ملايين الضحايا وشبكات مجهولة.. السلطات الألمانية تغلق أكثر من 1400 موقع احتيال رقمي

ملايين الضحايا وشبكات مجهولة.. السلطات الألمانية تغلق أكثر من 1400 موقع احتيال رقمي
عناصر في الشرطة الألمانية

في خطوة وُصفت بأنها الكبرى من نوعها في أوروبا لمكافحة الجريمة الإلكترونية، أعلنت سلطات التحقيق في ألمانيا عن إغلاق أكثر من 1400 موقع إلكتروني احتيالي كانت تديرها شبكات مجهولة الهوية لاستدراج المستثمرين عبر الإنترنت.

وقالت جهات التحقيق في بيان مشترك يوم الاثنين، إن المواقع المحظورة كانت تعمل تحت واجهات رقمية جذابة لإقناع المستخدمين بضخ أموالهم في منصات تداول مزيفة تقدم وعوداً بعوائد مالية مرتفعة، لكنها في الحقيقة كانت فخاخاً محكمة للنصب الإلكتروني وفق وكالة الأنباء الألمانية.

تنسيق أمني ومالي واسع النطاق

شارك في العملية مركز مكافحة الجريمة الإلكترونية في ولاية بادن-فورتمبرج، وفرع مكتب التحقيقات الجنائية في الولاية، إلى جانب الهيئة الاتحادية للرقابة المالية (بافين)، وأوضح البيان أن التعاون بين هذه الجهات مكّن من تتبع شبكات تمتد عبر حدود دولية وتستخدم أساليب تضليل متقدمة لإخفاء مصدرها الفعلي.

وجرى توجيه جميع النطاقات الإلكترونية المغلقة إلى صفحة خاصة بالمصادرة، حيث يظهر للمستخدمين عند محاولة الدخول إلى تلك المواقع تنويه رسمي يؤكد مصادرتها بقرار قضائي.

ملايين الضحايا المحتملين وعمليات احتيال معقّدة

وكشفت التحقيقات أن تلك المنصات كانت قد حصدت ملايين الزيارات خلال الأشهر الماضية، ووفقاً للبيان، فقد تم تسجيل نحو 866 ألف زيارة فقط منذ الثالث من أكتوبر، وهو اليوم الذي بدأت فيه السلطات الألمانية تحويل المواقع المحجوبة إلى صفحات المصادرة.

ويعتقد المحققون أن هذه المواقع استخدمت إعلانات مضللة وشخصيات وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي لتسويق استثماراتها المزعومة، في حين خسر آلاف المستخدمين مبالغ مالية كبيرة من دون أي إمكانية لاستردادها.

وقال مصدر في مكتب التحقيقات الجنائية في كارلسروه إن الضحايا عادة ما يكونون من الأفراد الباحثين عن فرص استثمار سهلة أو ربح سريع، وغالباً ما يتم استهداف كبار السن أو محدودي الخبرة المالية.

المشتبه بهم.. بين الجريمة الإلكترونية والاتجار بالمخدرات

وتراوح أعمار المشتبه فيهم، وفق ما أعلنه الادعاء العام الاتحادي، بين 36 و61 عاماً، وقد أُودع اثنان منهم السجن الاحتياطي في ولاية راينلاند-بفالتس، ليس بتهمة تنفيذ هذه الهجمات الإلكترونية تحديداً، بل للاشتباه في تورطهما بقضايا اتجار بالمواد المخدرة.

ويُعتقد أن هناك شبكة أوسع تدير هذه المواقع من خارج ألمانيا، وربما تتصل بجهات تنشط في أوروبا الشرقية أو آسيا الوسطى، حيث تنتشر منصات الاحتيال المالي الرقمي بشكل واسع في السنوات الأخيرة.

ظاهرة عالمية متنامية

تأتي هذه العملية في ظل تصاعد عالمي لجرائم الاحتيال الإلكتروني المرتبطة بالتداول والاستثمار عبر الإنترنت، وتشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أن المواطنين الأوروبيين خسروا ما يزيد على 10 مليارات يورو خلال العامين الماضيين بسبب عمليات مشابهة تعتمد على الإعلانات الرقمية المضللة.

ويرى خبراء أمنيون أن صعوبة تعقب مرتكبي هذه الجرائم ترجع إلى استخدام تقنيات التمويه الرقمي والعملات المشفرة، إضافة إلى تشغيل خوادم المواقع في دول لا تخضع لقوانين رقابة مالية صارمة.

وقال مارتن كيرشنر، الخبير في الأمن السيبراني بجامعة ميونيخ التقنية، إن الاحتيال المالي عبر الإنترنت أصبح صناعة منظمة تتجاوز الحدود، تعتمد على ذكاء اصطناعي في التواصل مع الضحايا، وتستغل الثغرات القانونية في أنظمة الدفع الرقمي.

ضحايا بلا حماية كافية

رغم التقدم التقني الذي أتاح اكتشاف هذه الشبكات، فإن آلاف الضحايا ما زالوا دون حماية أو تعويض فعلي، فالقوانين الألمانية، بحسب منظمات حماية المستهلك، لا تتيح بعد آلية شاملة لتعويض الأفراد الذين خسروا أموالهم عبر الإنترنت.

وقالت بيترا فيلاند من جمعية المستهلكين الألمان إن الكثير من الضحايا يشعرون بالخجل من التبليغ عن تعرضهم للنصب، ما يجعل أرقام الاحتيال الفعلية أعلى بكثير من المعلن، وأضافت أن الوعي الرقمي لدى المستخدمين لا يزال ضعيفاً مقارنة بتطور أساليب الجريمة الإلكترونية.

دعوات لتشريعات أوروبية أكثر صرامة

أثارت القضية الجديدة ردود فعل قوية داخل ألمانيا وخارجها، إذ دعا البرلمان الأوروبي إلى إعادة النظر في القوانين المنظمة للإعلانات الاستثمارية الرقمية وفرض رقابة على المنصات التي تتيح الترويج لفرص مالية غير موثوقة.

كما طالبت منظمة هيومن ديجيتال رايتس بإطلاق حملة توعية أوروبية حول الاستثمار الآمن عبر الإنترنت، مؤكدة أن الاحتيال المالي الرقمي بات يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين مثلما تهدد الجريمة التقليدية حياتهم اليومية.

معركة طويلة ضد الاحتيال الرقمي

رغم النجاحات الأمنية التي تحققت في ألمانيا، يؤكد الخبراء أن المعركة ضد الاحتيال الإلكتروني ما زالت طويلة ومعقدة فكل موقع يتم إغلاقه، يُنشأ بدلاً عنه آخر خلال أيام، في سباق لا ينتهي بين الجريمة والرقابة.

ويحذر المحللون من أن الظاهرة لن تنحسر ما لم تترافق الجهود الأمنية مع تثقيف رقمي شامل للمستخدمين، وتشريعات مالية جديدة تُلزم الشركات والمنصات بالكشف عن هويات المستثمرين الحقيقيين ومصادر التمويل.

مسؤولية جماعية في مواجهة الجريمة الرقمية

في النهاية، تمثل الحملة الألمانية الأخيرة نقطة ضوء في معركة عالمية ضد الاحتيال الإلكتروني الذي لا يعرف حدوداً جغرافية.

لكنها تذكير أيضاً بأن التكنولوجيا التي تسهّل حياتنا قد تتحول إلى أداة في يد من يسعون لاستغلالها للإضرار بالمجتمعات والأفراد.

ففي عالم أصبحت فيه الثقة تُباع وتُشترى بنقرة واحدة، تظل الوقاية الرقمية والمعرفة التقنية هما خط الدفاع الأول عن المستخدمين، قبل أن تتدخل أجهزة الأمن بعد فوات الأوان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية