إنجازات مهمة وانتقادات مستمرة.. ماذا تَحقَّق للأمازيغية في المغرب؟
إنجازات مهمة وانتقادات مستمرة.. ماذا تَحقَّق للأمازيغية في المغرب؟
يستمر ملف النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين في المغرب وتثمينهما في تسجيل انتقاداتِ نشطاء مغاربة-أمازيغ، وجهات مدنية أمازيغية في البلاد، بخصوص ما يعدّونه "بطئاً وتماطلاً حكوميّاً" في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإدراجها في مجالات الحياة العامة، رغم مرور 14 عاماً على إقرارها إلى جانب العربية لغة رسمية للدولة في دستور 2011، وصدور القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل طابعها الرسمي منذ عام 2019.
وبدأ مسار النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين في المغرب وتثمينهما مع خطاب الملك محمد السادس، في 17 أكتوبر عام 2001 بأَجْدِيرْ-خْنِيفْرَة (وسط)، الذي أكد فيه أهمية هذه اللغة باعتبارها مكوناً أساسيّاً للهوية المغربية، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (رسمي)، وإدراج اللغة الأمازيغية في التعليم والإعلام، مروراً بتنصيص دستور 2011 على أن الأمازيغية تعد إلى جانب العربية لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة بدون استثناء، وأن قانوناً تنظيمياًّ يحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، لكي تتمكن من القيام مستقبلاً بوظيفتها بصفتها لغة رسمية، وصولاً إلى إقرار الملك في مايو 2023 رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، ما عدّه عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أحمد بوكوس، مسلسلاً وزخماً من المنجزات، يجعل من المغرب قدوة في مجال إقرار الحقوق اللغوية والثقافية على مستوى المنطقة بأكملها.
وانتقد بيان المؤتمر الوطني السابع للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، الذي عقد يومي 14 و15 يونيو الجاري، "بطء وتماطل الدولة في ترسيم فعلي وعادل للأمازيغية"، ورفَض جميع "أشكال التمييز والإقصاء، الذي ما زال يطولها على مستوى السياسات الرسمية".
وتواصلت منصة "جسور بوست" مع رئيس المكتب التنفيذي للشبكة، يوسف لعرج، وطلبت منه تقديم تقييمٍ للمسار، الذي قطعته الدولة المغربية منذ عام 2001 في النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين وتثمينهما، وشروعها (الدولة) في العمل على تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بعد صدور دستور 2011، وتعهد (يوسف لعرج) بتقديم التصريحات عبر واتساب، لكنه لم يفعل، وعاودت (جسور بوست) الاتصال به هاتفيّاً، وأرسلت إليه عدداً من الرسائل، التي اطلع عليها، لكنه لم يرد.
حصيلة متواضعة جدّاً
قال الناشط والباحث المغربي-الأمازيغي، أحمد عصيد، إن حصيلة تدبير الشأن الأمازيغي في المغرب متواضعة جدّاً، بسبب عدم التزام المؤسسات الحكومية بتعهدات الدولة، موضحاً أن الأمازيغية قطعت منذ عام 2001 مسلسلاً يخص إدراجها في مؤسسات الدولة بالبلاد، وذلك بعد الاعتراف السياسي بها في الخطاب الملكي التاريخي بأجدير-خنيفرة (وسط المغرب)، في 17 أكتوبر 2001.
وتابع عصيد، في حديث مع "جسور بوست"، أن الأمازيغية أدرجت في التعليم بالمغرب سنة 2003، وفي الإعلام سنة 2006، وأطلقت قناة تلفزيونية للأمازيغية سنة 2010 (القناة الثامنة-تَمَازِيغْتْ/حكومية)، ثم أدرجت الأمازيغية في الدستور المغربي سنة 2011، قبل أن يصدر في سنة 2019 قانون تنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي (أي الأمازيغية)، مؤكداً أن هذه المرتكزات السياسية والمؤسساتية متوفرة، لكن الحصيلة هزيلة، ولا تتعدى 10% تقريباً.
عقلية ضد التغيير وسنوات ضائعة
أبرز عصيد أن السبب وراء هذه الحصيلة الهزيلة هو من جِهَةٍ وجود عقلية ممانعة للتغيير، تعرقل مختلف القطاعات، وليس فقط الأمازيغية، إذ هناك دائماً، وفقه، قرارات ديمقراطية تتخذها الدولة، وفي المقابل هناك جيوب مقاومة وممانعة ضد هذه القرارات داخل المؤسسات، ما يُقَزِّمُ الحصيلة للأسف.
ومن جِهَةٍ ثانية، أرجع عصيد هزالة حصيلة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب إلى أن هناك 10 سنوات مرت فارغة من أي تفعيل، خلال فترة ترؤس الحكومة من قِبل حزب العدالة والتنمية، الذي وصفه المتحدث بـ"حزب الإخوان المسلمين" (حزب مغربي إسلامي، قاد الحكومة المغربية لولايتين متتاليتين؛ الأولى من يناير 2012 إلى أبريل 2017، وترأسها عبد الإله بنكيران، والثانية من أبريل 2017 إلى أكتوبر 2021، وترأسها سعد الدين العثماني، وحاليّاً الحزب في المعارضة)، ما أضاع، بحسب المصدر نفسه، 10 سنوات من الزمن الحكومي في ما يخص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وأردف عصيد أن الحكومة المغربية الحالية (أكتوبر 2021-الآن، ويقودها حزب التجمع الوطني للأحرار-ليبرالي) هي أول حكومة مغربية خصصت ميزانية أو صندوقاً للأمازيغية، وأنها شرعت فعلاً في تفعيل طابعها الرسمي (أي الأمازيغية) بعض الشيء، لكن هذا أتى، وفقه، متأخراً، بعد إضاعة مدة طويلة عقب دَسْتَرَةِ الأمازيغية، مبرزاً أنهم كانوا يتوقعون أنه بعد اعتراف الدستور بها في 2011، سيتم الشروع في تفعيل طابعها الرسمي في 2012-2013، لكن هذا لم يحدث، لأن ولايَتَيْ حزب العدالة والتنمية عرقلتا هذا الأمر، وأن هناك الآن نيات حسنة أُعلنت من طرف الحكومة المغربية الحالية، وتم تخصيص ميزانية، وإصدار بعض القرارات، لكن الأمر يبقى، بحسبه، محدوداً.
"قلة" المدرِّسين و"ضعف" الحضور الإعلامي
أوضح عصيد أن نسبة الزيادة في عدد مدرسي اللغة الأمازيغية في المغرب لا تتعدى 600 أستاذ في السنة، بينما المغرب في حاجة إلى 2000 أستاذ سنويّاً، إذا أراد الوصول خلال خمس سنوات إلى تعميم تدريس الأمازيغية في المستوى الابتدائي، وأن المغرب في حاجة إلى 18 ألف مدرس للغة الأمازيغية في هذا المستوى فقط (أي الابتدائي)، وأن الاكتفاء بزيادة 600 أستاذ في السنة ستجعل تعميم تدريس اللغة الأمازيغية يحتاج إلى سنوات طويلة.
وبيَّن عصيد أن كل القنوات الإذاعية والتلفزيونية المغربية لديها دفاتر تحملات تتعهد فيها بإنتاج 30% من البرامج بالأمازيغية، لكن لا توجد، وفقه، قناة تنتج حتى 1%، مبرزاً أن هذه القنوات لم تُفَعِّل تعهداتها، ولا أحد يحاسبها، وأنه لا يوجد ربط للمسؤولية بالمحاسبة، في حين أن دستور 2011 ينص بوضوح على هذا المبدأ (ربط المسؤولية بالمحاسبة)، وأن قانون الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري "الْهَاكَا" (رسمية) ينص على ضرورة احترام التنوع الثقافي واللغوي للبلد، وأن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب، الصادر في 2019، ينص في المادتين 12 و13 على ضرورة رفع كل القنوات الإعلامية لنسبة بث برامجها باللغة الأمازيغية.
وختم عصيد تصريحاته لـ"جسور بوست" قائلاً إن عدم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب، وعدم تخصيص الإمكانيات الضرورية، ووجود عقلية ممانعة أو جيوب مقاومة، وعدم قيام الحكومة بشراكات وتعاون مع المجتمع المدني الأمازيغي الكبير والواسع، لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، يمكن معه القول إن القرار الرسمي الخاص بالأمازيغية في المغرب ظل قراراً أو اعترافاً مع تحجيم التنفيذ.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط (المؤسسة الرسمية المكلفة بالإحصاء في المغرب) أنها توصلت في آخر إحصاء عام للسكان والسكنى (أجري في عام 2024، ويُجرَى كل 10 أعوام) إلى أن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب هي 24,8%.
واتصلت منصة "جسور بوست" هاتفيّاً عدة مرات بعميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (رسمي)، أحمد بوكوس، للتعليق على ما جاء في بيان المؤتمر الوطني السابع للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، الذي تحدث عن "بطء وتماطل الدولة في الترسيم الفعلي للأمازيغية"، وعلى تعبير نشطاء مغاربة-أمازيغ، وجهات مدنية أمازيغية في المغرب، عن الرأي نفسه، لكنه لم يرد.
زخمٌ من المنجزات
في تصريحات سابقة أدلى بها بوكوس لـ"جسور بوست"، نُشِرت ضمن مادة صحفية حول "إقرار ملك المغرب، محمد السادس، في ماي 2023، رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، ومسار تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في المغرب"، قال (بوكوس) إن هذا مسلسلٌ بدأ منذ سنة 2001 مع إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي اشتغل على اللغة الأمازيغية، وعلى إدماجها في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وفي الإعلام والتواصل، وعلى الدعم الموجَّه لمنتجي الثقافة الأمازيغية من فنانين، وباحثين، وغيرهم.
وأضاف بوكوس أن الحصيلة واضحة، وأنهم استطاعوا أن يبدعوا في مجال كتابة الأمازيغية بحرف تِيفِينَاغْ، واستطاعوا بمعية وزارة التعليم أن يدرجوها في المدرسة والجامعة المغربيتين، واستطاعوا بمعية وزارة الاتصال أن يدرجوها في وسائل الإعلام، خاصة إنشاء القناة الثامنة الناطقة بالأمازيغية.
وأبرز بوكوس أن ما يتوج هذا المسلسل والزخم من المنجزات، هو تكريس اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، موضحاً أن هذه كلها مكاسب ومكتسبات يعتزون بها، وتجعل من المغرب قدوة في مجال إقرار الحقوق اللغوية والثقافية على مستوى المنطقة بأكملها.
حدث تاريخي
أكد بوكوس أن إقرار الملك لرأس السنة الأمازيغية، الذي يحدِّدونه في 14 يناير، حدث تاريخي، لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب يحتفل المغاربة جميعاً موحدين حول وحدة الثقافة المغربية بروافدها المختلفة، وأن هذا الحدث له صبغة وطنية، إذ يهم الأمر، بحسبه، جميع طبقات ومكونات المجتمع المغربي، مبرزاً أنه كذلك حدث رسمي، بحيث لم يعد الأمر موكولاً لاختيارات شخصية، أو مُسنداً إلى نزعات طائفية، أو أشياء من هذا القبيل، وإنما هو اعتراف من طرف الدولة، ومن قِبل أعلى سلطة في البلاد (الملك)، كما أنه يوم عُطْلَةٍ.
وبيَّن بوكوس أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية، في المغرب، يعود إلى عهود قديمة يفتخرون بالانتماء إليها، ويفتخرون بعادات وطقوس المجتمعات القروية عبر العالم.
ويحتفل أمازيغ شمال إفريقيا (دول المغرب العربي ومصر) برأس السنة الأمازيغية في الفترة ما بين 12 و14 يناير من كل عام، وهو احتفال ببداية السنة الزراعية، كما يخلدون فيه ذكرى "اعتلاء الملك الأمازيغي، شيشنق، عرش مصر القديمة سنة 950 قبل الميلاد"، وبلغ التقويم الأمازيغي عامه الـ2975 في بداية سنة 2025.
ويختلف المؤرخون حول طريقة وصول شيشنق إلى العرش الفرعوني، بين من يقول إنه "انتصر على رمسيس الثالث، ثم استولى على الحكم"، ومن يؤكد "أنه وصل إليه بطريقة سلمية".
ولا يزال الأمازيغ يعيشون حتى الآن في منطقة سيوة المصرية، كما أن الملكة كليوباترا سيليني الثانية، ابنة الملكة المصرية الشهيرة كليوباترا، كانت متزوجة من الملك الأمازيغي، يوبا الثاني، الذي حكم مملكة كانت تدعى "موريطنية" في شمال إفريقيا.
مواقف ملكية إيجابية
من جانبه، قال الفاعل الحقوقي المغربي-الأمازيغي، عبد الواحد درويش، إن مسار الاهتمام والنهوض بالأمازيغية في المغرب بدأ منذ أول خطاب للعرش ألقاه جلالة الملك محمد السادس (يلقي ملك المغرب في نهاية يوليو من كل عام خطاباً يبثه التلفزيون، بمناسبة ذكرى اعتلائه سدة الحكم في 23 يوليو 1999، ويسمى خطاب عيد العرش)، إذ قدم فيه إشارات إيجابية، من أجل النهوض بالأمازيغية؛ لغة، وثقافة، وحضارة، قبل أن يُلْقِيَ الخطاب الملكي التاريخي بأجدير (في 17 أكتوبر 2001)، ويتم إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (رسمي)، وإدماج الأمازيغية في التعليم، وإنشاء القناة الأمازيغية (القناة الثامنة-تَمَازِيغْتْ/حكومية)، ثم انتهى هذا المسار، بحسب درويش، باعتراف الدستور بالأمازيغية باعتبارها مكوناً من مكونات الهوية المغربية، وجعلِها لغة رسمية للبلاد (إلى جانب العربية)، وتنصيصه على القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وتابع درويش، الذي أوضح أنه من المتتبعين لمسار الترافع من أجل الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في المغرب، وأحد المساهمين في مرحلة معينة منه، أن مسار الاهتمام والنهوض بالأمازيغية في المغرب، الذي تحدث عنه، إيجابي جدّاً، وتحققت خلاله مجموعة من الأمور، وأن المواقف الإيجابية جدّاً لجلالة الملك لعبت فيه دوراً أساسيّاً ورئيسيّاً، مبرزاً أنهم لاحظوا أنه كلما تحققت مسائل إيجابية للأمازيغية تكون بمبادرة من الملك.
التزام حكومي "غير كافٍ"
أضاف درويش، في حديثه مع "جسور بوست"، أنهم لاحظوا في المقابل أن الحكومات المغربية المتعاقبة لم تلتزم بتوجيهات الملك في هذا الملف بالشكل الكافي، وأنهم لاحظوا في مراحل معينة أن الحكومتين اللتين جاءتا مباشرة بعد دستور 2011 كان فيهما ما يمكن تسميته بالتماطل، والتسويف، والتلكؤ، في تنزيل ما نص عليه الدستور بخصوص القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وأردف درويش أن الحكومة المغربية الحالية، التي بدأت ولايتها في أكتوبر 2021، أقرت في برنامجها بأنها ستتجاوز هذه المرحلة من التلكؤ، والتسويف، الذي كانت تقوم به الحكومتين السابقتين خلال ولايتين، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، مبرزاً أنه كان هناك في بداية ولاية الحكومة الحالية، التي يرأسها عزيز أخنوش، برنامج متفائل في هذا الجانب، وأنها أقرت صندوقاً للنهوض بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بميزانية في حدود مليار درهم مغربي (نحو 109 مليون دولار أمريكي ونصف)، وأنهم اعتبروا أن هذه مسائل إيجابية في فترة هذه الحكومة، لكنهم تفاجؤوا مرة أخرى بأن ما تحقق ليس في مستوى الوعود، التي قدمتها.
