إعلان الدوحة.. هل يمهد الطريق لوقف العنف وإرساء السلام في الكونغو الديمقراطية؟
إعلان الدوحة.. هل يمهد الطريق لوقف العنف وإرساء السلام في الكونغو الديمقراطية؟
في خطوة وصفت بأنها بارقة أمل في واحدة من أعنف الأزمات الإنسانية في العالم، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة بإعلان المبادئ الموقع في العاصمة القطرية الدوحة بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو/حركة 23 مارس (M23). خطوةٌ طال انتظارها وقد تفتح نافذة جديدة نحو وقف العنف المسلح، وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان المتفاقمة، وتمهّد لاستعادة السلم الأهلي في بلد يعاني منذ عقود.
وفي بيان رسمي صدر الأحد، اعتبر غوتيريش أن توقيع إعلان المبادئ يمثّل "خطوة مهمة تفتح مسارًا نحو سلام وأمن دائمين وعودة النازحين واللاجئين"، داعيًا الأطراف كافة إلى الالتزام السريع بتنفيذ تعهداتهم، كما ثمن الأمين العام للأمم المتحدة كذلك دور دولة قطر في تسهيل هذه العملية الحساسة، مشددًا على التزام المنظمة الأممية بمواصلة دعم جهود السلام وحماية المدنيين في الكونغو بالتعاون مع السلطات الوطنية والشركاء الإقليميين والدوليين.
وفي السياق ذاته، وصف برونو ليماركيز، نائب الممثل الخاص للأمين العام ونائب رئيس بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)، الإعلان بأنه "تحول نحو تخفيف حدة التوترات وحماية المدنيين المتضررين بشدة من النزاع"، داعيًا إلى تنفيذه "في الوقت المناسب وبحسن نية".
لتقدير أهمية إعلان الدوحة، يجب العودة إلى جذور الأزمة في الكونغو الديمقراطية، التي تُعد واحدة من أطول النزاعات وأكثرها تعقيدًا في إفريقيا، فمنذ تسعينيات القرن الماضي، يعيش شرق الكونغو حالةً من عدم الاستقرار نتيجة تداخل مصالح إثنية واقتصادية وسياسية إقليمية ودولية، وتزايد نشاط الجماعات المسلحة.
حركة 23 مارس تحديدًا تشكلت عام 2012 بعد انشقاق جنود كونغوليين كانوا مندمجين سابقًا في الجيش، لتطلق تمردًا أدى إلى سيطرتها على مدينة غوما الاستراتيجية في شمال كيفو، ورغم توقيع اتفاقيات سلام لاحقة، ظلت الحركة نشطة وتحظى بدعم مزعوم من قوى إقليمية، في حين تتهم الحكومة الكونغولية الحركة بارتكاب انتهاكات خطيرة ضد المدنيين.
أرقام صادمة وأزمة إنسانية
تقدّر الأمم المتحدة أن أكثر من 7 ملايين شخص نزحوا داخليًا بسبب النزاع في الكونغو الديمقراطية، معظمهم يعيشون في ظروف إنسانية صعبة شرقي البلاد، ووفقًا لتقرير حديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن نحو 26 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في 2024، بينهم 13 مليون طفل.
تقارير المنظمات الحقوقية ترسم كذلك صورة قاتمة، فقد وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير صدر مطلع العام الجاري مئات حالات القتل العشوائي، والاغتصاب، والتجنيد القسري للأطفال من قبل جماعات مسلحة، بينها حركة 23 مارس، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عام 2023 وحده شهد أكثر من 1,000 حالة عنف جنسي مرتبطة بالنزاعات المسلحة.
هل ينجح إعلان المبادئ؟
يكتسب اتفاق الدوحة رمزية خاصة، كونه يجمع للمرة الأولى منذ سنوات بين الحكومة وتحالف نهر الكونغو/حركة 23 مارس في إطار حوار مباشر، الإعلان يلتزم فيه الطرفان بوقف الأعمال العدائية، وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، إضافة إلى الشروع في معالجة الأسباب الجذرية للصراع.
ومع ذلك، يرى خبراء أن التحديات جسيمة؛ إذ يضم شرق الكونغو أكثر من 120 جماعة مسلحة نشطة وفق تقارير مجموعة الخبراء الأممية، بينما يتهم كل طرف الآخر بخرق اتفاقيات سابقة، كما يُعقّد النزاعَ التدخلُ الإقليمي والتنافس على الثروات الطبيعية الهائلة، خصوصًا خامات مثل الكولتان والكوبالت.
دعم دولي مشروط بالنتائج
الدعم الدولي للاتفاق مشروط بالتحرك السريع على الأرض، وقد أشارت بيانات الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي إلى أهمية "تحويل الالتزامات إلى أفعال ملموسة"، بينما تحذر منظمات مثل الصليب الأحمر من أن عدم تحسن الوضع الأمني سيُفاقم مأساة ملايين النازحين ويزيد معاناتهم اليومية.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن النزاع يكلّف الكونغو الديمقراطية أكثر من 4 مليارات دولار سنويًا في صورة خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، بينما يقف أكثر من 62% من السكان تحت خط الفقر.
وعاشت جمهورية الكونغو الديمقراطية على مدى عقود أطول حرب في إفريقيا الحديثة، بدأت عام 1996 فيما عرف بالحرب العالمية الإفريقية، التي انخرطت فيها تسع دول مجاورة وخلفت قرابة 5.4 مليون قتيل حتى 2003، ومنذ ذلك الوقت، لم ينجح أي اتفاق سلام في إنهاء دوامة العنف تمامًا، بل انتقل النزاع بين فترات تصعيد وهدوء نسبي.
ونشأت حركة 23 مارس نفسها في سياق هذه الحروب والانقسامات العرقية، خاصة بين جماعات الهوتو والتوتسي، مستفيدة من هشاشة الدولة المركزية.
نظرة إنسانية.. الضحايا المنسيون
وراء الأرقام والسياسة، يعيش ملايين المدنيين في ظروف مأساوية، شهادات منظمات مثل «أطباء بلا حدود» تتحدث عن: مخيمات مكتظة، انعدام مياه الشرب النظيفة، وانتشار الأوبئة مثل الكوليرا والحصبة، ويواجه آلاف الأطفال خطر التجنيد القسري، فيما تُستهدف النساء والفتيات بالعنف الجنسي كسلاح حرب.
وتؤكد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن نصف النازحين من الأطفال، ما ينذر بجيل كامل مهدد بفقدان التعليم والأمان والاستقرار النفسي.
ورغم كل الصعوبات، يرى محللون أن إعلان المبادئ يمثل فرصة حقيقية إذا توفرت الإرادة السياسية لتنفيذه، فالمطلوب اليوم ليس فقط وقف إطلاق النار، بل أيضًا معالجة الأسباب العميقة للصراع مثل: التهميش السياسي، وغياب التنمية في شرق البلاد، وتحقيق العدالة للضحايا.
وشدد خبراء أمميون على ضرورة تفعيل آليات المحاسبة لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين، وإشراك المجتمعات المحلية والنساء والشباب في جهود المصالحة.
ويعد إعلان الدوحة خطوة شجاعة على طريق طويل وشائك، نجاحه لن يُقاس بالتصريحات بل بتحسّن حياة ملايين الكونغوليين الذين أنهكتهم سنوات الدم والنزوح، فهل ينجح الأطراف الإقليميون والدوليون في مرافقة هذا المسار حتى نهايته؟ أم ستبقى المعاناة الإنسانية عنوانًا دائمًا لشرق الكونغو؟