يواجهن البرد والغرق.. النساء النازحات في غزة يصارعن الشتاء تحت خيام مبللة
يواجهن البرد والغرق.. النساء النازحات في غزة يصارعن الشتاء تحت خيام مبللة
تُواجه النساء النازحات في قطاع غزة فصلاً قاسياً من المعاناة مع اشتداد المنخفضات الجوية، حيث تتحول الخيام المهترئة إلى مصائد للمطر والبرد، في غياب أي مأوى يحفظ الكرامة الإنسانية أو يؤمّن الحماية للأطفال، ومع كل ليلة شتاء، تتجدّد فصول الألم، ويصبح المطر والرياح خصمين إضافيين في حياة أُنهكتها الحرب والنزوح والحصار.
تستعيد الثلاثينية فاتن الشوا تفاصيل ليلة لم تشبه ما قبلها، حين باغت منخفض جوي عنيف مخيم النازحين، فانهارت خيمتها الهشة وغرقت أرضيتها بالمياه، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، اليوم الثلاثاء.
تروي الأم لأربع طفلات كيف تحوّل النوم إلى صراع للبقاء، بعدما استيقظت لتجد نفسها وسط بركة ماء، وأخشاب الخيمة متناثرة، والبرد يتسلل إلى أجساد أطفالها.
تصف فاتن المشهد بمرارة قائلة إن المطر لم يكن نعمة، بل عدواً قاسياً، أجبرها على جمع ما تبقى من فراش وأغطية في الظلام، ومحاولة إنقاذ أطفالها المفزوعين، مؤكدة أنها اضطرت لنقلهم إلى خيمة مجاورة بعدما أصبح البقاء مستحيلاً، في لحظات اختلط فيها الخوف بالعجز والانكسار.
أمومة تحت القهر
تحمل فاتن الشوا مسؤولية مضاعفة في حياة النزوح، بعدما أُصيب زوجها إصابة بالغة أفقدته القدرة على الحركة جزئياً، لتجد نفسها المعيلة الوحيدة، والأم، والحامية في آنٍ.
تحكي كيف حملت وحدها الفراش المبلول وأخشاب الخيمة الثقيلة في منتصف الليل، تحت المطر والرياح، دون سند أو مساعدة.
تتساءل بصوت يختنق بالقهر عن معنى هذا المصير، وعن ذنب النساء اللواتي يجدن أنفسهن بلا جدران تحميهن ولا أبواب تُغلق.
تشدد على أن انعدام الخصوصية في الخيام يضاعف معاناة النساء، حيث العيش مكشوف دائماً، والخوف حاضر في كل لحظة، خاصة على الأطفال.
خيام تتحول إلى مصائد
تكشف المنخفضات الجوية هشاشة واقع النزوح في غزة، إذ تتحول الخيام إلى مصائد للمياه، وتتفاقم معاناة البرد دون حلول جذرية.
وتشير تقديرات إنسانية إلى أن نحو 70% من سكان القطاع يعيشون في خيام أو مراكز إيواء مؤقتة بعد تدمير منازلهم، ما يجعلهم عرضة مباشرة لتقلبات الطقس القاسية.
وتعبّر فاتن عن أمنية بسيطة تختصر حجم الكارثة، قائلة إنها لا تطلب سوى خيمة متينة تحمي أطفالها من المطر والبرد، وتمنحهم نوماً آمناً بلا فزع أو غرق. تؤكد أن أبسط الحقوق تحوّلت إلى أحلام بعيدة المنال.
طفولة وأحلام مؤجلة
تقف الطفلة ندى الشوا، ذات الأربعة عشر عاماً، شاهدة على قسوة واقعٍ سرق طفولتها مبكراً.. تقول إن كلمة “حياة” باتت أكبر من واقعهم، في حين ترتجف من البرد وتنام على فراش مبلول لغياب البدائل. تشرح أن الظروف المادية لا تسمح بشراء خيمة أفضل أو أغطية تقي من الصقيع.
وتسترجع ندى أحلامها التي بددتها الحرب، فتتحدث عن شغفها بالدراسة وتعلم اللغات، وعن حلمها بأن تصبح طبيبة جراحة.
وتتحسر على دفاتر لم تعد قادرة على شرائها، ورسوم تعليم باتت خارج المتناول، مؤكدة أن الحرب لم تكتفِ بتدمير البيوت، بل اغتالت الأحلام أيضاً.
مسؤولية وأزمة عميقة
يعكس مشهد عائلة فاتن الشوا، وآلاف العائلات المشابهة، عمق الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، حيث يُحرم النازحون من أبسط حقوقهم، وعلى رأسها الحق في السكن اللائق والحماية من الظروف المناخية القاسية.
ويؤكد القانون الدولي الإنساني مسؤولية قوة الاحتلال عن حماية المدنيين وضمان مأوى آمن لهم، لا سيما في أوقات النزاع.
ويكشف الواقع الميداني فشلاً واضحاً في توفير الحد الأدنى من هذه الحقوق، مع ترك النساء والأطفال يواجهون الشتاء في خيام مهترئة بلا بنية تحتية أو حلول مستدامة.
ويطرح هذا المشهد تساؤلات ملحّة حول دور المجتمع الدولي، وجدوى الاكتفاء بالإدانة، في وقتٍ يحتاج فيه النازحون إلى حماية فعلية ومأوى يصون إنسانيتهم.











