نساء خارج النظام المالي.. تحذير أممي من تمييز اقتصادي يهدد المرأة الأفغانية

نساء خارج النظام المالي.. تحذير أممي من تمييز اقتصادي يهدد المرأة الأفغانية
أفغانيات يعملن في أحد المشروعات الحرفية

في بلدٍ يعيشُ أزمة اقتصادية وإنسانية متشابكة منذ أكثر من عقدين، تواجه النساء في أفغانستان اليوم معركة من نوع آخر هي الوصول إلى التمويل، فقد كشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أقل من 10 في المئة فقط من الشركات الصغيرة في أفغانستان تتمكن من الحصول على قروض رسمية، بينما تُحرم النساء الرياديات بصورة شبه كاملة من هذا الحق، في ظل نظام اقتصادي واجتماعي يقيد حركتهن ويمنع وصولهن إلى الموارد المالية الأساسية.

ويقول البرنامج في تقريره الأخير إن ضعف النظام المصرفي وتراجع الثقة بين المؤسسات المالية والمشروعات الصغيرة، خاصة المملوكة للنساء، أديا إلى انكماش حاد في نشاط ريادة الأعمال النسائية، وتعود جذور الأزمة إلى تراكمات سياسية وأمنية طويلة الأمد، حيث دفعت الصراعات والقيود المفروضة على عمل النساء بعد عام 2021 إلى شبه توقف للمشروعات النسائية الصغيرة، التي كانت تمثل قبل ذلك أحد محركات الاقتصاد المحلي في المدن الكبرى مثل كابول وهرات ومزار شريف.

وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بأفغانستان انخفضت إلى أقل من 10.6 في المئة عام 2023، مقارنة بأكثر من 21 في المئة عام 2019، هذا التراجع الحاد ترافق مع توقف العديد من المبادرات الخاصة بتمويل المرأة، بعد انسحاب المؤسسات الأجنبية وإغلاق عشرات البنوك الصغيرة التي كانت تقدم قروضًا تجارية بسيطة.

مبادرة تفتح نافذة أمل

وسط هذا المشهد القاتم، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مبادرة جديدة لضمان القروض، تهدف إلى كسر الحصار المالي المفروض على النساء الرياديات، وتشجيع البنوك على إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتقوم آلية "ضمان الائتمان" بتعويض البنوك جزئيًا في حال تعثر السداد، ما يقلل من المخاطر التي تدفعها عادة إلى رفض طلبات النساء بسبب نقص الضمانات القانونية أو ضعف الملكية الفردية للمشروعات.

بموجب هذه المبادرة، تم رصد ضمان مالي بقيمة مليون دولار، أتاح إمكانية الحصول على نحو 20 مليون دولار كقروض رسمية لما يقرب من 7500 شركة صغيرة في أنحاء البلاد، بينها أكثر من 2250 شركة نسائية، ووفق بيانات البرنامج، فقد ساهمت المبادرة حتى الآن في خلق أكثر من 16 ألف وظيفة جديدة، منها خمسة آلاف وظيفة للنساء، وهو ما يمثل خطوة رمزية مهمة نحو إعادة دمج النساء في الدورة الاقتصادية.

قصص من الميدان

"آزيتا"، وهي رائدة أعمال من كابول، كانت واحدة من المستفيدات من هذا البرنامج، حصلت على قرض بقيمة 500 ألف أفغاني لمشروعها في تصدير الفواكه المجففة، تقول بابتسامة يغلبها الإصرار: "كنت أحتاج فقط إلى دفعة صغيرة لأثبت أن النساء قادرات على إدارة الأعمال بنجاح. بعد القرض، تضاعفت مبيعاتي ثلاث مرات، وأصبحت أشغّل عشر نساء أخريات".

أما "فاطمة صاحب" من مدينة هرات، فتروي تجربة مشابهة. حصلت على قرض قيمته 300 ألف أفغاني لتوسيع صيدليتها وشراء أدوات خياطة لشقيقتها، وتقول إن دخل أسرتها ارتفع بعد القرض من 3 آلاف إلى أكثر من 15 ألف أفغاني شهريًا. وتضيف: "القرض لم يكن مجرد مال، كان بداية جديدة لعائلة كاملة كانت على وشك الانهيار الاقتصادي".

وعلى الرغم من النجاحات المحدودة لهذه المبادرات، ما زالت النساء في أفغانستان يواجهن عراقيل قانونية واجتماعية معقدة. فبحسب تقارير منظمات حقوقية محلية، لا تستطيع كثير من النساء الحصول على قروض لأنهن يفتقرن إلى الضمانات العقارية التي تطلبها البنوك، أو لأن ملكية الأصول ما زالت تُسجل باسم الرجال في أغلب الحالات.

إضافة إلى ذلك، فإن القيود المفروضة على حركة النساء ومنعهن من العمل في عدد من القطاعات أو من السفر دون محرم، تجعل من المستحيل تقريبًا على كثير منهن توقيع عقود مصرفية أو مقابلة ممثلي البنوك، وتصف الأمم المتحدة هذا الوضع بأنه عائق هيكلي يحرم نصف السكان من أدوات الإنتاج.

ويقول تقرير لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن هذه السياسات تشكل "تمييزًا مؤسسياً ضد المرأة"، بما يخالف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تُعد أفغانستان من الدول الموقعة عليها منذ عام 2003، كما حذر التقرير من أن "حرمان النساء من التمويل يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، ويقوض أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالمساواة والنمو الاقتصادي".

تداعيات اقتصادية وإنسانية

يؤكد خبراء التنمية أن استبعاد النساء من النظام المالي لا ينعكس فقط على حياة الأسر، بل يهدد مستقبل الاقتصاد الأفغاني برمته، فبحسب تقديرات البنك الآسيوي للتنمية، يمكن لزيادة مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة تصل إلى 20 في المئة خلال عشر سنوات.

لكن استمرار القيود، إلى جانب غياب الدعم البنكي، يدفع مئات النساء إلى اللجوء إلى القروض غير الرسمية من تجار أو مؤسسات ظل، غالبًا بأسعار فائدة مرتفعة وممارسات استغلالية، هذا الوضع يفاقم من حالات الإفلاس ويزيد من هشاشة الطبقة الوسطى النسائية الناشئة، التي كانت في العقد الماضي رمزًا لنهضة اقتصادية محدودة قبل عام 2021.

وأعربت منظمات حقوقية وإنسانية عدة عن قلقها من هذا الحرمان الممنهج، فقد قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن "عزل النساء عن النظام الاقتصادي يخلق دائرة فقر لا تنتهي"، بينما أكدت منظمة العفو الدولية أن "الحق في العمل والتمويل جزء لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية، ولا يمكن لأي حكومة أن تسلبه بحجة العادات أو الدين".

أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فأكد في بيانه الأخير أن ضمان القروض ليس حلاً نهائيًا، بل محاولة لإبقاء شريان صغير من الأمل مفتوحًا، في ظل اقتصاد "يعاني من الانكماش بنسبة 27 في المئة منذ عام 2021"، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

التاريخ يعيد نفسه

تاريخيًا، لم تكن المرأة الأفغانية غائبة عن النشاط التجاري. ففي سبعينيات القرن الماضي، كانت نسبة النساء العاملات في التعليم والصحة والتجارة تتجاوز 15 في المئة، وبدأت بعضهن دخول مجالات الصناعة الصغيرة والحرف اليدوية، لكن الحروب المتعاقبة ثم التحولات السياسية اللاحقة أعادت عقارب الساعة إلى الوراء.

ويشير تقرير قديم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2010 إلى أن "النساء الأفغانيات اللاتي حصلن على قروض صغيرة آنذاك ساهمن بخلق عشرات الآلاف من فرص العمل"، لكن معظم تلك البرامج توقفت بعد عام 2021 بسبب "غياب البيئة القانونية والأمنية الداعمة".

منظمات نسوية محلية مثل "شبكة النساء من أجل التغيير" و"رابطة سيدات الأعمال الأفغانيات" دعت إلى فتح قنوات تمويل خاصة للنساء عبر منظمات غير حكومية مستقلة، وتخفيف القيود الإدارية على فتح الحسابات المصرفية لهن، كما طالبت بإنشاء "صناديق دوارة" داخل المجتمعات المحلية لتوفير رأس مال صغير للمشروعات المنزلية.

وتؤكد هذه المنظمات أن استمرار التهميش المالي للنساء لا يهدد الاقتصاد فحسب، بل "يقوض أسس العدالة الاجتماعية التي تحتاجها أفغانستان للخروج من أزماتها".

طريق طويل نحو التعافي

في ظل هذه التحديات، يرى خبراء الأمم المتحدة أن نجاح برامج التمويل الموجهة للنساء مرهون بقدرة المجتمع الدولي على الضغط من أجل سياسات أكثر انفتاحًا، تتيح لهن حق التملك والتوقيع والعمل بحرية. وحتى يتحقق ذلك، تظل قصص مثل قصة آزيتا وفاطمة نقاط ضوء صغيرة في عتمة واقع اقتصادي خانق.

ففي بلد يعيش أكثر من 24 مليون شخص فيه على المساعدات الإنسانية، وفق تقارير الأمم المتحدة لعام 2025، يبقى تمكين المرأة اقتصاديًا ليس مجرد مطلب حقوقي، بل ضرورة لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية