الإصلاح في زمن الطوارئ.. غياب الضمانات يهدد حقوق الإنسان في السلفادور
الإصلاح في زمن الطوارئ.. غياب الضمانات يهدد حقوق الإنسان في السلفادور
في خطوة وُصفت بأنها تعكس ميلاً متزايداً نحو الحكم الفردي، وافقت الجمعية التشريعية في السلفادور مؤخرًا على تعديلات دستورية مثيرة للجدل، تُغيّر بشكل جوهري تركيبة النظام السياسي والانتخابي في البلاد، لكن ما يثير القلق العميق ليس فحوى هذه التعديلات بحد ذاته، بل الطريقة التي أُقرت بها، دون نقاش عام، وبلا ضمانات دستورية كافية، وفي غياب آليات رقابة ومساءلة مستقلة.
هذه الإصلاحات، التي تأتي ضمن سلسلة تغييرات تشهدها السلفادور منذ سنوات، باتت تمثل تهديداً حقيقياً لحقوق الإنسان والديمقراطية الوليدة في هذا البلد الصغير الواقع في أمريكا الوسطى.
ومرت السلفادور بواحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية في أمريكا اللاتينية خلال الفترة من 1980 إلى 1992، راح ضحيتها أكثر من 75 ألف شخص، وقد خرجت البلاد من هذه الحرب باتفاقيات سلام شملت إصلاحات دستورية ومؤسساتية تهدف إلى إرساء الديمقراطية، والفصل بين السلطات، وضمان حقوق الإنسان.
لكن منذ تولّي الرئيس نجيب بوكيلي السلطة عام 2019، بدأت ملامح التراجع الديمقراطي تتسارع، ومع فوز حزبه "نويفاس أيدياس" (أفكار جديدة) بأغلبية ساحقة في الجمعية التشريعية عام 2021، بدأ تنفيذ أجندة إصلاحية شاملة، لكنها أُنجزت دون حوار مجتمعي أو رقابة مؤسسية فعالة.
تعديل المادة 248
أحد أبرز محاور الجدل الدستوري في السلفادور كان تعديل المادة 248 من الدستور، والتي كانت تشترط في السابق موافقة جمعيتين تشريعيتين متتاليتين على أي إصلاحات دستورية لضمان الاستمرارية والحوار والمساءلة، وقد ألغى التعديل الجديد هذا الشرط، ما سمح بتمرير التعديلات في جلسة واحدة فقط، دون فترة نقاش عام كافية أو تشاور مدني.
وفقًا لبيان نشرته منظمة العفو الدولية الأربعاء، فإن هذه الخطوة "ألغت ضمانة رئيسية سمحت رسميًا بمزيد من الرقابة العامة"، وفتحت الباب أمام "سلسلة من التغييرات دون مساءلة أو مشاركة شعبية".
يقول سيزار مارين، نائب المدير الإقليمي للأمريكتين في منظمة العفو الدولية: "الطريقة التي عُدِّل بها الدستور تكشف عن نمط من الممارسات الاستبدادية التي تسعى إلى تقويض الشروط اللازمة للتمتع الكامل بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والمشاركة في الشؤون العامة".
من التشريع إلى القمع
منذ مارس 2022، أعلنت حكومة السلفادور حالة طوارئ مستمرة بذريعة مكافحة الجريمة المنظمة. ومع أن هذه الإجراءات لاقت ترحيباً شعبياً في البداية نظرًا لتراجع معدلات الجريمة، فإنها استُخدمت أيضًا غطاءً لقمع الحريات الأساسية.
تشير تقارير حقوقية إلى أكثر من 79 ألف حالة اعتقال خلال هذه الفترة، تم تنفيذ عدد كبير منها بشكل تعسفي، شملت نشطاء، وصحفيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان. كما تم تعليق الضمانات الدستورية مثل الحق في المحاكمة العادلة، والحق في الدفاع، والسرية في التواصل بين المحامين والموقوفين.
وقد ذكرت منظمة العفو الدولية أسماء مثل روث لوبيز، وأليخاندرو هنريكيز، وخوسيه أنخيل بيريز، مثالاً على سجناء رأي في البلاد، في إشارة واضحة إلى استخدام القضاء أداة سياسية لإسكات المعارضين.
ردود فعل محلية ودولية
محليًا، أصبحت بيئة العمل المدني والحقوقي في السلفادور خانقة. فمع كل تعديل دستوري أو قانوني جديد، تُغلَق نوافذ المشاركة، وتُمارس ضغوط متزايدة على منظمات المجتمع المدني، التي بات يُنظر إليها وكأنها مصدر تهديد للدولة لا كأنها شريك في التنمية والمساءلة.
دوليًا، أعربت عدة منظمات، منها منظمة هيومن رايتس ووتش ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن قلقها من المسار الذي تسلكه السلفادور، ودعت المجتمع الدولي إلى "مراقبة الوضع من كثب"، والضغط على الحكومة للامتثال لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان.
كما أشار تقرير مشترك صادر عن المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين في الأمم المتحدة إلى أن "الإصلاحات القضائية في السلفادور أدت إلى تآكل خطِر في استقلال القضاء وفتحت الباب أمام تدخل السلطة التنفيذية في القضايا القانونية".
ديمقراطية تتراجع
تكشف هذه التحولات الدستورية المتسارعة في السلفادور عن نمط من تركيز السلطة لم نشهده منذ عقود، وهو ما قد يؤدي إلى ترسيخ نظام حكم استبدادي مقنّع بديمقراطية انتخابية، بلا ضمانات مؤسسية أو تشريعية أو مدنية حقيقية.
في ضوء ذلك، فإن صمت المجتمع الدولي أو اكتفاءه ببيانات القلق لم يعد كافياً. فالمجتمع المدني المحلي يتعرض للقمع، والحقوق الأساسية تُداس باسم الأمن والإصلاح، وإن استمرار هذا النهج دون محاسبة يُهدد بتكرار تاريخ أليم طالما حاولت السلفادور تجاوزه.
وبينما يبرر الرئيس نجيب بوكيلي هذه التعديلات بأنها جزء من "ثورة سياسية لإنقاذ البلاد"، تُظهر الوقائع أن ما يجري هو تهميش للمجتمع المدني، وتفريغ للسلطة التشريعية من مضمونها، وتحويل للمؤسسات إلى أدوات طيّعة في يد السلطة التنفيذية. الإصلاح الحقيقي لا يكون بإلغاء الضوابط، بل بتعزيز الشفافية، وضمان حرية التعبير، ومؤسسة الرقابة والمساءلة.