من الغلاء إلى الغضب الشعبي.. إضراب السوق يكشف عمق الأزمة الاقتصادية في إيران

من الغلاء إلى الغضب الشعبي.. إضراب السوق يكشف عمق الأزمة الاقتصادية في إيران
احتجاجات في طهران

شهدت العاصمة الإيرانية طهران، اليوم الاثنين، إضراباً واسعاً لليوم الثاني على التوالي، شارك فيه تجار السوق وعماله إلى جانب عدد من النقابات العمالية، في واحدة من كبرى موجات الاحتجاج الاقتصادي التي تشهدها المدينة منذ سنوات، وأغلقت عشرات المحال التجارية أبوابها في مناطق مركزية، في حين بدت الحركة التجارية شبه مشلولة، في مشهد يعكس حجم السخط الشعبي المتصاعد نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وانعدام الاستقرار الاقتصادي.

انتشرت التجمعات الاحتجاجية في مناطق عدة من طهران، منها ناصر خسرو وشارع الجمهورية وساحة حسن آباد وتقاطع إسطنبول وسوق مولوي ومنطقة لاله زار، وأظهرت مشاهد متداولة عبر وسائل التواصل الافتراضي شوارع خالية من الزبائن ومحال مغلقة وأعداداً متزايدة من المحتجين، في مؤشر واضح على اتساع رقعة الغضب الشعبي، خصوصاً في الأوساط التجارية التي طالما شكلت أحد أعمدة الاقتصاد التقليدي في البلاد وفق شبكة أخبار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

أزمة اقتصادية خانقة

يأتي هذا التصعيد في ظل أزمة اقتصادية عميقة تعيشها إيران منذ سنوات، تفاقمت حدتها خلال الأشهر الأخيرة مع الارتفاع الحاد في أسعار الدولار والذهب، واستمرار التراجع في قيمة العملة المحلية، وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن خط الفقر في طهران وصل إلى نحو 40 مليون تومان، وهو رقم يعكس الانخفاض الحاد في القدرة الشرائية للأسر، ويكشف عن اتساع رقعة الفقر حتى داخل الطبقة الوسطى التي كانت تاريخياً أكثر استقراراً.

تضخم غير مسبوق وضغوط معيشية

تجاوز معدل التضخم في إيران 50 في المئة، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بأكثر من 80 في المئة، ما جعل تأمين الاحتياجات اليومية عبئاً ثقيلاً على ملايين المواطنين، ويقول محتجون إن ميزانيات الأسر لم تعد تكفي لتغطية أساسيات الحياة من غذاء وسكن ودواء، في وقت تتآكل فيه الأجور وتغيب أي حلول اقتصادية ملموسة من جانب السلطات.

في الوقت الذي يشهد فيه سوق طهران احتجاجات واسعة النطاق لليوم الثاني، تحدثت بعض وسائل الإعلام الحكومية عن تراجع في سعر الصرف، وهو ما قوبل بتشكيك واسع من قبل المتابعين والمحتجين، ويرى كثيرون أن هذه الروايات لا تعكس الواقع اليومي الذي يلمسونه في الأسواق، حيث استمرت الأسعار في الارتفاع، وتوقفت عجلة البيع والشراء في كثير من القطاعات.

توتر أمني واشتباكات

وأفادت تقارير متفرقة بوقوع اشتباكات بين قوات الشرطة ومتظاهرين في بعض مناطق العاصمة، بعد تدخل أمني لتفريق التجمعات، ويعكس هذا التطور قلق السلطات من تحول الاحتجاجات الاقتصادية إلى حراك أوسع، خاصة مع مشاركة شرائح مختلفة من المجتمع، من تجار وعمال وموظفين، في مشهد يوحي بتآكل الصبر الشعبي.

حتى داخل مؤسسات النظام، برزت أصوات تعبر عن القلق من تفاقم الأزمة؛ فقد حذر أحد أعضاء البرلمان من أن نار التضخم باتت تلتهم حياة الناس، وأن تقلبات العملة وسعر الدولار زادت من اشتعالها، مشيراً إلى أن تضارب المصالح وغياب الرقابة الحقيقية أسهما في تفاقم الغلاء، وخلقا موجات متتالية من ارتفاع أسعار الدواء والغذاء والسكن.

استنفار أمني واسع

في ظل تصاعد الاحتجاجات أعلنت السلطات الإيرانية حالة استنفار أمني مشدد في طهران، حيث وُضعت مقرات أمنية رئيسية في حالة تأهب كامل، وتم رفع الجاهزية إلى أعلى مستوياتها لدى قوات التعبئة والباسيج ووحدات القمع المختلفة، كما جرى وضع قوات الحرس في محافظات مازندران وقم وسمنان في حالة استعداد لإرسال تعزيزات إلى العاصمة، في خطوة تعكس حجم القلق الرسمي من اتساع رقعة الاحتجاجات وخروجها عن السيطرة.

السوق بين الاحتجاج والرمزية التاريخية

يحمل إضراب تجار السوق دلالة خاصة في السياق الإيراني؛ إذ طالما لعب السوق دوراً محورياً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويرى محللون أن مشاركة البازاريين في الاحتجاجات تعكس وصول الأزمة إلى عمق البنية الاقتصادية التقليدية، وتؤشر إلى أن الغضب لم يعد محصوراً في الفئات الأكثر فقراً، بل بات يشمل شرائح كانت تُعد أكثر قدرة على الصمود.

تضامن ودعوات للتصعيد

في سياق متصل وجّهت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، تحية إلى تجار السوق المشاركين في الإضراب لليوم الثاني، معتبرة أن الاحتجاجات تعكس وعياً متزايداً بجذور الأزمة، وأن الشعارات المرفوعة تشير إلى تحميل النظام الحاكم مسؤولية الغلاء والفقر وقمع الحريات، ودعت المواطنين، ولا سيما الشباب، إلى التضامن مع إضراب السوق ودعم الاحتجاجات باعتبارها تعبيراً عن إرادة شعبية رافضة للواقع القائم.

غضب شعبي يتجاوز الاقتصاد

لم تعد الاحتجاجات محصورة في المطالب الاقتصادية فحسب، بل أخذت بعداً سياسياً واضحاً، مع تصاعد الشعارات التي تربط بين الغلاء وسياسات الحكم، ويشير مراقبون إلى أن هذا التداخل بين الاقتصادي والسياسي يعكس قناعة متزايدة لدى الشارع بأن الأزمات المعيشية ليست مجرد نتيجة لعوامل خارجية، بل نتاج مباشر لسياسات داخلية فاشلة وغياب الشفافية والمساءلة.

مع استمرار الإضراب واتساع رقعة الاحتجاجات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة السلطات على احتواء الغضب الشعبي، أو تقديم حلول حقيقية تخفف من حدة الأزمة، وفي ظل تدهور المؤشرات الاقتصادية، وتراجع الثقة بين المواطن والدولة، يخشى كثيرون من أن تكون هذه التحركات مقدمة لموجة أوسع من الاضطرابات الاجتماعية.

تعاني إيران منذ سنوات من أزمات اقتصادية متراكمة، تعود أسبابها إلى العقوبات الدولية، وسوء الإدارة، والفساد، وتوجيه الموارد نحو أولويات عسكرية وأمنية على حساب التنمية والخدمات، وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تراجع قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، واتساع رقعة الفقر. وتأتي احتجاجات طهران الحالية في سياق سلسلة من التحركات الشعبية التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية، حيث باتت المطالب المعيشية مرتبطة بشكل وثيق بالمطالبة بالتغيير السياسي، في ظل شعور عام بانسداد الأفق وغياب الحلول المستدامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية