معاناة يومية.. حين تتحوّل انقطاعات الكهرباء في إيران إلى أزمة صحية

معاناة يومية.. حين تتحوّل انقطاعات الكهرباء في إيران إلى أزمة صحية
حر شديد في إيران - أرشيف

حوّلت الانقطاعات المتكررة للكهرباء في إيران، خلال الأشهر الأخيرة، حياة آلاف المرضى وذوي الإعاقة إلى رحلة يومية من الألم والمعاناة، حيث نشرت صحيفة "اعتماد" الإيرانية، السبت، تقريرًا صادماً كشف عن الآثار القاتلة لهذه الأزمة، بعد تسجيل ما لا يقل عن 5 وفيات مرتبطة مباشرة بالانقطاع المفاجئ أو تقلبات التيار الكهربائي. 

لم يعد الأمر مجرد شكاوى اعتيادية من انقطاع الخدمة، بل غدا تهديدًا وجوديًا يلاحق المرضى الذين يعتمدون على الأجهزة الطبية، ويهدد حياة الأطفال وكبار السن، وحتى أولئك الذين يحتاجون لمجرد إضاءة مصعد كي يتمكنوا من مغادرة منازلهم.

سجّل مرضى "الفراشة" (EB) أحد أكثر الفصول مأساوية في هذه الأزمة.. هؤلاء الذين يعانون هشاشة بالغة في الجلد، تحوّلت حياتهم إلى جحيم مع الانقطاعات. 

تأثيرات صحية مضاعفة

روى الشاب مجتبی، البالغ من العمر 25 عامًا من محافظة يزد، كيف اضطر إلى شراء مروحة تعمل بالشحن لتخفيف آلامه، لكن ساعات الانقطاع الطويلة ضاعفت تكاليف تغيير الضمادات وأوجاع الاستحمام. 

وفي أردبيل، أكّد المريض عادل صحبت‌ زاده أن المكيّف نفسه لم يعد وسيلة إنقاذ، إذ تتضاعف الفقاعات الجلدية بمجرد انقطاع الكهرباء لساعتين أو أكثر.

مدير جمعية مرضى "الفراشة"، حميد رضا هاشمي كلبايكاني، حذّر من أن الحرارة المرتفعة تؤدي إلى التهابات خطيرة وحروق جلدية لدى الأطفال، مشيرًا إلى أن غياب الكهرباء غالبًا ما يعني غياب الماء أيضًا، ما يعرقل تنظيف الجروح ويضاعف احتمالات العدوى.

بين المصاعد والموت البطيء

لم تكن معاناة ذوي الإعاقة الحركية أقل وطأة. فكل انقطاع للكهرباء يعني توقف المصاعد، أجهزة التنفس، والأسرة الطبية الخاصة التي تمنع تقرحات الفراش. 

المواطن بويا من إحدى القرى قرب أرومية، عبّر عن قلقه: "إذا احترق فراشي الكهربائي بسبب تقلبات التيار فسأُصاب بتقرحات لا علاج لها". 

أما السيدة سحر، من ذوي الإعاقة، فقد روت تجربتها المريرة مع العرق والاختناق بعد قضاء نهار كامل بلا مكيّف أو تهوية.

غرف العمليات ساحات خطر

حتى المستشفيات المزوّدة بمولدات لم تسلم من الكارثة، ففي شيراز، تحوّلت عملية جراحية للعين كان من المفترض أن تستغرق ربع ساعة إلى 90 دقيقة كاملة بسبب احتراق مصباح الميكروسكوب الجراحي مرارًا نتيجة تقلبات التيار. 

النتيجة كانت ضررًا دائمًا في عين المريض اليمنى، وفق شهادة الفريق الطبي.. هذه الواقعة كشفت عن ضعف تجهيزات المستشفيات، التي تفتقر إلى أجهزة تثبيت الجهد الكهربائي أو خطط صيانة تواكب الواقع الجديد.

ولم تتوقف الخسائر عند المعاناة. فقد أكّدت التقارير وفاة خمسة أشخاص على الأقل خلال الأشهر الماضية. في محافظة غلستان، أشعلت عودة الكهرباء المفاجئة شرارة انفجار داخل منزل فأودت بحياة طفلين. وفي فارس، توفي شابان (16 و18 عامًا) اختناقًا بعدما احتميا داخل سيارة مشغّلة في مرآب مغلق هربًا من الحر. 

وفي تبريز، فقد مواطن حياته داخل مصعد تعطّل أثناء الانقطاع، في حين تضاعفت حوادث الاحتجاز داخل المصاعد بمعدلات غير مسبوقة، وصلت في بعض المناطق إلى أكثر من 280% مقارنة بالعام الماضي.

اتهامات بسوء الإدارة والفساد

تدفّقت شكاوى المواطنين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، مشيرين إلى أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء لم تعد عارضة، بل نتيجة مباشرة لسوء الإدارة والفساد المزمن. 

في مشهد، وثّق مواطن لحظة انقطاع الكهرباء أثناء جراحة لوالدته في المستشفى، في حين أكد آخر أن انقطاع التيار لأربع ساعات حال دون إنقاذ والدته مريضة الرئة المقيمة في الطابق التاسع، بعدما عجزت سيارات الإسعاف عن الوصول إليها لغياب المصاعد.

تجمع هذه الشهادات الميدانية على أن أزمة الكهرباء في إيران تجاوزت حدود كونها اضطرابًا خدميًا إلى مستوى كارثة صحية عامة، فكل انقطاع يحمل معه احتمال سقوط ضحايا جدد، وكل تقلب في التيار قد يحوّل غرفة عمليات إلى ساحة موت. 

وبينما يواصل المواطنون حياتهم في ظل "ظلام قاتل"، يحذّر الخبراء من أن استمرار هذا الوضع سيحوّل الكهرباء من خدمة أساسية إلى معيار للفصل بين الحياة والموت في إيران.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية