دعماً لمحدودي الدخل.. بطاقة الترفيه تفتح أبواب الرياضة والثقافة أمام أطفال السويد
دعماً لمحدودي الدخل.. بطاقة الترفيه تفتح أبواب الرياضة والثقافة أمام أطفال السويد
باتت آلاف العائلات في السويد تنظر إلى مبادرة بطاقة الأنشطة الترفيهية التي تم إطلاقها في منتصف شهر سبتمبر الماضي، كنافذة أمل جديدة تتيح لأطفالها فرصة الاستمرار في ممارسة الرياضة والانخراط في الأنشطة الثقافية دون أن يشكل الوضع المالي عائقا حاسما، وجاءت البطاقة التي أطلقتها الحكومة السويدية استجابة لواقع اجتماعي متغير، تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية على الأسر خاصة محدودة الدخل، وتنعكس بشكل مباشر على الأطفال والشباب، خصوصا في الفئة العمرية الحساسة بين 8 و16 عاما.
أعلن وزير الشؤون الاجتماعية في السويد ياكوب فورسشميد الاثنين أن أكثر من 341 ألف طفل وشاب قاموا حتى الآن بتحميل بطاقة الأنشطة الترفيهية منذ إطلاقها، وهو رقم اعتبره مؤشرا إيجابيا على نجاح المبادرة في مراحلها الأولى، وفي حديثه لصحيفة “SVD” السويدية، أوضح الوزير أن هذا الإقبال يعكس حاجة حقيقية لدى العائلات، ورغبة واسعة في ضمان حق الأطفال في النشاط والحركة والانتماء الاجتماعي، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها شريحة متزايدة من المجتمع، وفق شبكة الكومبس الإخبارية.
تحديات بيروقراطية تعوق الجمعيات
ورغم هذا النجاح النسبي، لم يخف فورسشميد وجود عقبات تعترض التطبيق العملي للبطاقة، أبرزها الشكاوى المتكررة من الأندية الرياضية والجمعيات الثقافية بشأن التعقيدات الإدارية، فقد وصفت هذه الجهات الإجراءات الحالية بأنها مرهقة ومكلفة وتستنزف الوقت والموارد، ما يهدد قدرتها على استيعاب أعداد أكبر من الأطفال، وأكد الوزير أن الحكومة السويدية تدرك هذه المشكلة، وتعمل حاليا على تقليل البيروقراطية وتسهيل الإجراءات بما يضمن استدامة النظام وفاعليته.
ضمن مساعي معالجة هذه الإشكاليات، أعلن فورسشميد عن خطة لتسهيل إدارة الأنشطة وتقليل الحاجة إلى المعالجة اليدوية للبيانات، ما يخفف العبء عن الجمعيات ويمنحها فرصة التركيز على دورها الأساسي في رعاية الأطفال والشباب، ويرى القائمون على المشروع أن هذه الخطوة قد تشكل نقطة تحول في طريقة تفاعل الجمعيات مع المبادرة.
دعم أكبر للفئات الأكثر حاجة
تستهدف بطاقة الأنشطة الترفيهية الأطفال والشباب بين 8 و16 عاما، وتمنح بمبالغ متفاوتة بحسب دخل الأسرة، ووفقا لوزير الشؤون الاجتماعية، فقد جرى حتى الآن تحميل أكثر من 40 ألف بطاقة من الفئة الأعلى قيمة، ما يشير إلى أن الدعم بدأ يصل بالفعل إلى الأسر الأكثر احتياجا، ويؤكد فورسشميد أن هذا الجانب يمثل جوهر المبادرة، إذ تسعى الحكومة إلى ضمان ألا يكون الدخل المحدود سببا في حرمان الأطفال من حقهم في النشاط البدني والثقافي.
على الرغم من هذه الأرقام، تشير البيانات الرسمية إلى أن البطاقة لم تصل بعد سوى إلى نحو 30 بالمئة من الفئة المستهدفة، ورغم ذلك، يرى فورسشميد أن الانطلاقة تبقى مشجعة، خاصة في ظل قصر المدة منذ الإطلاق، وقال إن الحكومة السويدية نجحت في الوصول إلى آلاف الجمعيات والمدارس والنوادي خلال فترة زمنية قصيرة، مؤكدا أن العمل مستمر لتوسيع نطاق الاستفادة، خصوصا في المناطق ذات الأوضاع الاجتماعية الصعبة.
في السياق السياسي، أعلنت أحزاب المعارضة أنها لن تلغي نظام بطاقة الأنشطة الترفيهية في حال وصولها إلى السلطة، رغم استمرارها في انتقاده، وقال بيورن ويشيل، المتحدث باسم الحزب في شؤون الثقافة والرياضة، لصحيفة سبورتبلادت إن البطاقة قد لا تكون حلا كاملا، لكنها تمثل تعويضا ضروريا في ظل الظروف الحالية، وأكد أن الحفاظ عليها يعكس توافقا سياسيا نادرا حول أهمية دعم الأطفال والشباب.
أطفال يدفعون ثمن الضيق المعيشي
من أكثر الجوانب إيلاما في هذا الملف، ما كشفته منظمات حقوق الطفل من شهادات لأطفال اختاروا التخلي عن أنشطتهم المفضلة لتخفيف العبء المالي عن أسرهم، وتحدث الوزير فورسشميد بلهجة إنسانية مؤثرة عن هذه الحالات، قائلا إن أطفالا في سن 10 و11 عاما يبررون ترك كرة القدم أو أنشطة أخرى بأنها لم تعد ممتعة، بينما الحقيقة أنهم يشعرون بالمسؤولية تجاه الوضع المالي للأسرة، ووصف الوزير هذا الواقع بأنه يمزق القلب، مؤكدا أن الأطفال لا ينبغي أن يحملوا هذا النوع من الأعباء.
يعول فورسشميد على أن تكون الإصلاحات المرتقبة وسيلة للوصول إلى مزيد من الأطفال، لا سيما في الأحياء والمناطق الاجتماعية الضعيفة، وتشمل هذه الجهود تعاونا وثيقا مع الجمعيات المحلية، إلى جانب مبادرات هيئة الصحة العامة التي خصصت سفراء للتوعية ببطاقة الأنشطة الترفيهية في مختلف أنحاء البلاد، ويأمل القائمون على المشروع أن تسهم هذه الجهود في تغيير نظرة الأسر إلى الأنشطة الترفيهية بوصفها حقا أساسيا لا ترفا يمكن الاستغناء عنه.
البعد الإنساني للأنشطة الترفيهية
لا تقتصر أهمية بطاقة الأنشطة الترفيهية على الجانب المادي فحسب، بل تمتد إلى أبعاد نفسية واجتماعية عميقة. فالرياضة والثقافة تشكلان مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن الذات وبناء الثقة والانتماء، وتساعدان في الوقاية من العزلة الاجتماعية والمشكلات النفسية. وتؤكد دراسات اجتماعية أن الأطفال المنخرطين في أنشطة منتظمة يتمتعون بصحة نفسية أفضل وقدرة أعلى على الاندماج في المجتمع.
شهدت السويد خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا في تكاليف المعيشة، ما أثر على قدرة العديد من الأسر على تحمل نفقات الأنشطة الرياضية والثقافية لأطفالها، ووفقا لتقارير اجتماعية رسمية، باتت فوارق الدخل تلقي بظلالها على فرص الأطفال في الوصول إلى الأنشطة المنظمة، وهو ما دفع الحكومة إلى إطلاق بطاقة الأنشطة الترفيهية كأداة دعم مباشر، وتأتي هذه المبادرة ضمن سياسة اجتماعية أوسع تهدف إلى تعزيز المساواة والحد من التفاوت الاجتماعي، انسجاما مع التقاليد السويدية التي ترى في رفاه الطفل استثمارا طويل الأمد في المجتمع.











