"واقع يكسر البراءة".. أطفال أفغان يعودون من إيران إلى جحيم الجوع

"واقع يكسر البراءة".. أطفال أفغان يعودون من إيران إلى جحيم الجوع
ترحيل مهاجرين أفغان من إيران - أرشيف

سارت ليلى، ذات السنوات السبع، حافية القدمين مع أسرتها تحت شمس يوليو الحارقة، تعبر الحدود من إيران إلى أفغانستان وهي لا تعرف سوى كلمة واحدة تردّدها طوال الطريق: "جوعانة".. لم تكن تعلم أن ما ينتظرها على الجانب الآخر من الحدود هو الفقر ذاته، لكن دون سقف يحميها ولا رغيف يسد رمقها.

رحّلت السلطات الإيرانية خلال يونيو الماضي آلاف اللاجئين الأفغان قسرًا، استجابة لقرار رسمي يطالبهم بمغادرة البلاد قبل السادس من يوليو الجاري.. لم تأتِ عمليات الترحيل على دفعات منظمة، بل جاءت قاسية، وسريعة، ومجردة من أي بُعد إنساني، بحسب وكالة “أنباء المرأة”.

قلوب تغرق في القلق

أجبرت آلاف الأسر على ترك كل ما تملك، من منازل وممتلكات وأحلام، والعودة إلى أفغانستان المنهكة اقتصاديًا، حيث تنتظرهم ظروف لا تليق بالبشر، وفق ما أكدت منظمة "أنقذوا الأطفال"، التي دقّت ناقوس الخطر في بيان حديث، محذّرة من كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد ملايين الأطفال.

وقالت سميرة سيد رحمان، مديرة الدعم في المنظمة، إن ما يحدث “مقلق للغاية”، مشيرة إلى أن آلاف العائلات عادت بلا عمل، ولا مأوى، ومع أطفال يعانون الجوع والتعب، بل وحتى من ضربة شمس. 

وأضافت: "ترى أطفالًا هزيلين يزحفون على الحدود مع أمهاتهم، لا يملكون شيئًا سوى أجسادهم المنهكة وأعينهم المليئة بالدموع".

وطن بلا غذاء ولا أمل

واجهت أفغانستان خلال السنوات الأخيرة أزمة اقتصادية خانقة، زادها الانسحاب الغربي، وقطع المساعدات، والعقوبات الدولية. 

ومع تولي حركة طالبان السلطة، تراجعت فرص العمل، وانهارت البنى التحتية، وباتت البنوك شبه مشلولة، ومع ارتفاع التضخم، وغياب أي شبكة أمان، لم يعد بمقدور الأسر تلبية أبسط الاحتياجات اليومية.

ويعاني أكثر من 1.5 مليون طفل في أفغانستان حاليًا من سوء تغذية حاد، بحسب تقارير الأمم المتحدة، وهو رقم كان مرتفعًا أصلًا قبل ترحيل الموجة الأخيرة من إيران، ومع هذا النزوح الجديد، يُخشى من تفاقم الأوضاع نحو المجاعة الكاملة.

حين يصبح الطعام حلمًا

لا يقتصر سوء التغذية على فراغ المعدة، بل يضرب جهاز المناعة، ويشوّه نمو الأطفال، ويصيبهم بأمراض مثل فقر الدم وتأخر النمو، ما يجعلهم عرضة للوفاة المبكرة أو الإعاقة الدائمة، هذا ما وصفته منظمات الإغاثة بـ"القاتل الصامت" الذي يُغتال به جيل كامل من الأطفال بصمت ودون ضجيج.

وفي مشاهد مؤلمة، يصل العائدون إلى ولايات حدودية مثل نيمروز وهرات وقندهار، حيث يفتقرون إلى أبسط الخدمات: لا ماء، لا طعام، لا رعاية، ولا أمل.. ينام الأطفال على الأرض، ويتقاسمون قطعة خبز واحدة طوال اليوم.

فاقم الترحيل القسري من إيران المأساة بشكل لا يُطاق، فالأسر المطرودة تواجه معاناة مزدوجة: فقدان كل شيء في إيران، وغياب أي شيء في أفغانستان. 

ولا تتوفر في البلاد بنى تحتية قادرة على استقبال هذا العدد الهائل من اللاجئين العائدين، في وقتٍ تضاءلت فيه المساعدات الدولية بشدة.

دعم برامج الغذاء والرعاية

دعت منظمة "أنقذوا الأطفال" جميع الوكالات الإنسانية إلى التدخل الفوري، وطلبت من المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته تجاه أطفال أفغانستان، من خلال دعم برامج الغذاء والرعاية، والضغط على الدول المجاورة لوقف الترحيل القسري.

وبينما يلهو أطفال العالم في الصيف، يلعب الأطفال الأفغان لعبة البقاء.. أطفال بلا مدارس، بلا طعام، بلا صوت، وطنهم لم يعد يسعهم، والمنفى لفظهم، والمجتمع الدولي يُراقب من بعيد… فأفغانستان اليوم ليست فقط دولة منهارة، بل مقبرة مفتوحة لأحلام الأطفال.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية