"دويتشه فيله": لماذا تراجعت الهجرة العمالية رغم الطلب المتزايد على المهارات؟
"دويتشه فيله": لماذا تراجعت الهجرة العمالية رغم الطلب المتزايد على المهارات؟
على الرغم من تزايد الحاجة إلى العمالة الماهرة في الاقتصادات المتقدمة، تشهد الهجرة العمالية الدولية تباطؤًا ملحوظًا، وفق تقرير صدر الشهر الماضي عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكشف التقرير أن الهجرة العمالية في 38 دولة عضوًا تراجعت بنسبة تزيد على 5 بالمئة في عام 2024، رغم أن المجتمعات التي يزداد فيها عدد كبار السن تواجه نقصًا متزايدًا في القوى العاملة، وهذا التراجع لا يعكس انخفاض الطلب الاقتصادي، بل تصاعد المقاومة السياسية ضد الهجرة وشروط التأشيرات المشددة في عدد من الدول.
الرفض السياسي والحواجز القانونية
بحسب ما ذكرته شبكة "دويتشه فيله" الألمانية الخميس، تتجلى أبرز أسباب التراجع في سياسات دول محددة، أبرزها المملكة المتحدة ونيوزيلندا، ففي نيوزيلندا انتهى في يوليو 2022 برنامج إقامة فريد أتاح لأكثر من 200 ألف مهاجر مؤقت وأسرهم الاستقرار بشكل دائم بعد جائحة كورونا، ما أدى إلى انخفاض الهجرة العمالية بعد انتهاء البرنامج، وفي المملكة المتحدة، أدت إصلاحات التأشيرات بعد البريكست إلى تشديد شروط القبول للعمال في مجال الرعاية الصحية واستبعاد أفراد الأسرة، مما خفض الطلب على تصاريح الإقامة، ويعاني قطاع الرعاية الصحية في هذه الدول بشكل خاص من نقص العمالة، في حين أثرت الشروط الصارمة على الطلاب الدوليين ومنعوا من الانتقال بسهولة من الدراسة إلى العمل.
الهند أكبر مصدر للعمالة المهاجرة
تظل الهند أكبر مصدر للعمالة المهاجرة إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث بلغ عدد المهاجرين العام الماضي 600 ألف شخص، تليها الصين ورومانيا، وتشير البيانات إلى أن القيود على الهجرة الدائمة تجعل العديد من الطلاب والمهنيين المتعلمين يترددون في الاستثمار في تعليمهم أو حياتهم المهنية في الخارج إذا لم تكن هناك آفاق واضحة للإقامة والعمل الدائم.
قيود الولايات المتحدة
في الولايات المتحدة، فرضت إدارة بايدن قيودًا مشددة على تأشيرات المهن المتخصصة H-1B، وهي التأشيرات التي تسمح للعمال المؤهلين بالعمل في مجالات التكنولوجيا والهندسة والطب مؤقتًا، ومع تولي ترامب السلطة، زادت تكاليف التأشيرة على أصحاب العمل، لتصل أحيانًا إلى 100 ألف دولار، وهو ما يعكس رغبة في الحد من فرص الإقامة الدائمة، وهذه السياسات أثرت على قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الأجنبية الماهرة، وأدت إلى زيادة صعوبة استقطاب المواهب الدولية.
وعلى الرغم من انخفاض الهجرة الدائمة، بقيت برامج الهجرة المؤقتة أو الموسمية مستقرة، وتستخدم الحكومات هذه البرامج لتلبية الحاجة إلى عمالة إضافية في الزراعة والبناء والرعاية الصحية لفترات قصيرة، ومع ذلك يظل التحدي الأكبر في دمج هؤلاء العمال بشكل كامل في سوق العمل، وضمان الاعتراف بمؤهلاتهم وخبراتهم، لتجنب توظيفهم في وظائف أقل من مستواهم المهني.
العقبات البيروقراطية وتأثيرها
تواجه دول مثل ألمانيا وفنلندا والدول الإسكندنافية بطء إجراءات الاعتراف بالشهادات المهنية، مما يقلل من جاذبية سوق العمل لديها.
في ألمانيا، انخفضت الهجرة الدائمة بنسبة 12 بالمئة العام الماضي، وكان عدد العمال الذين دخلوا بتأشيرات عمل أقل بنسبة 32 بالمئة عن العام السابق، مما أدى إلى نقص حالي يقارب ثلاثة ملايين عامل، وتتعارض هذه البيروقراطية مع احتياجات الاقتصاد وتهدد الاستقرار في سوق العمل.
يشير الخبراء إلى أن السياسات المتشددة والهجمات الكلامية على الهجرة، كما يحدث في الولايات المتحدة وأوروبا، تزيد من فجوة التوقعات بين الاقتصاد والسياسة، ففي الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد إلى العمالة الماهرة لدعم القطاعات الحيوية، تصطدم هذه الضرورة بجدار من القيود السياسية والمخاوف الأمنية، مما يبطئ الهجرة ويدفع بعض العمال إلى اللجوء إلى طرق غير رسمية للعمل.
أوروبا تعتمد على العمالة الأجنبية
حسب صندوق النقد الدولي، يشغل مواطنون من خارج الاتحاد الأوروبي نحو ثلثي الوظائف الجديدة التي نشأت بين عامي 2019 و2023، ويبلغ عدد العمال المهاجرين حول العالم نحو 167.7 مليون عامل، أي 4.7 بالمئة من إجمالي القوى العاملة، وأكثر من ثلثيهم في دول ذات دخل مرتفع، وتظهر هذه البيانات مدى اعتماد الاقتصادات المتقدمة على العمالة الأجنبية، رغم الانخفاض الأخير في الهجرة الدائمة بسبب السياسة.
الهجرة العمالية تعد رافدًا أساسيًا للاقتصادات الحديثة، خاصة مع تزايد شيخوخة السكان في دول مثل اليابان وألمانيا وإيطاليا، ومع ذلك، تواجه الهجرة قيودًا متزايدة من حيث التأشيرات، ومتطلبات الإقامة، والاعتراف بالمؤهلات، ما يؤدي إلى توظيف العمال في وظائف أقل من مستوى كفاءتهم، فبرامج الهجرة المؤقتة أصبحت أداة لتلبية الحاجة الاقتصادية القصيرة الأمد، لكن دمج العمال بشكل دائم لا يزال محدودًا، ويوضح التقرير الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن التحديات السياسية والبيروقراطية تشكل عائقًا رئيسيًا أمام التوازن بين الطلب الاقتصادي على العمالة وحركة الهجرة الدولية، وهو ما يجعل الحلول تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الاقتصاد والسياسة وحقوق العمال.











