اتفاق المهاجرين بين باريس ولندن يثير الجدل ومنظمات حقوقية تلجأ للقضاء

اتفاق المهاجرين بين باريس ولندن يثير الجدل ومنظمات حقوقية تلجأ للقضاء
إنقاذ مهاجرين - أرشيف

أطلقت أكثر من خمس عشرة جمعية حقوقية ومدنية في فرنسا، معركة قضائية ضد اتفاق "واحد مقابل واحد" المبرم بين باريس ولندن، مطالبة مجلس الدولة الفرنسي بإلغائه فوراً. 

وجاء الطعن بعد شهر من بدء تطبيق الاتفاق، الذي وصفته الجمعيات بأنه "انتهاك صريح لحقوق اللاجئين وتعدٍّ على كرامتهم الإنسانية"، معتبرة أنه يُحول المهاجرين إلى مجرد أرقام ضمن صفقات سياسية وأمنية بين البلدين.

ينص الاتفاق، الذي وُقّع في 10 يوليو وأُعلن عنه رسمياً في 11 أغسطس 2025، على مبدأ "التبادل المتكافئ للمهاجرين": أي أن بريطانيا تعيد إلى فرنسا مهاجراً غير نظامي مقابل السماح لمهاجر من الأراضي الفرنسية بدخول المملكة المتحدة بشكل قانوني. 

وبدأت السلطات تنفيذ هذا التفاهم منتصف سبتمبر الماضي، حيث تم ترحيل 26 مهاجراً من بريطانيا إلى فرنسا، مقابل سماح لندن بدخول 18 مهاجراً فقط بموجب الترتيبات الجديدة.

ووصف ائتلاف المنظمات، الذي يضم جمعيات مثل "أطباء العالم" و"يوتوبيا 56" و"ملجأ المهاجرين" و"جِسْتي", الاتفاق بأنه "مهين وغير إنساني"، مشيرة إلى أنه يختزل حياة البشر في "معادلة تبادلية باردة" تتجاهل مبدأ الحق الفردي في طلب اللجوء الذي يكفله القانون الدولي.

طعن قانوني ودستوري

أكد المحامي والناشط الحقوقي ليونيل كروزو، الممثل القانوني عن الجمعيات، أن الاتفاق "يفتقر إلى الشرعية الدستورية"، لأنه أُقرّ بمرسوم حكومي دون مصادقة البرلمان الفرنسي، في انتهاكٍ للمادة 53 من الدستور التي تشترط موافقة تشريعية على الاتفاقيات الدولية.

وحذّر كروزو من أن "تجاوز البرلمان في قضايا تمس السيادة وحقوق الإنسان يفتح الباب لإلغاء الاتفاق"، مستشهداً بقرارات سابقة أصدرها المجلس الدستوري الفرنسي أبطلت اتفاقيات مشابهة تم تمريرها دون نقاش ديمقراطي.

وذكرت منظمة "ديتينشن أكشن" البريطانية أن السلطات في المملكة المتحدة احتجزت 34 مهاجراً استعداداً لترحيلهم إلى فرنسا، من بينهم أشخاص من أفغانستان ومصر وإريتريا وإثيوبيا والكويت وإيران وليبيا وفلسطين والصومال والسودان وسوريا. 

يقيّد الحريات الأساسية

تؤكد الجمعيات الحقوقية أن عمليات الاحتجاز والترحيل القسري باتت تُنفَّذ بوتيرة متسارعة، مما يقيّد الحريات الأساسية لطالبي اللجوء ويقوض مبدأ الحماية الإنسانية.

وقالت ستيلا بوسك، مسؤولة التواصل في منظمة "ملجأ المهاجرين"، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "الاتفاق يكرّس منطقاً غير إنساني يقوم على تبادل البشر، وكأن حياة الإنسان أصبحت عملة تفاوضية بين الحكومات". 

وأضافت أن عبور المهاجرين للمانش أصبح يُعامل "كجريمة"، وأن المحتجزين يُرحَّلون دون النظر في ملفاتهم الفردية.

تشديد السياسة البريطانية

أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الغاية من الاتفاق هي "ردع الهجرة غير النظامية"، مشدداً على أن "من يدخل البلاد بطرق غير قانونية سيُحتجز ويُرحَّل فوراً". 

وفي مطلع أكتوبر 2025، أعلنت الحكومة البريطانية إلغاء آلية لمّ الشمل العائلي التلقائية للاجئين، والتي كانت تتيح لهم استقدام أفراد أسرهم بعد الحصول على وضع قانوني.

وقال ستارمر: "حق الإقامة الدائمة يجب أن يُكتسب لا أن يُمنح، والمساهمون في المجتمع هم فقط من سيحصلون عليه، لا من يدفعون للمهربين ليعبروا البلاد"، على حد قوله.

خلفية إنسانية قاتمة

تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 35 ألف مهاجر وصلوا إلى بريطانيا عبر المانش منذ بداية العام الجاري، مقارنةً بـ26 ألفاً في الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعكس تصاعد أزمة إنسانية مزمنة. 

ويخشى المراقبون من أن يؤدي اتفاق "واحد لواحد" إلى مزيد من التدهور في أوضاع اللاجئين، وتحويلهم إلى أدوات تفاوض سياسي بين الحكومات، بعيداً عن جوهر الحق الإنساني في الأمان والكرامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية