العالم يتجاهل الإنذار الأخير.. الأرض تستغيث والإنسان يفقد حقه في بيئة آمنة
الشعاب المرجانية تحتضر
يُطلق العلماء صيحة تحذير جديدة، معلنين أن الكوكب يقترب من تجاوز "نقطة اللاعودة" في أزمة المناخ، بعد صدور تحليل شارك فيه 160 عالمًا من مختلف أنحاء العالم، خلصت النتائج إلى أن الأرض لم تعد في مرحلة الخطر المحتمل، بل باتت فعليًا داخل مرحلة الانهيار البيئي النشط.
يؤكد التقرير –الذي نشرته "الغارديان" و"الإندبندنت"– أن الأنظمة الطبيعية التي تحافظ على توازن الحياة، من الشعاب المرجانية إلى الغابات المطيرة، تتعرض لتدهور سريع لم يسبق له مثيل.
ويشير العلماء إلى أن الأدلة الحالية تُظهر تسارعًا في تغير المناخ بدرجة لم تتوقعها حتى النماذج المناخية المتشائمة، ويُبرز التقرير أن هذا التسارع يعني أن نصف الكائنات البحرية المعروفة قد تواجه خطر الانقراض خلال العقود المقبلة.
ويضيف الباحثون أن هذه الأزمة ليست بيئية فحسب، بل إنسانية بامتياز، إذ تمسّ حقوق الإنسان الأساسية في الغذاء والماء والصحة والبيئة السليمة.
ويحذر المشاركون في التقرير من أن تجاوز "نقاط التحول" البيئية -مثل ذوبان الجليد في القطبين وانهيار نظم الشعاب المرجانية- قد يؤدي إلى تفاعلات متسلسلة لا يمكن وقفها، حيث يصف العلماء الوضع بأنه "حالة طوارئ عالمية" تتطلب استجابة فورية ومنسقة على مستوى الحكومات والمجتمعات.
خسارة الشعاب المرجانية
توثق "الغارديان" في تقريرها أن الشعاب المرجانية، التي تمثل أحد أهم النظم البيئية في العالم، تشهد انهيارًا واسع النطاق نتيجة ارتفاع درجات حرارة البحار، يقول الدكتور تيم لينتون، أحد أبرز المشاركين في الدراسة، إن "العالم يعيش الآن لحظة غير مسبوقة، إذ نشهد موت المحيطات أمام أعيننا".
ويشير إلى أن أكثر من 70% من الشعاب المرجانية قد فقدت قدرتها على التجدد الطبيعي، ما يعني أن ملايين البشر الذين يعتمدون عليها في الغذاء والدخل مهددون بفقدان مصادر رزقهم.
ويؤكد التقرير أن هذا الانهيار البيئي ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية فاشلة واستغلال مفرط للموارد، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا لحق الأجيال القادمة في بيئة آمنة ومستدامة.
وفي تحليلها، تبرز "الإندبندنت" البعد الإنساني العميق للأزمة المناخية، موضحة إن انهيار النظم البيئية يخلق "هشاشة بشرية جديدة"، حيث تتزايد موجات النزوح المرتبطة بالمناخ، وتُسجل أعداد متزايدة من الوفيات المرتبطة بالحرارة والجفاف ونقص الغذاء، وأن ما يحدث ليس مجرد أزمة بيئية، بل أزمة حقوق إنسان كاملة، إذ تُقوّض أساسيات الحياة الكريمة لملايين الأشخاص في الجنوب العالمي.
وتنقل الصحيفة عن الباحثة جولييت كابرال قولها إن "البيئة لم تعد مجرد خلفية لحقوق الإنسان، بل أصبحت مركزها الحقيقي"، وتشدد على أن العالم بحاجة إلى إعادة تعريف التنمية لتصبح عادلة مناخيًا وحقوقيًا في الوقت نفسه.
