بهية الفتح.. فنانة مغربية حولت فرشاتها إلى صوتٍ لنساء الظل

بهية الفتح.. فنانة مغربية حولت فرشاتها إلى صوتٍ لنساء الظل
الفنانة المغربية بهية الفتح

لا تحتاج القصص الإنسانية دائماً إلى ميكروفونات ولا إلى منابر عالية، أحياناً، تكتفي بلوحة تحمل لون الألم، أو قصيدة تُخيط الكلمات بخيط الحنين، وهذا بالضبط ما تفعله بهية الفتح، الفنانة التشكيلية والشاعرة المغربية، التي اختارت أن تُقاوم بصمت، وأن تحوّل الفن من ترف نخبوي إلى رسالة شعبية، تخرج من القرى المنسية، وتعانق وجوه النساء اللواتي لم يجدن من يُنصت لوجعهن.

بهية ليست فنانة أكاديمية، ولا ابنة صالات العرض الفخمة، بل امرأة قرّرت أن تجعل من الفن طريقاً لفهم الحياة وتغييرها، فهي نموذج لفنانة تضع الإنسان في قلب الإبداع، وتحمل قضايا النساء والفتيات على طرف فرشاتها، وتكتب للمنسيات على هامش القصائد، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.

تبدأ الحكاية حيث تنبع البدايات الصادقة: طفلة في التاسعة من عمرها ترسم نخلة، أو امرأة تحمل أطفالها، أو مشهد عابر من الحياة اليومية، وعلى هامش الدفاتر المدرسية، وبدون معلم، كانت بهية تخط أولى بصماتها على طريق الإبداع، دون أن تدري أن تلك الخطوط ستكون مدخلها إلى عالم الفن.

مرت السنوات، وتغيّرت الظروف. كبرت الطفلة، تزوجت، أنجبت أطفالاً، ثم انقطعت عن الرسم. لكن كما يحدث دائماً مع الأرواح الموهوبة، جاءت صدمة حياتية أعادتها إلى ذاتها، وكانت الفرشاة هي الوسيلة، ومنذ تلك اللحظة، لم تعد بهية ترسم للمتعة، بل من أجل البقاء، من أجل التعبير، ومن أجل قول ما لا يُقال.

لوحاتها.. مرايا النساء

ليست لوحات بهية الفتح احتفاءً بجمال المرأة في صورته المثالية، بل تجسيد لواقعها المُرهق. على قماشها، تقف النساء القرويات رمزاً للصبر والقوة، يحملن أطفالاً، يحضنّ الوجع بصمت، يُقاومن التهميش بالعطاء، ويُعبرن عن ملايين النساء اللواتي لا يجدن صوتاً لوجعهن.

في لوحاتها، تطغى الألوان الترابية، تفاصيل الزي الأمازيغي، الأوشحة، الأيادي المشققة، والعيون التي تحكي كثيراً مما لا يقال. تتكرر ثيمة "المرأة الصامتة"؛ لكنها ليست ساكنة، بل صلبة مثل الجبل، شاهدة على حياة لا تُمنح فيها الكرامة بسهولة.

بهية الفتح لا تكتفي بالرسم، بل تُكمل رسالتها بالكلمة. أصدرت تسعة دواوين شعرية، من بينها "بنت آدم" و"همسات الروح"، حيث تتحوّل القصيدة إلى منبر، وإلى منصة اعتراف أنثوية.

في ديوان "بنت آدم"، تتحدث عن المرأة من داخلها، تخلع عنها كل الصور النمطية، وتعيد بناءها كياناً مستقلّاً، لا ظلَّ رجلٍ، ولا ضحية، تقول بهية: "المرأة ليست ضلعاً ناقصاً كما قيل، بل كياناً يحمل الحياة ويصونها".

وفي "همسات الروح"، تسرد تجربة الأمومة، الخوف، الانكسار، الحب، والانبعاث، لا تفصل بين الذاتي والعام، بين الوجع الشخصي ومعاناة الوطن، بين دمعة الطفلة في القرية، وصرخة الأم الفلسطينية تحت القصف.

الفن خارج الصالات الفخمة

من إيمانها بأن الجمال يجب أن يكون في كل مكان، أسّست بهية الفتح جمعية ثقافية فنية، فيها قسم للفن التشكيلي وآخر للشعر، هدفها احتضان المواهب الشابة، خاصة من النساء، وتوفير فضاء للتعبير والتمكين.

في معارضها، سواء في مسرح محمد الخامس أو في أروقة خارج المغرب، لم تكن تسعى للترف، بل لتوجيه الضوء على قضايا النساء، لا سيما في المناطق القروية.. من زواج القاصرات، إلى غياب التعليم، والعنف الرمزي، تصر بهية على أن اللوحة قد تكون أبلغ من ألف تصريح رسمي.

تقول بهية، بحرقة الأم والشاعرة معاً: "ربما لن تصل لوحاتي إلى بيوت الطين، ولا قصائدي إلى المدارس المنسية.. لكن هذا لا يسقط عني الواجب"، وتحاول أن ترسم الفتيات القرويات لا بوصفهن ضحايا، بل كائنات قادرات على الحلم، على التأجيل، على المقاومة، حتى بصمت.

وترى أن الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد المبيعات أو المهرجانات، بل بقدرته على قول ما هو صعب، وعلى جعل المهمّشين مرئيين.

الفن نوع من المقاومة

من المغرب إلى فلسطين، من السودان إلى سوريا، لا تتوقف بهية عن التعبير عن قضايا الأمة، خصوصاً النساء والأطفال، حيث تقول: "الفنان لا يستطيع إيقاف الحرب، لكنه يستطيع أن يرسم الذاكرة، أن يُذكّر العالم بمن نُسوا، أن يحوّل الحطام إلى أغنية، والألم إلى لون".

ترى أن الأمل لا يأتي من فراغ، بل من العمل الثقافي العميق، من الإبداع الصادق، ومن محاولات الفنانات أن يُبقين جذوة الحلم مشتعلة، حتى في شدة العتمة.

بهية الفتح ليست فقط فنانة أو شاعرة، هي صوت من لا صوت لهن، امرأة اختارت أن تُقاتل بريشة وقصيدة، في عالم لا ينصت كثيراً للنساء، ولا يعترف دائماً بآلام القرى، ومن خلال ألوانها وكلماتها، تفتح نوافذ على واقع غير مرئي، وتُضيء دروب الحالمات في الظل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية