المجتمع المدني يواجه الكراهية.. وقفة إنسانية في قلب السويد ترفض استهداف المقدسات

المجتمع المدني يواجه الكراهية..  وقفة إنسانية في قلب السويد ترفض استهداف المقدسات
إمام المسجد الكبير وحادث الاعتداء على المصحف

في مشهد إنساني لافت، شارك ناشطون من مؤسسات المجتمع المدني مؤخراً في وقفة رمزية أمام المسجد الكبير في العاصمة السويدية ستوكهولم؛ تعبيراً عن التضامن مع المسجد ورواده عقب حادثة الاعتداء على المصحف الشريف التي هزت مشاعر المسلمين وأثارت جدلاً واسعاً حول تصاعد خطاب الكراهية الدينية في البلاد.

أفادت شبكة "الكومبس" الإخبارية السبت أن الوقفة جاءت بوصفها تعبيراً سلمياً يرفض العنف الرمزي ويؤكد أن استهداف المقدسات لا يمكن فصله عن مناخ أوسع من الإسلاموفوبيا والإقصاء، لافتة أن الوقفة شهدت حضوراً تجاوز 2000 شخص، وشدد المشاركون على رفضهم لكل أشكال العنصرية والكراهية، مؤكدين دعمهم للمسجد باعتباره مؤسسة دينية واجتماعية تشكل جزءاً أصيلاً من نسيج المجتمع السويدي، وذكر المسجد في بيان نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن الوقفة حملت رسالة واضحة مفادها أن الاعتداء على المقدسات لن يقابل بالصمت أو الخوف.

خطاب يدعو إلى القيم المشتركة

خلال الوقفة ألقى مدير المسجد محمود الخلفي كلمة توجه فيها بالشكر إلى المشاركين والمنظمين، معبراً عن امتنانه لما وصفه بالقوى الخيرة في المجتمع السويدي التي ترفض التطرف والعنصرية وتقف في وجه خطاب الكراهية، وأكد الخلفي أن هذا التضامن يعكس قيماً إنسانية مشتركة تتجاوز الانتماءات الدينية والثقافية، وتشكل أساساً للتعايش السلمي.

أوضح الخلفي في كلمته أن المسجد الكبير في ستوكهولم لا يقتصر دوره على كونه مكاناً للعبادة، بل يؤدي دوراً مجتمعياً مفتوحاً يخدم يومياً آلاف المسلمين، ويستقبل أيضاً غير المسلمين في إطار رسالته القائمة على المحبة والسلام والتعاون وخدمة المجتمع بكافة مكوناته، وشدد على أن الاعتداءات التي تستهدف المساجد أو الرموز الدينية لن تثني القائمين عليها عن مواصلة هذا الدور الجامع.

تفاصيل حادثة صادمة

تعود شرارة هذه الوقفة التضامنية إلى حادثة وقعت مساء السبت 20 ديسمبر، حين عثر على نسخة من المصحف الشريف مثبتة بسلسلة حديدية إلى سياج قرب مدخل المسجد الكبير في العاصمة السويدية، وبدت على المصحف آثار 6 طلقات نارية، في مشهد صادم حمل دلالات خطيرة تتجاوز التخريب إلى الترهيب الرمزي، وإلى جانب المصحف، وُجدت ورقة لاصقة تحمل رسالة مكتوبة باللغتين العربية والسويدية تقول شكراً للزيارة لكن حان وقت العودة إلى المنزل، وهي عبارة اعتبرها كثيرون تعبيراً واضحاً عن خطاب إقصائي وعنصري.

لم يُنظر إلى الحادثة بوصفها فعلاً معزولاً، بل جاءت في سياق أوسع من النقاش الدائر في السويد حول حرية التعبير وحدودها، وتصاعد مظاهر الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة، فاستهداف المصحف الشريف بهذا الشكل العنيف أعاد إلى الواجهة مخاوف المسلمين من أن يتحول الخطاب المعادي للإسلام إلى أفعال ملموسة تهدد الشعور بالأمان والانتماء.

تحرك رسمي وتحقيقات

عقب الحادثة، أعلنت الشرطة السويدية فتح تحقيق رسمي بتهمة التحريض ضد فئة من السكان، وقالت المتحدثة باسم شرطة ستوكهولم آنا لارك لصحيفة أفتونبلاديت إن بلاغاً رسمياً جرى تسجيله، وإن التحقيقات تهدف إلى تحديد المسؤولين عن هذا الفعل ومحاسبتهم وفق القانون، هذا التحرك الرسمي لاقى ترحيباً حذراً من الجالية المسلمة التي شددت على أهمية ترجمة الإدانة إلى إجراءات قانونية رادعة.

الإسلاموفوبيا بوصفه ظاهرة متصاعدة

يرى مراقبون أن حادثة الاعتداء على المصحف ليست سوى حلقة في سلسلة من مظاهر الإسلاموفوبيا التي تشهدها بعض الدول الأوروبية، حيث تتقاطع المخاوف الأمنية والهجرة مع خطابات شعبوية تغذي الكراهية الدينية والعنصرية. وفي السويد، أثارت حوادث سابقة تتعلق بحرق المصحف أو الإساءة إليه نقاشاً حاداً حول مسؤولية الدولة في حماية الأقليات الدينية وضمان عدم استغلال حرية التعبير للتحريض على الكراهية.

تضامن يتجاوز الجالية المسلمة

ما ميز الوقفة الأخيرة أمام المسجد الكبير هو مشاركة ناشطين من خلفيات دينية وثقافية مختلفة، في إشارة إلى أن رفض الكراهية لا يقتصر على المسلمين وحدهم، وهذا الحضور المتنوع عكس وعياً متزايداً بأن استهداف جماعة دينية بعينها يهدد قيم التعددية التي يقوم عليها المجتمع السويدي بأكمله.

أكد المشاركون أن الوقفة لم تكن مجرد رد فعل عاطفي، بل رسالة إلى السلطات وصناع القرار بضرورة اتخاذ خطوات أكثر حزماً لمواجهة جرائم الكراهية، كما شددوا على أهمية الاستثمار في الحوار والتوعية والتعليم بوصفها وسائل طويلة الأمد لمكافحة الإسلاموفوبيا وتعزيز التفاهم بين مكونات المجتمع.

يعد المسجد الكبير في ستوكهولم أحد أبرز المعالم الدينية الإسلامية في السويد، ويقع في قلب العاصمة، حيث يلعب دوراً دينياً وثقافياً منذ عقود، وتضم السويد جالية مسلمة متنامية تشكل جزءاً مهماً من المجتمع، في ظل نظام قانوني يؤكد حرية المعتقد وحماية الأقليات، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً في جرائم الكراهية ذات الدوافع الدينية، خاصة ضد المسلمين، ما دفع منظمات حقوقية إلى التحذير من تنامي الإسلاموفوبيا وتأثيرها في التماسك الاجتماعي، وفي هذا السياق، تبرز الوقفات التضامنية والتحركات المدنية بوصفها أدوات سلمية للدفاع عن القيم الديمقراطية ورفض تحويل الاختلاف الديني إلى سبب للإقصاء أو العنف.

يذكر أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دان بأغلبية أعضائه (47 دولة) أي دعوة إلى الكراهية الدينية، ومنها التطاول على القرآن الكريم بما يشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف، سواء كان ذلك يتعلق باستخدام وسائل الإعلام المطبوعة أو السمعية البصرية أو الإلكترونية أو أي وسيلة أخرى.

وأكد القرار الحاجة إلى محاسبة المسؤولين عنها بطريقة تتماشى مع التزامات الدول الناشئة عن حقوق الإنسان الدولية، داعياً الدول إلى اعتماد قوانين وسياسات وأطر وطنية لإنفاذ القانون تعالج وتمنع وتقاضي الأفعال والدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف وأن تتخذ خطوات فورية لضمان المساءلة.
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية