بين الفقر وسنوات الحرب.. التسرب من التعليم يهدد مستقبل الأطفال في سوريا

بين الفقر وسنوات الحرب.. التسرب من التعليم يهدد مستقبل الأطفال في سوريا
عمالة الأطفال في سوريا - أرشيف

تحاصر ظروف اقتصادية خانقة مئات العائلات في شمال وشرق سوريا، دافعةً أبناءها نحو سوق العمل بدل مقاعد الدراسة، في حين تحاول الإدارة الذاتية جاهدةً توفير بيئة تعليمية تستوعب الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم خلال سنوات الحرب الطويلة وسيطرة تنظيم "داعش"، إلا أن الفقر والبطالة وغياب الوعي الاجتماعي ما تزال تقوّض أي جهود نحو التغيير.

وأكد مصدر تربوي في هيئة التربية والتعليم بمقاطعة دير الزور أن الإدارة الذاتية تعمل على معالجة الظاهرة من خلال برامج الدمج التعليمي والدعم النفسي والاجتماعي، لكنها تصطدم بعقبات اقتصادية واجتماعية معقّدة، موضحًا أن بعض الأطفال تجاوزوا السن الدراسية، في حين فقد آخرون الحافز للعودة إلى المدرسة بعد سنوات من العمل القسري، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.

يقول الطفل صالح حسين الوزير ذو الأربعة عشر عامًا وهو يعمل في ورشة دهان سيارات: "تركت المدرسة لأن البيت بحاجة إلي، أحب المدرسة لكنها ما تطعمني خبز.. يجب أن أعمل حتى أصرف على أهلي".

أما علاء، الطفل ذو الثلاثة عشر عامًا، فيحكي قصته بألم: "كنت أحب أن أدرس، لكن إمكانياتي لم تساعدني. أعمل مع والدي في السوق، وأحلم بالعودة للمدرسة، لكن الوضع المادي لا يسمح".

وتعكس قصص هؤلاء الأطفال واقع آلاف غيرهم ممن استبدلوا الدفاتر بأدوات العمل، مجسدين أزمة اجتماعية تهدد جيلًا كاملاً بالضياع.

أمهات بين الألم والعجز

تروي خولة القلاب، وهي أم لثمانية أطفال، مأساتها اليومية: "نعيش لاجئين منذ ثماني سنوات.. الإيجارات مرتفعة والحياة صعبة.. أطفالي كبروا دون تعليم لأننا ببساطة لا نملك ما يكفي لإرسالهم للمدرسة".

أما مريم الحمد، وهي والدة لطفلين، فتقول: "زوجي مريض، وأنا المسؤولة عن إعالة العائلة.. اضطررت لإشراك اثنين من أبنائي في العمل لمساعدتي. أتمنى أن يتعلموا، لكن الظروف أقوى منا".

تعكس شهادات الأمهات عمق الأزمة الاجتماعية التي تعانيها الأسر السورية في ظل الغلاء وانعدام فرص العمل.

إدارة تواجه تحديات جسيمة

تؤكد شروق بطاحة، الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في مقاطعة دير الزور، أن ظاهرة التسرب المدرسي هي نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والتهميش خلال فترة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، حيث نشأ جيل كامل دون مؤسسات تعليمية فعالة، وانقطع عن التعليم لسنوات طويلة.

وتوضح أن "التحدي الأكبر يكمن في دمج الأطفال المنقطعين عن الدراسة، خصوصاً أولئك الذين تجاوزوا السن الدراسية، ويعانون من شعور بالحرج والفارق الكبير مع زملائهم".

تضررت عشرات المدارس في مقاطعة دير الزور جراء المعارك، ما تسبب في نقص حاد في الغرف الصفية والمرافق التعليمية، وتعمل الإدارة الذاتية حالياً على ترميم المدارس وتأمين المستلزمات الأساسية، إلا أن الإمكانات المحدودة لا تكفي لمواكبة حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب.

وتشير بطاحة إلى أن التعليم يمثل اليوم "أداة مقاومة طويلة الأمد" في وجه الفقر والتطرف، مؤكدة أن "كل طفل نعيده إلى المدرسة هو مستقبل نعيد بناءه من جديد".

دعوات لدعم دولي ومجتمعي

تحاول الإدارة الذاتية احتواء الظاهرة عبر صفوف الدمج التعليمي وحملات التوعية المجتمعية، لكنها ترى أن هذه الخطوات تحتاج إلى دعم أكبر من المجتمع المحلي والمنظمات الدولية، من خلال تمويل برامج التعليم وتقديم الحوافز المالية للأسر المحتاجة.

وتختتم شروق بطاحة بقولها: "العودة إلى المدرسة ليست مجرد خطوة تعليمية، بل هي عودة إلى الحياة نفسها.. إنها الأمل الوحيد لمستقبلٍ آمن ومجتمعٍ متماسك، وأطفالٍ يستحقون فرصة ثانية قبل فوات الأوان".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية