التكنولوجيا في خدمة الحماية.. كيف تحول أدوات رقمية مسارات العنف ضد الأطفال؟
تجربة جنوب إفريقيا في دعم الأهل ومنع سوء المعاملة
تتصاعد الدعوات عالمياً لاستخدام التكنولوجيا أداة وقائية لدرء العنف عن الأطفال، لا بوصفها بديلاً عن الخدمات التقليدية بل رافد مكمل يمكن أن يوسع الوصول ويخفض التكاليف ويُسرِّع التدخّل. وتقدم تجربة جنوب إفريقيا في السنوات الأخيرة مثالاً عملياً على كيفية توظيف منصات بسيطة مثل روبوتات الدردشة على تطبيق واتساب وتطبيقات هاتفية مدعومة بأدلة علمية لتقديم إرشادات أسرية، وربط الأسر بخدمات محلية، وتقوية سلاسل الحماية المجتمعية خاصة للأطفال، مع نتائج مبدئية تُظهر مؤشرات واعدة.
حجم المشكلة والأسباب الجذرية
تعكس الإحصاءات في جنوب إفريقيا مستوى مخيفاً من التعرض للعنف بين الأطفال، حيث تشير تقارير رسمية ومنظمات دولية إلى مئات الآلاف من حالات الاعتداء والجرائم ضد القاصرين سنوياً، مع تسجيل مئات حالات القتل والآلاف من حالات الاعتداء الجنسي خلال سنتي 2023–2024، وهذه الوقائع تأتي في سياق عوامل مركبة تشمل الفقر، البطالة، آثار العنف المجتمعي المتوارث، قصور خدمات الصحة النفسية، وضغوط الأسر التي تؤثر على سلوكيات التربية، واستمرار هذه العوامل يجعل تدخلات الوقاية المبكرة واسعة النطاق ضرورة قصوى وفق منظمة "اليونيسف".
آليات التأثير والفائدة
تتيح أدوات التكنولوجيا الوصول إلى الآباء ومقدمي الرعاية في لحظات الحاجة، وتوفر معلومات عملية حول أساليب تربية غير عنيفة، واستراتيجيات إدارة الغضب، وأساليب حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، ويمكن أن تعمل الحلول الرقمية دون اتصال دائم بالإنترنت أو باستخدام بيانات منخفضة التكلفة، ما يجعلها مناسبة للبيئات منخفضة الموارد، كما تسمح بتحليل بيانات الاستخدام لصقل المحتوى وتحسين الإحالات إلى خدمات محلية من خطوط المساعدة إلى مراكز الدعم النفسي، وبرامج قائمة على الأدلة، عندما تُقدّم عبر تطبيقات أو روبوتات محادثة، تُمكّن من الوصول إلى آلاف الأسر بتكلفةٍ أقل من البرامج الحضورية التقليدية.
تجربة جنوب إفريقيا: من نماذج التنفيذ في جنوب إفريقيا منصة Parentline SA، وروبوت دردشة عبر واتساب يقدم إرشادات عملية قائمة على الأدلة لمقدمي الرعاية، مع إمكانية تحويل المستخدمين إلى منظمات محلية عند الحاجة. المنصة عملت على تبسيط الوصول وتخفيض تكاليف البيانات من خلال تجنّب مواد وسائطية كثيفة، وربط المستخدمين بشبكات محلية للدعم.
كما يجري توسيع تجارب ParentApp، وهو تطبيق مجاني ومفتوح المصدر مستمد من مبادرة Parenting for Lifelong Health، والذي صُمم ليعمل دون اتصال ويقدّم وحدات تربوية مبنية على أدلة للتعامل مع النزاع الأسري وتعزيز مهارات الأبوة الإيجابية، وصُممت هذه الأدوات لتكون هجينة؛ أي تربط الدعم الرقمي بالدعم الحضوري عند الحاجة، ما يعزز فعالية التدخل ويسهم في بناء منظومة حماية متكاملة.
دليل الفعالية والأدلة التجريبية
تظهر الأدلة الأولية من تجارب سريرية عشوائية مخططة أن النسخ الرقمية من برامج التربية الإيجابية تقلل مؤشرات العنف والإساءة لدى الأطفال وتحسّن الصحة النفسية للأهالي، وعلى سبيل المثال، دراسات تجريبية ومنشورات علمية تشير إلى أن ParentApp يخضع لتجارب منهجية في تنزانيا ومناطق أخرى، مع نتائج أولية مبشرة بانخفاض في معدلات الإساءة وتحسّن في سلوك المراهقين لدى المجتمعات التجريبية، كما توصي منظمة الصحة العالمية ومبادرات عالمية بمزيج من الدعم الحضوري والرقمي لتحقيق أفضل أثر.
التحديات والقيود
لا تخلو الحلول الرقمية من قيود تتمثل في: أولاً، الفجوة الرقمية وارتفاع تكاليف البيانات التي قد تحجب الوصول عن الفئات الأكثر هشاشة، ثانياً، قضايا الخصوصية وحماية بيانات الأطفال والأسرة تفرض معايير صارمة عند جمع وتخزين المعلومات أو عند إحالة الحالات إلى خدمات إنقاذ، ثالثاً، حدود التفاعل الآلي تعني أن الدعم الرقمي وحده لا يكفي لتقديم حماية متكاملة؛ إذ يلزم وجود شبكات محلية قوية وخدمات متاحة للتدخل الفعلي، وأخيراً، مطلوب تدريب للمقدّمين المحليين ومراعاة ثقافية ولغوية لضمان قبول البرامج وفاعليتها.
ردود منظمات حقوقية وأممية
تؤيد منظمات دولية مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية الاستخدام المدروس للتكنولوجيا بوصفه جزءاً من حزمة سياسات لمنع العنف ضد الأطفال، مع تأكيد احترام حقوق الطفل والخصوصية والمعايير الأخلاقية في التصميم والتنفيذ، وتقر الاتفاقيات الدولية، في مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل، بوجوب حماية الأطفال من كافة أشكال العنف، وتعتبر سياسات الوقاية والتدخّل المبكر من صميم واجبات الدول، وتدعو المنظمات الحقوقية إلى ضمان أن تكون الحلول الرقمية متاحة للجميع وآمنة.
تثبت تجربة جنوب إفريقيا أن التكنولوجيا قادرة على توسيع نطاق الوقاية من العنف ضد الأطفال بطرق عملية وفعالة من حيث التكلفة، شرط أن تُبلور ضمن منظومة متكاملة تحترم خصوصية المستفيد وتوفر شبكة إحالة حضورية قوية، وتنص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والمرجعيات الدولية لحماية الطفولة على واجب الدول بتوفير بيئة خالية من العنف، وتدعو خطط التنمية المستدامة إلى حصر جميع أشكال العنف ضد الأطفال، ودمج الحلول الرقمية المدعومة بأدلة علمية مع سياسات اجتماعية شاملة قد يقدّم فرصة لإحداث تحول حقيقي في حياة الملايين من الأطفال والعائلات في جنوب إفريقيا وخارجها.