مسؤولية الدول الصناعية
يُظهر التقرير أن الدول الصناعية تتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية عن الانبعاثات التي تسببت في تسخين الكوكب، وتشير الأرقام إلى أن 10% من سكان العالم يولدون أكثر من نصف الانبعاثات الكربونية، ويرى العلماء أن العدالة المناخية تقتضي إعادة النظر في سياسات الطاقة والتجارة العالمية، بحيث تتحمل الدول الأكثر ثراءً تكلفة الأضرار البيئية التي ألحقتها بالكوكب.
وفي هذا السياق فإن فشل الدول الكبرى في الالتزام بتعهداتها المناخية يُعد إخلالًا بواجباتها تجاه المجتمع الدولي والبيئة، بل ويقوض مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب.
يدعو التقرير إلى "تغيير جذري في نمط الحياة العالمي" إذا أراد العالم تجنب الانهيار الكامل للأنظمة البيئية، ويحث العلماء على وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري، والاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، وإعادة التفكير في سلاسل الإمداد العالمية بما يضمن استدامة الموارد.
ويؤكد المشاركون أن الحلول لا تقتصر على الابتكار التقني فحسب، بل تشمل أيضًا تغييرًا في القيم المجتمعية ونظم الحكم، فحق الإنسان في بيئة نظيفة لا يمكن فصله عن الحق في المشاركة والعدالة والمساءلة.
اللامبالاة السياسية
تقول "الإندبندنت" إن أخطر ما يواجه الكوكب اليوم ليس فقط ارتفاع الحرارة أو ذوبان الجليد، بل "اللامبالاة السياسية" التي تتعامل مع الأزمات المناخية كملف ثانوي، وتصف هذه اللامبالاة بأنها "انتهاك سياسي صامت"، إذ تحرم الشعوب من حقها في الحماية من الكوارث المتوقعة.
وتشير إلى أن القرارات البطيئة والمؤتمرات الطويلة لم تعد كافية، وأن ما يحتاج إليه العالم اليوم هو إرادة سياسية تضع الكوكب قبل المصالح الاقتصادية الضيقة.
ويُبرز التقرير بيانات جديدة تُظهر أن 20 من أصل 25 نظامًا بيئيًا حرجًا في العالم تشهد تدهورًا متسارعًا، وتشمل هذه النظم الغابات الاستوائية والمناطق الجليدية والأنهار الكبرى، وتؤكد "الغارديان" أن ذوبان الجليد في غرينلاند وحده قد يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار بمتر واحد على الأقل خلال القرن المقبل، وهو ما يهدد وجود عشرات المدن الساحلية.
الحق في الحياة
يرى الباحثون أن تغير المناخ لم يعد تهديدًا بيئيًا فحسب، بل أصبح تهديدًا لجوهر الحق في الحياة ذاته، إذ تشير الأرقام إلى أن ملايين الأشخاص سيموتون سنويًا بسبب موجات الحر أو نقص المياه إذا استمر المسار الحالي، ويعتبر العلماء أن هذا الواقع يفرض على الأمم المتحدة والدول التزامات جديدة، ليس فقط لحماية الطبيعة، بل لضمان بقاء الإنسان نفسه.
وفي خاتمته، يوجّه التقرير نداءً إلى قادة العالم والمجتمعات المدنية للتحرك العاجل، يقول الباحث تيم لينتون: "لم نعد نحذر مما سيحدث، نحن نصف ما يحدث الآن"، ويؤكد أن الشعاب المرجانية التي كانت تنبض بالحياة أصبحت رمادًا أبيض، وأن أصوات العلماء يجب أن تُسمع كتحذير أخير قبل فوات الأوان.
ويضيف أن العدالة المناخية ليست مطلبًا أخلاقيًا فحسب، بل هي شرطاً لبقاء البشرية، فكل تأخير في خفض الانبعاثات يعني تضييق مساحة الحياة نفسها، وكل صمت سياسي أمام الكارثة يعني انتهاكًا جديدًا لحقوق الإنسان على هذا الكوكب.