من إدلب إلى بونداي.. لاجئ سوري يحبط هجوماً دموياً ويعيد تعريف البطولة
من إدلب إلى بونداي.. لاجئ سوري يحبط هجوماً دموياً ويعيد تعريف البطولة
في قرية النيرب الصغيرة شمال غرب سوريا، حيث لا تزال آثار الحرب محفورة في الجدران والذاكرة، تحوّل اسم أحمد الأحمد إلى قصة فخر جماعي، لا لأنّه غادر القرية ونجح في الغربة، بل لأنّ شجاعته في لحظة فارقة أنقذت أرواحاً بريئة على شاطئ بونداي الأسترالي، وأعادت للإنسانية وجهاً مشرقاً وسط العنف والكراهية.
بدأت الحكاية مساء الأحد الماضي، على أحد أشهر شواطئ أستراليا، حين تحوّل احتفال ديني إلى مشهد رعب، بعد أن فتح مسلحان النار على الحاضرين، في هجوم أودى بحياة 15 شخصاً وأصاب العشرات، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الثلاثاء.
وبين الفوضى والصراخ، كان أحمد الأحمد، اللاجئ السوري المقيم في سيدني، يتخذ قراراً لا يُقاس بالحسابات، بل بالغريزة الإنسانية الخالصة.
تحرّك أحمد بين السيارات المتوقفة، واقترب من أحد المهاجمين من الخلف، وانتزع سلاحه بيدين عاريتين، غير مكترث بالخطر المحدق. لحظات قليلة فصلت بين الحياة والموت لكثيرين، قبل أن يُصاب أحمد برصاص المهاجم الثاني ويسقط أرضاً، مضرجاً بدمه، لكن منتصراً بفعله.
تحرك بدافع الشهامة
في قرية النيرب، لم يحتج محمد الأحمد، عمّ أحمد، سوى ثوانٍ ليتعرّف إلى ابن شقيقه في مقطع الفيديو المتداول.
يقول الرجل الستيني بصوت يختلط فيه الفخر بالقلق: “ما فعله أحمد ليس بدافع سياسة ولا دين، بل بدافع الشهامة والمروءة.. هذا ما تربينا عليه هنا”. كلمات تختصر ثقافة قرية أنهكتها الحرب، لكنها لم تفقد بوصلتها الأخلاقية.
أحمد، الأب لطفلتين، غادر سوريا عام 2007 باحثاً عن لقمة عيش آمنة.. عمل في البناء، ثم افتتح متجراً صغيراً لبيع الخضار في سيدني. ترك خلفه منزلاً متصدعاً بلا نوافذ ولا أبواب، شاهداً على سنوات القصف والغياب. ومع ذلك، حمل معه ما هو أثمن من أي متاع: قيمة حماية الآخر مهما كان الثمن.
فخر ودعوات بالشفاء
في أستراليا، تحوّل أحمد إلى رمز.. أشاد رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بشجاعته خلال زيارته إياه في المستشفى، معتبراً ما فعله “مصدر إلهام لجميع الأستراليين”، لكن في النيرب، كان التكريم أبسط وأصدق.. دعوات بالشفاء، وعبارات فخر تتردد في الأزقة وبين البيوت التي بدأت تُرمم حجراً حجراً.
تجلس جدته المسنّة في غرفة متواضعة، ترفع يديها بالدعاء وتقول: “الله يرضى عليه”.. أما أصدقاؤه، فيستعيدون سهرات ما قبل السفر، ويؤكدون أن أحمد كان دائماً “صاحب نخوة”، لم تغيّره الغربة ولم تُطفئ الحرب إنسانيته.
قصة أحمد الأحمد ليست مجرد خبر عابر عن بطل لحظة، بل شهادة حيّة على أن اللاجئين ليسوا أرقاماً في تقارير الهجرة، بل بشر يحملون قيماً وتجارب، وقدرة على حماية الحياة أينما وُجدوا.. من قرية منكوبة في إدلب إلى شاطئ بونداي، امتد خيط واحد واضح.. الشجاعة لا وطن لها، والإنسانية لا تحتاج إلى تعريف.











