أرقام صادمة ونداء عاجل.. اليونيسف تكشف أزمة العنف الجنسي بحق الأطفال
أرقام صادمة ونداء عاجل.. اليونيسف تكشف أزمة العنف الجنسي بحق الأطفال
أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الثلاثاء تحذيراً شديد اللهجة من تفشي العنف الجنسي ضد الأطفال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مؤكدة أن ما يجري لم يعد حوادث متفرقة بل ظاهرة متوطنة ومنهجية تتفاقم بمرور الوقت، وأوضحت المنظمة أن هذه الانتهاكات الخطيرة لا تقتصر على مناطق النزاع المسلح فحسب، بل جرى توثيقها في جميع مقاطعات البلاد، ومنها المناطق التي يفترض أنها أكثر استقراراً.
أرقام تكشف حجم المأساة
خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 تم تسجيل أكثر من 35 ألف حالة عنف جنسي ضد الأطفال في مختلف أنحاء الكونغو، بحسب بيانات جمعتها جهات تقديم خدمات الحماية ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، بحسب تقرير جديد لليونيسف، إلا أن المنظمة شددت على أن العدد الحقيقي للضحايا مرجح لأن يكون أعلى بكثير، فمناخ الخوف والوصم الاجتماعي وانعدام الأمن، إلى جانب محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والقانونية، يدفع العديد من الأطفال الناجين وعائلاتهم إلى الصمت وعدم الإبلاغ أو طلب المساعدة وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
قصص موجعة
المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل وصفت المشهد الإنساني في الكونغو بكلمات تعكس عمق المأساة، وأشارت إلى شهادات مقدمي الرعاية الذين يتحدثون عن أمهات يقطعن مسافات طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى العيادات، وهن يحملن بناتهن اللواتي لم يعدن قادرات على المشي بعد تعرضهن لاعتداءات جنسية وحشية، وأضافت أن كثيراً من العائلات تعيش صراعاً داخلياً قاسياً بين الرغبة في حماية أطفالها والخوف من الوصمة الاجتماعية أو الانتقام في حال الإبلاغ عن الجناة.
وأكدت راسل أن هذه القصص لا تروى في منطقة واحدة فقط، بل تتكرر في جميع المقاطعات، ما يكشف أزمة متجذرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانعدام الأمن وعدم المساواة وضعف أنظمة الدعم والحماية الاجتماعية.
مناطق الخطر الأعلى
بحسب اليونيسف تتركز النسبة الكبرى من الحالات المبلغ عنها في مقاطعات شمال كيفو وجنوب كيفو وإيتوري، حيث يؤدي الصراع المسلح المستمر وحالات النزوح الواسعة وضعف أنظمة الحماية إلى تعريض الأطفال لمخاطر جسيمة، في هذه المناطق يصبح الأطفال، خصوصاً الفتيات، أكثر عرضة للاستغلال في ظل تفكك المجتمعات المحلية وغياب الأمن.
لكن التقرير يؤكد أن الأزمة لا تقتصر على الشرق المضطرب فقط، فقد جرى توثيق أعداد كبيرة من حالات العنف الجنسي أيضاً في العاصمة كينشاسا وفي إقليم كاساي، حيث يسهم الفقر وانعدام الأمن الغذائي والتسرب المدرسي في زيادة هشاشة الأطفال، ويفتح الباب أمام الاستغلال والزواج المبكر والعمل القسري.
الفئات الأكثر هشاشة
تشير بيانات اليونيسف إلى أن الفتيات المراهقات ما زلن الفئة الأكثر تضرراً في جميع أنحاء الكونغو، إذ يمثلن النسبة الكبرى من ضحايا الاعتداءات الجنسية، ومع ذلك تلفت المنظمة إلى أن الفتيان ليسوا بمنأى عن هذه الجرائم، وأن حالات الاعتداء عليهم غالباً ما تكون أقل إبلاغاً بسبب وصم اجتماعي مضاعف.
كما يواجه الأطفال ذوو الإعاقة مخاطر متزايدة، حيث تؤدي الحواجز الجسدية والاجتماعية والتواصلية إلى رفع مستوى تعرضهم للعنف، وفي الوقت نفسه تقيد قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الطبية والدعم النفسي والعدالة، هؤلاء الأطفال يجدون أنفسهم في حلقة مغلقة من الإقصاء والانتهاك دون حماية كافية.
تراجع الخدمات في وقت حرج
رغم الجهود التي تبذلها اليونيسف بالتعاون مع الحكومة وشركائها للوصول إلى الأطفال المتضررين عبر خدمات تركز على احتياجات الناجين، فإن الواقع الميداني يزداد صعوبة، فقد أدى انعدام الأمن المستمر إلى جانب خفض التمويل العالمي إلى إجبار العديد من المساحات الآمنة والعيادات المتنقلة وبرامج الحماية المجتمعية المدعومة من اليونيسف على تقليص أنشطتها أو إغلاقها بالكامل.
وبحلول منتصف عام 2025 لم يتم تمويل سوى 23 في المئة من تدخلات مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو تراجع حاد مقارنة بعام 2022 بنسبة 48 في المئة، هذا النقص الحاد في التمويل يعرض مئات الآلاف من الأطفال لمخاطر إضافية، منهم نحو 300 ألف طفل في المناطق الشرقية المتأثرة بالنزاع.
مطالب عاجلة وتحذير من المستقبل
تؤكد اليونيسف أن معالجة هذه الأزمة تتطلب تحركاً فورياً وشاملاً. فالمنظمة تطالب بإنهاء جميع أشكال العنف الجنسي ضد الأطفال ومنعها بشكل كامل بما يتماشى مع التشريعات الوطنية والالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي، كما تدعو إلى توسيع نطاق خدمات الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، بحيث تكون هذه الخدمات قادرة على تلبية الاحتياجات الخاصة للأطفال الناجين، سواء من حيث الرعاية الصحية أو الدعم النفسي أو الحماية القانونية.
وتشدد المنظمة أيضاً على أهمية تعزيز المساءلة من خلال التحقيق الجاد في الانتهاكات وملاحقة الجناة قضائياً، إلى جانب تحسين آليات جمع البيانات والإبلاغ عنها لضمان فهم أدق لحجم المشكلة، وفي الوقت نفسه تطالب بزيادة الاستثمار في خدمات الحماية وجهود الوقاية المجتمعية وضمان استدامتها على المدى الطويل، باعتبارها خط الدفاع الأول عن الأطفال.
وفي هذا السياق أكدت كاثرين راسل أن التصدي لأزمة العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية لا يمكن أن يتم دون التزام حقيقي بالقانون الدولي، خصوصاً في مناطق النزاع، وشددت على أن محاسبة الجناة ليست خياراً بل ضرورة، وأن حصول النساء والأطفال على الحماية والدعم حق أساسي لا يقبل التأجيل.
تعد جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكثر الدول الإفريقية تأثراً بالنزاعات المسلحة الممتدة منذ عقود، ما أسهم في إضعاف مؤسسات الدولة وأنظمة الحماية الاجتماعية. ويعيش ملايين الأطفال في بيئات تتسم بالفقر المدقع والنزوح وانعدام الأمن، وهي عوامل تزيد من مخاطر تعرضهم للعنف والاستغلال، وتعمل اليونيسف في البلاد منذ سنوات على تقديم خدمات الحماية والتعليم والصحة للأطفال، إلا أن اتساع رقعة الاحتياجات وتراجع التمويل الدولي يشكلان تحدياً متزايداً أمام الاستجابة الإنسانية، في وقت تتصاعد فيه المؤشرات على أن العنف الجنسي بات أحد أخطر التهديدات المباشرة لمستقبل جيل كامل من الأطفال.










