براءة تضل طريق النور.. الفقر يحرم أطفال إيران من التعليم
براءة تضل طريق النور.. الفقر يحرم أطفال إيران من التعليم
افتتحت مأساة جديدة العام الدراسي في إيران، اليوم الأحد، بعدما أنهت الشابة ليالدا باغمالك البالغة من العمر 17 عاماً حياتها في محافظة خوزستان شرق كردستان، بسبب عجزها عن شراء المستلزمات المدرسية.
النهاية المريرة للفتاة لم تترك جرحاً في قلب عائلتها فحسب، بل عمّقت أيضاً الإحساس الجماعي بالخذلان، حيث يتحول التعليم، الذي يُفترض أن يكون وسيلة للارتقاء وكسر دائرة الفقر، إلى عبء يقصم ظهور الأسر، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال".
وبلغت حصة التعليم في ميزانية الأسرة الإيرانية 4.72% عام 2018، لكنها انخفضت تدريجياً مع تزايد التضخم والعقوبات الدولية، حتى وصلت إلى نحو 1% فقط عام 2023.
هذا التراجع الحاد أجبر الأسر على إعطاء الأولوية للطعام والدواء والسكن، في حين أصبح الإنفاق على الكتب والقرطاسية والحقائب ترفاً صعب المنال، وهو ما أدى إلى حرمان مئات الآلاف من الأطفال من أبسط حقوقهم التعليمية.
العجز عن شراء الحقائب
روت الطالبة زانا محمدي التي تدرس في الصف الرابع بمدينة جوانرو، أنها حملت كتبها هذا العام بيديها إلى المدرسة لعدم قدرتها على شراء حقيبة.
وأكدت أنها شعرت منذ سنوات بالمسافة الفاصلة بينها وبين زملائها "كنت أراقبهم وهم يشترون ملابس وقرطاسية ملونة، في حين كنت أختبئ خلف الأعذار حتى لا يسألني أحد عن سبب غيابي عن الدروس الإضافية أو نشاطات ما بعد المدرسة".
شهادتها تكشف جانباً مؤلماً من واقع ملايين الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر، ويعانون فقدان الثقة بالنفس والشعور بالدونية.
حرمان من المدرسة
عانت الأم شلير أحمدي من حرمان أكثر قسوة، فهي أرملة فقدت زوجها في حادث، واضطرت إلى الانتقال إلى جوانرو لتعليم أطفالها الثلاثة.
لكنها، تحت وطأة الأعباء الاقتصادية، فضّلت في نهاية المطاف حرمان ابنتيها من المدرسة بالكامل، حتى لا يذقن ألم الإذلال الناتج عن العجز عن شراء أبسط المستلزمات.
وقالت بأسى: "كنت أظن أنني أحميهما من الألم، لكنني في الحقيقة سرقت مستقبلهما".
وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن أكثر من 158 ألف طفل في المرحلة الابتدائية وحدها تسرّبوا من الدراسة خلال عام 2024 – 2025، بينهم 152 ألفاً لم يلتحقوا بالمدرسة قط.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة جزء منهم، لم يعد سوى 29 ألفاً فقط إلى الفصول، في حين بقي عشرات الآلاف على الهامش.
تحذير ناشطات حقوقيات
حذرت ناشطات حقوقيات من أن ما يحدث يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل التي التزمت بها إيران ضمن المواثيق الدولية، حيث ينص الميثاق الدولي لحقوق الطفل على ضمان التعليم الإلزامي والمجاني.
ورأت أن الفقر ينبغي ألا يتحول إلى مبرر للحرمان، بل إلى دافع لتبني سياسات أكثر عدالة وتخصيص موارد تضمن تكافؤ الفرص بين جميع الأطفال.
دعت منظمات المجتمع المدني إلى وضع سياسات جذرية لمعالجة الأزمة، تبدأ بزيادة مخصصات التعليم في الموازنة العامة، وتقديم دعم مباشر للأسر الفقيرة، وتوسيع مبادرات توزيع الحقائب والقرطاسية مجاناً، فضلاً على إدراج مناهج مدرسية تناقش أثر الفقر في المجتمع، بما يعزز وعي الطلاب بحقوقهم.
وأكدت أن التعليم يجب ألا يكون ضحية الظروف الاقتصادية، بل وسيلة لكسرها.