فى يوم المهاجرين الدولي.. نحو 400 مليون يتحدثون العربية خارج الحدود

فى يوم المهاجرين الدولي.. نحو 400 مليون يتحدثون العربية خارج الحدود
مهاجرون- أرشيف

يحمل يوم 18 ديسمبر دلالة خاصة في الذاكرة الدولية، إذ تلتقي فيه مناسبتان أمميتان تعكسان ارتباطا عميقا بين الإنسان ولغته من جهة، وتجربته في الهجرة والاغتراب من جهة أخرى، ففي هذا اليوم يحتفل العالم باليوم الدولي للغة العربية الذي أقرته منظمة اليونسكو تكريما لإحدى أكثر لغات العالم ثراء وتأثيرا، ويتزامن معه اليوم الدولي للمهاجرين الذي خصصته الأمم المتحدة لتسليط الضوء على أوضاع ملايين البشر الذين يعيشون خارج أوطانهم.

هذا التزامن الزمني لا يبدو مصادفة عابرة، بل يفتح نافذة نادرة للتأمل في أوضاع الناطقين باللغة العربية خارج حدود بلدانهم الأصلية، حيث تصبح اللغة أكثر من مجرد وسيلة تواصل، وتتحول إلى جسر للهوية والانتماء، وأداة أساسية للوصول إلى الحقوق والخدمات والاندماج في المجتمعات الجديدة.

وتتجاوز اللغة العربية حدود الجغرافيا السياسية، فهي لغة يومية لما يقارب 400 مليون إنسان حول العالم، ما يمنحها ثقلا لغويا وثقافيا ورمزيا كبيرا، ومع اتساع رقعة الهجرة من الدول العربية خلال العقود الأخيرة، انتقلت العربية مع أهلها إلى مدن وقارات بعيدة، حاملة معها ذاكرة وثقافة وتجارب حياة متنوعة.

غير أن هذا الانتشار الواسع لا يخلو من تحديات، إذ يواجه الناطقون بالعربية في بلدان المهجر صعوبات تتعلق بالاندماج في المجتمعات المضيفة، والحفاظ على هويتهم الثقافية، والحصول على الخدمات الأساسية بلغتهم الأم، وتزداد هذه التحديات حدة عندما تكون الهجرة قسرية أو غير نظامية، حيث يصبح غياب اللغة عائقا إضافيا أمام الاستقرار والأمان.

أرقام الهجرة العالمية

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن عدد المهاجرين الدوليين بلغ نحو 304 ملايين شخص في منتصف 2024، وهو رقم يعكس زيادة واضحة مقارنة بالسنوات السابقة، وهذا النمو المتسارع في أعداد المهاجرين يجعل قضايا اللغة والوصول إلى الحقوق والخدمات بلغات المهاجرين الأصلية مسألة محورية في سياسات الدول المستضيفة.

وتؤكد المنصة العالمية لبيانات الهجرة أن ملايين من هؤلاء المهاجرين تجمعهم اللغة العربية، إلى جانب احتياجاتهم المشتركة كمهاجرين، سواء تعلق الأمر بالصحة أو التعليم أو العمل أو الحماية القانونية.

وفي هذا السياق، يكتسب تلاقي اليوم الدولي للغة العربية واليوم الدولي للمهاجرين أهمية مضاعفة، بوصفه فرصة لإعادة التفكير في السياسات اللغوية بوصفها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

الهجرة العربية بالأرقام

تفيد تقارير المنظمات الإقليمية ومنظمة اليونسكو بأن عدد المهاجرين والنازحين واللاجئين المنحدرين من الدول العربية بلغ نحو 37.2 مليون شخص، ومن بين هؤلاء، تحرك نحو 18.1 مليون داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال 2024 وحده، في واحدة من أكثر المناطق تأثرا بالنزاعات والأزمات الاقتصادية والمناخية.

هذه الأرقام لا تعكس فقط حجم التنقل السكاني، بل تكشف أيضا عن البعد العملي للغة العربية في حياة الملايين، فالقدرة على التواصل باللغة الأم تؤثر بشكل مباشر في فرص الحصول على الرعاية الصحية، وجودة التعليم، وسهولة الوصول إلى خدمات اللجوء والعدالة القانونية. وحين تغيب اللغة، تتراجع القدرة على المطالبة بالحقوق، ويصبح المهاجر أكثر عرضة للتهميش.

وتلعب الدول العربية دورا مهما في حركة العمالة العالمية، سواء كدول مصدرة أو مستقبلة للمهاجرين، وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن مخزونات المهاجرين الواردة والصادرة عن الدول العربية تمثل نسبة ملحوظة من إجمالي المخزون العالمي للمهاجرين، ما يبرز البعد الاقتصادي والاجتماعي للهجرة العربية.

في بلدان المهجر، تشكل الجاليات الناطقة بالعربية جزءا من النسيج الاقتصادي، وتسهم في قطاعات متعددة، من الخدمات إلى الصناعة والتجارة، غير أن ضعف الاعتراف باللغة العربية في أماكن العمل والمؤسسات العامة قد يحد من فرص هذه الجاليات في التطور المهني، ويؤثر في قدرتها على المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية.

اللغة كحق إنساني

يؤكد خبراء الهجرة والثقافة أن الاحتفاء باللغة العربية ينبغي ألا يظل محصورا في إطار رمزي أو احتفالي، بل يجب أن يمتد إلى سياسات ملموسة لحماية المهاجرين واللاجئين الناطقين بالعربية، ويشمل ذلك توفير التعليم بلغتهم الأم، وترجمة المواد الصحية والقانونية، وتمكين وسائل إعلام ومنابر ثقافية تعكس أصواتهم وتجاربهم.

في هذا السياق، أصبح الاعتراف باللغة جزءا أساسيا من منظومة حقوق الإنسان، ومفتاحا لتمكين الملايين من المشاركة الفعلية في المجتمعات المستضيفة دون الاضطرار إلى التخلي عن هويتهم الثقافية، فاللغة ليست عبئا على الاندماج، بل يمكن أن تكون رافعة له إذا ما أدرجت ضمن سياسات شاملة تحترم التنوع.

ويمثل تزامن اليوم الدولي للغة العربية واليوم الدولي للمهاجرين في 18 ديسمبر لحظة رمزية عميقة، تذكر بأن الهجرة ليست مجرد حركة بشرية، بل تجربة إنسانية كاملة تحمل معها لغة وذاكرة وهوية، كما يسلط الضوء على مسؤولية المجتمع الدولي في ضمان ألا تتحول اللغة إلى حاجز، بل إلى جسر يربط المهاجرين بالعالم من حولهم.

بناء مجتمعات أكثر عدلا

هذا الالتقاء يطرح سؤالا جوهريا حول شكل المستقبل الذي يريده العالم لمجتمعاته المتعددة، وهل ستكون اللغات الأم جزءا من الحل في بناء مجتمعات أكثر عدلا وتماسكا، أم ستظل تحديا مؤجلا في سياسات الهجرة والاندماج.

اعتمدت الأمم المتحدة اليوم الدولي للمهاجرين للتأكيد على حقوق المهاجرين وحمايتهم وتعزيز مساهماتهم في المجتمعات المستضيفة، بينما أقر اليوم الدولي للغة العربية اعترافا بدورها العالمي في الثقافة والمعرفة والحوار بين الحضارات، ومع تصاعد أزمات النزوح والهجرة في العقد الأخير، ولا سيما من الدول العربية، بات الربط بين اللغتين والإنسان أمرا ملحا في السياسات الدولية.

وتظهر التجارب أن توفير الخدمات بلغات المهاجرين، وفي مقدمتها العربية، يسهم في تحسين الاندماج الاجتماعي وتقليل الفجوات، ويعزز الاستقرار في المجتمعات المتنوعة، ما يجعل من 18 ديسمبر محطة سنوية للتذكير بأن كرامة الإنسان تبدأ من لغته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية