«فورين أفيرز»: تمويل التكيف مع المناخ يتراجع رغم تصاعد الكوارث البيئية
«فورين أفيرز»: تمويل التكيف مع المناخ يتراجع رغم تصاعد الكوارث البيئية
عجزت الحكومات حول العالم عن تحقيق تقدم ملموس في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، مما أدى إلى تراجع فرص تحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، الذي يهدف إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وبحسب مجلة "فورين أفيرز" أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجهود الأمريكية لمكافحة التغير المناخي، حيث انسحب من الاتفاقية في أول يوم له في منصبه، كما ألغى مبادرات حكومية كانت تهدف إلى قياس الأضرار طويلة الأمد الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.
اتجهت بعض الدول إلى تبني سياسات مماثلة، مما زاد من صعوبة تحقيق التقدم المطلوب في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، وعلى الرغم من المحاولات المتكررة للتخفيف من آثار تغير المناخ، فإن التعامل مع تداعياته بات أكثر تعقيدًا.
تفاقم تداعيات تغير المناخ
شهدت العديد من الدول تأثيرات مناخية متطرفة، شملت موجات جفاف طويلة، وارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، وأمطارًا غزيرة، وحرائق غابات مدمرة، وارتفاع مستوى سطح البحر.
تطلبت هذه الظواهر استثمارات كبيرة في تحسين البنية التحتية والتخطيط المناخي، إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال لا تزال متأخرة مقارنة بجهود الحد من الانبعاثات.
وقد تأخرت إجراءات التكيف مع تغير المناخ في جميع المجالات، سواء على مستوى التمويل أو التنفيذ أو الدعم السياسي، حيث ظلت محدودة النطاق وركزت بشكل أساسي على التعامل مع الكوارث الأخيرة دون وضع استراتيجيات طويلة الأجل.
تصاعد أزمة الاحتباس الحراري
اكتشف العلماء منذ القرن التاسع عشر أن ثاني أكسيد الكربون يحتجز الحرارة في الغلاف الجوي، حيث توصلت العالمة يونيس فوت عام 1856 إلى أن زيادة تركيز هذا الغاز تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ومع ذلك، لم يتحرك المجتمع الدولي لمناقشة القضية بشكل رسمي إلا في السبعينيات، ولم تبدأ الحكومات في الالتزام بخفض الانبعاثات إلا بعد توقيع اتفاقية باريس 2015.
وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عام 2018 من أن تجاوز 1.5 درجة مئوية من الاحترار العالمي لفترة طويلة سيؤدي إلى آثار كارثية، تشمل انهيار الأنظمة البيئية.
وأكدت (IPCC)، أن كل زيادة طفيفة في درجات الحرارة ستؤدي إلى تفاقم التأثيرات السلبية بشكل كبير.
تصاعد الانبعاثات الكربونية
واصلت مستويات الغازات الدفيئة ارتفاعها، حيث أظهرت عينات الجليد من القارة القطبية الجنوبية أن نسب الكربون الحالية هي الأعلى منذ 800 ألف عام.
وفي عام 2024، سجل العالم أكبر ارتفاع سنوي في درجات الحرارة منذ بدء تسجيل مستويات ثاني أكسيد الكربون عام 1958 في مرصد ماونا لوا بهاواي.
وأعلنت ناسا أن درجة الحرارة العالمية تجاوزت 1.5 درجة مئوية في عام 2024، بينما أكد مشروع "متتبع العمل المناخ" العلمي أن أي دولة لم تحقق أهداف اتفاقية باريس.
كما شهدت الفترة من يونيو 2023 إلى سبتمبر 2024 ارتفاعًا غير متوقع في درجات الحرارة، ما تجاوز توقعات النماذج المناخية وأثار قلق العلماء.
كوارث مناخية غير مسبوقة
تسببت التغيرات المناخية في فيضانات مدمرة اجتاحت البرازيل وإسبانيا، وحرائق غابات واسعة النطاق في كندا وتشيلي، فضلًا عن جفاف قاسٍ ضرب منطقة حوض الأمازون.
كما سجلت المحيطات أعلى درجات حرارة لها منذ 400 عام، مما أدى إلى تدمير واسع للشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني العظيم بأستراليا، حيث انخفض الغطاء المرجاني بنسبة 41% خلال عام 2024، وهي أكبر خسارة مسجلة منذ بدء عمليات المراقبة في الثمانينيات.
وفي المحيط الأطلسي، وصلت درجات حرارة سطح البحر إلى مستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى تكوّن 18 إعصارًا مداريًا، بما في ذلك إعصار بريل، الذي أصبح أول إعصار من الفئة الخامسة يتشكل مبكرًا بالمنطقة.
واجتاح إعصار هيلين، وهو إعصار من الفئة الرابعة، مناطق تبعد 300 ميل داخل الولايات المتحدة، متسببًا في أضرار بالغة لم تشهدها هذه المناطق من قبل.
وبلغ إجمالي الأضرار الناجمة عن الأعاصير في الولايات المتحدة خلال 2024 حوالي 500 مليار دولار، وفقًا لتقديرات "أكيوويذر" ولا تزال كاليفورنيا تعاني من موسم حرائق مستمر، تسبب في تدمير أجزاء من لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة أمريكية.
وأكدت خبيرة المناخ فريدريكه أوتو، أن "تغير المناخ لم يعد تهديدًا مستقبليًا، بل أصبح حقيقة واقعة".
ضرورة تعزيز استثمارات التكيف
رغم التقدم في التنبؤات الجوية وتحسين أنظمة الإنذار المبكر، لا تزال الجهود العالمية للتكيف مع تغير المناخ غير كافية، فقد تلقت مشاريع التكيف أقل من 10% من التمويل العالمي المخصص للمناخ، في حين تم توجيه الغالبية العظمى من الاستثمارات نحو التخفيف من الانبعاثات.
وأظهرت دراسات أن كل دولار يُستثمر في تعزيز البنية التحتية المقاومة للكوارث يمكن أن يوفر ما يصل إلى 13 دولارًا من الخسائر المحتملة في المستقبل، ورغم ذلك، فإن الاستثمارات في هذا المجال لا تزال غير كافية.
وتطلبت مواجهة آثار تغير المناخ نهجًا مزدوجًا يجمع بين تقليل الانبعاثات وتعزيز استراتيجيات التكيف، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين نماذج التنبؤ بالمناخ، واستخدام الذكاء الاصطناعي، وتعزيز البنية التحتية المقاومة للكوارث.
ورغم التحديات العديدة، لا يمكن إهمال سياسات التكيف، حيث يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية العالمية لمكافحة الاحتباس الحراري، إن تجاهل هذا الجانب سيجعل العالم أكثر عرضة للكوارث المناخية، مما يعرض حياة الملايين ومصادر رزقهم للخطر.