرطا لإحياء المحادثات.

وأكد أن الوضع الإنساني في المحافظة يتدهور بشكل متسارع، خاصة بعد تهجير آلاف الأسر وتراجع الخدمات الأساسية، ما يجعل أي تأخير في التدخل الدولي خطرا على المدنيين، كما دعا زعماء دروز سابقا إلى إقامة ممر إنساني من هضبة الجولان إلى السويداء، إلا أن الحكومة السورية رفضت المقترح.

ينظر طريف بقلق شديد إلى احتمال تجدد المواجهات في ظل حالة الاحتقان المستمرة، خاصة مع انتشار السلاح بكثافة وغياب قوة أمنية قادرة على فرض الاستقرار، ويرى أن الدعوات لنزع سلاح الدروز غير واقعية في هذه المرحلة، إذ لا يزال السكان يشعرون بأنهم مهددون وأنهم يواجهون فراغا أمنيا لا يوفر لهم الحماية الكافية، ويرى مراقبون أن انعدام الثقة بين دمشق والقيادات المحلية، إضافة إلى غياب حل سياسي شامل في سوريا، قد يجعل الجنوب عرضة لتحولات مفاجئة في أي لحظة.

دعوة للولايات المتحدة

قال طريف إن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على لعب دور حاسم في منع انهيار المشهد الأمني في الجنوب السوري، مؤكدا أن ضمان حماية الأقليات يعد ضرورة وليس خيارا سياسيا، وأعرب عن أمله بأن تترجم واشنطن تعهدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم الاستقرار في سوريا إلى خطوات عملية، خصوصا بعد تأكيده في نوفمبر الماضي أنه سيسعى لمساعدة البلاد على تجاوز مرحلة ما بعد الحرب بالتنسيق مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

تعد الطائفة الدرزية أحد مكونات المجتمع السوري، ويتركز وجودها في محافظة السويداء التي بقيت نسبيا بعيدة عن المعارك الكبرى خلال سنوات الحرب، لكنها شهدت خلال الأعوام الماضية حالات انفلات أمني واشتباكات متقطعة مع جماعات مسلحة وتنظيمات متشددة.

ويتمتع الدروز ببنية اجتماعية متماسكة وقوات محلية للدفاع الذاتي، إلا أن غياب سلطة مركزية قوية في المحافظة منذ 2011 أدى إلى تفكك الأجهزة الرسمية وضعف قدرة الدولة على فرض القانون، وتعيش السويداء اليوم في وضع إنساني صعب مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتهجير الداخلي، بينما تتصاعد المطالب المحلية بإصلاحات سياسية وإدارية تضمن حماية الأقليات وحقوقها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية