انحسار مياه بحر قزوين يحول السواحل إلى صحارى ويهدد ملايين السكان
انحسار مياه بحر قزوين يحول السواحل إلى صحارى ويهدد ملايين السكان
يشهد بحر قزوين، أكبر بحر داخلي في العالم، انحساراً مقلقاً لمستوياته المائية نتيجة تغير المناخ، ما حوّل أجزاءً واسعة من سواحله الشمالية إلى أراضٍ جافة وصحراوية، وهذا التراجع لم يعد مجرد ظاهرة طبيعية متكررة، بل أزمة بيئية وجيوسياسية تهدد حياة نحو 15 مليون نسمة يعيشون على ضفافه، إضافة إلى النظم البيئية الفريدة التي يعتمدون عليها.
المنطقة التي كانت مأوى لآلاف طيور الفلامنكو وسمك الأستروج وحيوانات الأختام، باتت اليوم مهددة بالاندثار وفقاً لما أورده موقع "Phys"، وفي بعض المناطق انحسر البحر أكثر من 50 كيلومتراً، فتحولت الموانئ إلى مواقع بعيدة عن المياه، واضطرت شركات النفط والغاز إلى حفر قنوات طويلة ومكلفة للوصول إلى منشآتها البحرية.
وفق دراسات علمية حديثة، تراجع مستوى البحر بمعدل 6 سنتيمترات سنوياً منذ مطلع القرن، ليتسارع الانخفاض إلى 30 سنتيمتراً سنوياً منذ عام 2020. وفي يوليو 2025 أعلن علماء روس أن البحر هبط إلى أدنى مستوى مسجل منذ بدء القياسات العلمية، ما اعتُبر إنذاراً صارخاً حول خطورة الموقف.
الاحتباس الحراري في قلب الأزمة
خلال القرن العشرين، تسببت عوامل طبيعية واستغلال الإنسان للمياه في تقلبات مستوى قزوين، أما اليوم، فالاحتباس الحراري هو المحرك الأساسي، حيث يتراجع تدفق المياه من الأنهار والأمطار، في حين يزداد معدل التبخر، وحتى لو التزمت الدول بهدف اتفاقية باريس للحد من الاحترار عند درجتين مئويتين، يتوقع أن ينخفض منسوب البحر عشرة أمتار على الأقل مقارنة بعام 2010، وقد يصل إلى 18 متراً في حال استمرار الانبعاثات الحالية التي تفاقم أزمة التغير المناخي.
انحسار قزوين يحمل عواقب كارثية تتمثل في فقدان أربعة أنظمة بيئية فريدة، وتراجع 81% من مواطن أختام البحر المهددة بالانقراض، وصعوبات جسيمة في تكاثر سمك الستروجان، كما قد يؤدي جفاف أجزاء واسعة من القاع إلى انبعاث غبار سام، على غرار ما حدث في بحيرة آرال، مهدداً صحة ملايين البشر.
خسائر اقتصادية وجيوسياسية
الموانئ التجارية مثل أكتاو في كازاخستان وبخو في أذربيجان تواجه تكاليف متزايدة للحفاظ على نشاطها، في حين يهدد تراجع المياه "الممر المتوسط"، وهو الطريق التجاري الذي يربط الصين بأوروبا، ومع اضطرار السفن إلى تقليص حمولاتها وارتفاع تكاليف التشغيل، يصبح مستقبل هذا الممر الاستراتيجي على المحك.
بحر قزوين الذي يقع عند التقاء أوروبا وآسيا الوسطى طالما شكّل مركزاً رئيسياً لصيد الأسماك، والنقل البحري، وإنتاج النفط والغاز، وهو محاط بخمس دول هي روسيا وكازاخستان وتركمانستان وإيران وأذربيجان، لكن التغير المناخي يهدد بتحويله إلى أزمة بيئية وجيوسياسية عابرة للحدود، مع مخاطر نزوح سكاني وضغوط اقتصادية هائلة، هذه الأزمة تعيد إلى الأذهان مأساة بحيرة آرال التي تحولت من رابع أكبر بحيرة في العالم إلى مساحة قاحلة من الغبار السام.