"تراجعُ" الأمازيغية
زاد درويش أنهم لا زالوا ينتظرون تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية (رسمي)، الذي بقي، وفقه، مُعَلَّقاً طيلة ولايات هذه الحكومات الثلاث، وأنهم لاحظوا أيضاً تراجعاً كبيراً في تدريس الأمازيغية، وكذا تراجعها على مستوى الإعلام، موضحاً أن القناة الأمازيغية، التي أُعِدَّ لها دفتر تحملات، من أجل البث 24 ساعة في اليوم، أصبحت تبث الآن نصف هذه المدة فقط.
وتابع درويش أنهم لاحظوا كذلك تراجعاً للأمازيغية على مستوى قطاعات أخرى، من بينها، بحسبه، القضاء والعدل، والصحة، والخدمات العمومية الأخرى، باستثناء بعض المسائل، التي لا تخرج عن نطاق علامات التشوير الطرقي، وبعض الكتابات، التي قال إنهم يجدون فيها أخطاءً كبيرة جدّاً، على واجهات المؤسسات وفي الطرقات.
تقييم "سلبي جدّاً"
أفاد درويش بأنه بناءً على ما ذكره، فإن تقييمهم لهذا الوضع سلبي جدّاً، خاصة أن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب أقر وجوباً بضرورة وضع جميع القطاعات الحكومية، والمؤسسات المنتخبة، والمجالس الترابية، وباقي الهيئات الدستورية، لمخططات عمل من أجل ذلك (أي تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية) قبل 26 مارس 2020، لكن مرت أزيد من 5 سنوات بعد هذا التاريخ، بينما القطاعات الحكومية، والمؤسسات الدستورية، والمجالس المنتخبة، وباقي القطاعات، التي وضعت هذه المخططات، قليلة جدّاً.
وختم درويش تصريحاته لـ"جسور بوست" بالقول إن هذه أدلة قطعية صريحة وواضحة على أنه ليس هناك أي تعامل جدي من طرف الحكومات المتعاقبة مع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب، وهو ما يمكن أن يعتبر، وفقه، مسّاً صريحاً بالدستور، وبجميع الالتزامات، التي التزمت بها الحكومات بخصوص هذا الملف.
ونُشر القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، بتاريخ 26 سبتمبر 2019، وينص على أن التفعيل والإدماج الكلي يجب أن يتما في ظرف 15 عاماً بعد مصادقة البرلمان المغربي على القانون التنظيمي المذكور، ونشره في الجريدة الرسمية.
ومن جهته، قال الناشط المغربي-الأمازيغي، عادل تنلوست أداسكو، إن مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في المغرب لم ينطلق بعدُ بالمستوى المطلوب، رغم مرور 14 سنة على صدور دستور 2011، الذي جعل الأمازيغية لغة رسمية للبلاد (إلى جانب العربية)، ونص على أنه لا بد من قانون تنظيمي يحدد كيفية ومراحل تفعيلها، لكن هذا الأخير لم يَصْدُر إلَّا في 2019.
"عَقْدٌ من النسيان" الحكومي
تابع أداسكو، في حديثه مع "جسور بوست"، أن هذا أضاع 10 سنوات، خلال ولايَتَيْ الحكومتين، اللتين قادهما حزب العدالة والتنمية، موضحاً أن هاتين الولايتين الحكوميتين لم تشهدا تفعيل الدستور في الجانب المتعلق بالأمازيغية، وأن حكومتَي حزب العدالة والتنمية نسيتاها في كل القطاعات، ولذلك تراجع تفعيل رسمية اللغة الأمازيغية في التعليم، والإعلام، وكل مرافق الدولة، وأن حكومة سعد الدين العثماني (أبريل 2017 إلى أكتوبر 2021) لم تُفَعِّلْ القانون التنظيمي للأمازيغية، الذي صدر في 2019، إذ وضعت، بحسبه، مخططاً لتنفيذ التفعيل، ثم انتهت ولايتها.
وأردف أداسكو أنه في 2021 أتت حكومة عزيز أخنوش (رئيس الحكومة المغربية الحالية بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار-ليبرالي)، التي قال إنها أول حكومة مغربية بدأت تتحدث عن الجانب المالي في ملف الأمازيغية، مبيِّناً أن أول قانون مالية (الموازنة العامة) يعترف بالأمازيغية جاء في عهد هذه الحكومة، بينما لم تكن الحكومات السابقة تدرجها، وفقه، في قانون المالية، الذي لا يُنَفَّذُ أي قرار تصدره الدولة إلا إذا كان موجوداً فيه.
إجراءات "قليلة وضئيلة"
أضاف أداسكو أن الحكومة المغربية الحالية هي أول حكومة وفرت ميزانية للأمازيغية، لكن تفعيلها لطابعها الرسمي بطيء في التعليم، رغم أنها أصدرت مذكرة وزارية تخص هذا الجانب، لأول مرة منذ سنة 2012، وتم رفع عدد أساتذة الأمازيغية، وتكوين مترجمين وعدد من موظفي الإدارات، لاستقبال مواطنينَ بهذه اللغة، وتمت كتابة أسماء عدد من المؤسسات على واجهاتها بالأمازيغية (إلى جانب العربية والفرنسية)، وكذا بالنسبة لعلامات التشوير الطرقي، لكن هذه الأمور تبقى، بحسب أداسكو، قليلة وضئيلة مقارنة بالوضع الرسمي للغة الأمازيغية في البلاد.
وبيَّن أداسكو أن الوضع الرسمي للغة الأمازيغية في المغرب يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وتفعيل جدي، متابعاً أن هذه الجدية غير موجودة إلى حد الآن، رغم أفضلية الحكومة المغربية الحالية في هذا الملف مقارنة مع الحكومات السابقة، لكنها لم تصل بعدُ إلى المستوى المطلوب، والدليل على ذلك، وفقه، هو أن المراحل الموجودة في القانون التنظيمي للأمازيغية لم تُفَعَّل، إذ ينص مثلاً، بحسبه، على تعميم تدريسها في المستوى الابتدائي خلال خمس سنوات، مبرزاً أن هذه السنوات الخمس انتهت في عام 2024، في حين لا تتعدى نسبة تدريس الأمازيغية في المستوى الابتدائي اليوم ما بين 10 و11%.
كلمات "غير دستورية"
كما سلط أداسكو الضوء على الاستمرار في استعمال بعض المفردات والكلمات، التي وصفها بأنها غير دستورية، ضارباً المثل بعبارة "المغرب العربي"، التي قال إن الدستور المغربي ألغاها، ولم تعد موجودة رسميّاً، واستبدلت بـ"الاتحاد المغاربي/المغرب الكبير"، في إشارة من أداسكو إلى أن مواطني دول المغرب العربي ليسوا جميعهم عرباً، بل بينهم أمازيغ أيضاً، ولذلك يجب إطلاق اسم "الاتحاد المغاربي أو المغرب الكبير" على المنطقة بدل "المغرب العربي".
وانتقد أداسكو كذلك تحدث بعض المسؤولين الرسميين عن امتداد الدولة المغربية إلى 12 قرناً فقط إلى الوراء (منذ وصول الإسلام إلى البلاد)، في حين أن مرجعية الدولة تقول الآن إن تاريخ المغرب يمتد لآلاف السنين، وإنه يتوفر على آثار أقدم إنسان عاقل، وأقدم شواهد على وجود حضارة، وغيرها من الأمور ذات الصلة، مطالباً بتعديل درس التاريخ في إطار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي لن يتحقق، وفقه، بدون تغيير وتصحيح درس التاريخ، ليفهم الناس عراقة تاريخ المغرب، ويعرفوا أن لديه حضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ.